سميرة بن عبد الوهاب ل”مغربيات” : المرأة المهاجرة لازالت تعاني من مشاكل الاندماج و الحصول على عمل قار
مغربيات
لم يكن من السهل عليها ترك بلدها الأم و الالتحاق بزوجها بالديار الأوروبية، لكن رغم ذلك فقد استطاعت سميرة بن عبد الوهاب أن تجعل من هجرتها لبروكسيل ببلجيكا فرصة حقيقية استثمرتها بشكل جيد، من خلال تأسيس “الجمعية الأوروبية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها” و العمل على تحسين أوضاع المهاجرين العرب و المغاربة. إذ بقدر ما تؤمن بضرورة تعلم لغة البلد المضيف للاندماج و التأقلم، فهي تؤمن كذلك بأهمية أن تكون المهاجرة سفيرة حقيقية لثقافة بلدها الأصلي و هويتها و تمثله أحسن تمثيل.
مغربيات تواصلت مع سميرة بن عبد الوهاب رئيسة “الجمعية الأوروبية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها” للحديث عن الجمعية التي ترأسها و عن الهجرة و وضعية النساء المهاجرات في الحوار التالي..
مغربيات : أنت رئيسة الجمعية الأوروبية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. لماذا الاهتمام باللغة العربية بالنسبة للناطقين بغيرها؟
بداية أود أن أشكر “مغربيات“ على اهتمامها بمغربيات العالم. بالنسبة لسؤالكم، فإن اللغة هي نظام لساني عالمي، يكشف جوهر الإنسان وفكره فهي مرآة ثقافته و هويته و تراثه و هي المعبرة عن أغراضه و تطلعاته و أيضا المبرزة لتراثه الثقافي و الحضاري و الحافظة له. و قد أصبحت اللغة العربية من اللغات المهيمنة على تعلم اللغات في العالم، وذلك بعد صدور قرار الأمم المتحدة الذي يعتبر اللغة العربية من ضمن اللغات الست التي يجوز لك التحدث بها وترجمتها، و كذلك من الناحية الاقتصادية و السياسية، فقد أضحى العالم العربي منطقة مهمة هنا بأوروبا، حيث أصبح الأوروبيون يهتمون بتعلم اللغة العربية ، و قد لاحظنا خلال الفترة الأخيرة طفرة في تعلم هذه اللغة للناطقين بغيرها بأوروبا، و ذلك راجع لرغبة الحكومات الأوروبية في دمج وتطوير اللغة العربية في منظوماتها التربوية ، وفقا للإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات ، باعتباره الأساس لمشترك لعلم اللغات الأجنبية في أوروبا ، وتنفيذا لقرار اللجنة الأوروبية بتاريخ 25نونبر1977القاضي بإقرار برنامج اللغة العربية و الثقافة الأصلية كحق لأبناء العمال المهاجرين.
حدثينا عن الجمعية التي ترأسينها و عن اسباب الهجرة لدولة بلجيكا؟
الجمعية الأوروبية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها جمعية فتية تأسست ببروكسل ببلجيكا . فكرة التأسيس جاءت بسبب الظروف التي تعيشها الجالية العربية و خاصة المغربية هنا ببلجيكا. قمنا بتأسيس هذه الجمعية لحرصنا الشديد على نشر الثقافة و اللغة العربيتين في أوساط الجالية العربية المسلمة المقيمة بأوروبا ، و هي تحرص على تطوير مناهجها، طبقا للإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات ، و أيضا لمسايرة الطلب المتزايد على تعلم هذه اللغة لفائدة الجالية العربية، لكونها اللغة التي يتحدث بها أكثر من 15 مليون أوروبي من ذوي الثقافات و الأصول العربية، و يستعملها أكثر من 25 مليون مسلم لفهم الأصول الدينية في بلدان إقامتهم. إذن فنحن نشتغل في إطار الجمعية على التنسيق و الشراكة مع الجمعيات و المنظمات ذات نفس الأهداف، كما نقوم بتنظيم دورات تكوينية وورشات لمعالجة القضايا التربوية و الثقافية ، و كذلك المساهمة في إعداد البرامج التكوينية وفق أساليب حديثة لتأطير الأساتذة. نعلم بأن تعليم اللغة العربية ينحصر في المساجد وفي بعض المدارس الغير النظامية، حيث تدريس اللغة العربية يتم بطرق تقليدية ، وحتى الأساتذة لم يتلقوا تكوينات بيداغوجية مهمة ، فلهذا نجد عدة مشاكل في هذا المجال، فالفكرة إذن انطلقت بسبب هذه المشاكل للرفع من جودة التعلم لدى أبناء الجاليات، كما نقوم بعملية تعليمية تعلمية و ثقافية لترسيخ اللغة و الهوية العربية و المواطنة العالمية، كما نقوم بتنظيم أيام مفتوحة لزيارة مؤسستنا ، قصد التعرف على البيداغوجيات و الاستراتيجيات الحديثة لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في الإطار المرجعي الأوروبي المشترك، كما قمنا بعدة اتفاقيات منها منظمة “الإيسيسكو“ بالرباط، و قد نظمنا دورات تكوينية لفائدة المعلمين و المعلمات حول الاستراتيجيات الحديثة لتعليم اللغة العربية الناطقين بغيرها .
أثناء أحد اللقاءات حول اللغة العربية
كيف هي ظروف الإقامة هناك؟
بالنسبة لي و من خلال تجربتي كمهاجرة، بداية بالديار الإيطالية ثم البلجيكية فيما بعد، كانت ظروف إقامتي جيدة. الدول الأوروبية تفتح أمامك العديد من الفرص، سواء في تعلم لغة البلد المستقبل ، أو من خلال إتاحة فرصة إكمال دراساتك العليا في الجامعة، وهي فرص جيدة جدا لتحسين ظروف العيش و كذلك من أجل التأقلم داخل البلد المستقبل. و الحقيقة أن البلدان الأوروبية تتيح للمرأة فرص تحسين ظروف عيشها بشكل عام.
وقد اشتغلت عند مجيئي إلى هنا على ملف الهجرة مع أوروبيين، وقمنا بعدة أشياء مهمة لفائدة المهاجرين و أبنائهم بصفة عامة. بحكم عملي في مجال التعليم و ميدان الهجرة و حقوق الطفل، حيث انا عضوة في المنطمة العالمية لحقوق الطفل الموجودة بفلسطين ، و بصفتي أما و مربية فيهمني الاشتغال و العمل من أجل تحسين أوضاع أطفال الجاليات العربية المقيمة ببلدان المهجر. كان لدي أيضا تجربة مهمة يتعلق الأمر ببرنامج “الطفل مشروع إنسان“ الذي اشتغلت عليه بإذاعة “ أرابيل“ هنا ببروكسيل، وهو برنامج تربوي يهتم بكل ما يتعلق بالتربية و الصحة النفسية للطفل و الأم أيضا، وفكرته استلهمت من العالم المغربي المهدي المنجرة الذي يقول إن التربية هي أهم عامل في الرفع من مستوى المجتمعات أو الارتقاء بها. إذن هذا ملخص عن الأنشطة التي أمارسها هنا لبروكسيل من أجل الارتقاء بمستوى عيش الجاليات العربية المقيمة بالخارج.
أثناء برنامج “الطفل مشروع إنسان“ بإذاعة ” أرابيل”
ماهي الاكراهات التي تواجهك كمهاجرة ثم كامرأة؟
بصفتي مهاجرة من المغرب و تحديدا من طنجة (شمال المغرب) . كنت اشتغل كأستاذة بنيابة إفران، ثم هاجرت للالتحاق بزوجي للديار الأوروبية. إذن بالنسبة لي فالهجرة فرضتها الظروف العائلية، و الحقيقة أنني استفدت الكثير، فالهجرة تمنحك الانفتاح على العالم و تمكنك من تعلم اللغات الأجنبية و الاحتكاك بمجتمعات و ثقافات مختلفة، لأن تربيتنا تبقى عربية إسلامية وهي تختلف عن الثقافة الأوروبية. لا أنكر أنه في البداية واجهتني عدة صعوبات، أقلها الإحساس بالغربة ومقاومته، و أول الخطرات للاندماج هي تعلم اللغة ، لكن دون التفريط في اللغة الأم و الهوية، لأن دورنا كمهاجرين يبقى هو نقل ثقافتنا و هويتنا لأبنائنا ، من خلال الحفاظ على الشعائر الدينية و الاحتفال بالمناسبات، أي خلق أجواء مغربية داخل البيت، و قد كنت أدرس اللغة العربية بإيطاليا، حيث إنهم هناك يهتمون بلغتنا و ثقافتنا، و كنت أمثل المرأة المغربية العربية، و وقفت على حقيقة أنهم ينظرون إلى المرأة المغربية إلى كونها لا تتمتع بالحقوق و لا تعمل، و كنت أحرص على تصحيح بعض الأفكار و المعلومات من خلال عملي في التدريس و ممارستي لبعض النشاطات الاجتماعية.
متى تحنين للوطن الأم؟ وماذا تفعلين كلما اشتقت للأهل و الأصدقاء؟
نحن ننتمي لأوطاننا كما ننتمي لأمهاتنا. الوطن هو المكان الذي نحبه و نرتبط به. قد تغادره أقدامنا، لكن قلوبنا تظل معلقة به. نحن دائما على اتصال مع أمهاتنا و أوطاننا، و الحمد لله اليوم شبكات التواصل الاجتماعي، خففت عنا البعد عن الوطن، لأنها تتيح هذا التواصل الدائم مع أهلنا و أصدقائنا، و طبعا هناك التلفزيون و الشاشات المغربية الموجودة في بيوتنا، تجعلنا لا نحس بالغربة هنا، نحس كما لو كنا في المغرب، من خلال تحضير الأطباق المغربية و الاحتفال بالمناسبات . هنا في بلجيكا نقوم بعدة لقاءات ثقافية و تربوية مع الجالية المغربية ، لهذا فنحن دائما على تواصل كما لو كنا في المغرب. أظن أننا في بلجيكا ونحن قد وصلنا للجيل الخامس هنا، لا تخلو شوارع بلجيكا من مطاعم تقدم أكلات مغربية ، كما أن نسبة الجالية العربية هنا عموما و المغربية على وجه الخصوص مرتفعة هنا.
كيف ترين وضعية النساء المهاجرات باوروبا عموما و بلجيكا خاصة؟
لا يمكننا أن ننكر أن هناك عدة مشاكل بالنسبة للمرأة المهاجرة، حيث نجد نسبة الطلاق مرتفعة هنا ببلجيكا، كذلك مشاكل تتعلق بتربية الأطفال، و الحقيقة أن بعض الأسر هنا تعيش هذه المشاكل، لكن ذلك لا يمنع من أن هناك نساء وصلن إلى مراتب عالية و مشرفة، مثلا نجد بعضهن في الحكومة البلجيكية ، وهن من أصول مغربية، كما نجد نساء أخريات يعملن في مجالات كالطب و الهندسة و التدريس في الجامعات البلجيكية، وهذا يجعلنا نفتخر بالمستوى الذي وصلت إليه المرأة المهاجرة من أصول مغربية، لكن مع ذلك هناك نسبة مهمة من النساء المهاجرات اللواتي يعانين هنا و هن بحاجة إلى المساعدة من أجل التأقلم و الاندماج بالبلد. الاندماج يبدأ أولا بتعلم لغة البلد المستقبل، ثم الحصول على عمل قار، يوفر لهن العيش بكرامة ، و ألا يعتمند على الرجل، خاصة بالنسبة للأمهات اللواتي يجدن مشاكل في التواصل مع المدرسة عندما تكون هناك مشاكل للأبناء المتمدرسين. و أنا بحكم اشتغالي بإحدى المدارس هنا، أسمع دائما أن الأسر المغربية لا تهتم بأبنائها و لا تتواصل مع المدرسة، حيث الأبناء يعانون من مشاكل تتعلق باللغة و استيعاب الدروس وغيرها من المشاكل. لذلك فالمرأة إذا لم تكن تتوفر على شهادة أو دبلوم يؤهلها للحصول على عمل يضمن لها العيش بكرامة، خاصة في حالات الطلاق، تجد نفسها في مشاكل لا حصر لها خاصة إذا كان هناك أطفال، وهذا ما يجعلنا دائما، ننظم دورات ولقاءات من أجل التحسيس في وسط المهاجرات بضرورة استغلال فرص التعلم التي يتيحها البلد و الحصول على دبلوم يسهل عليهن الولوج لسوق الشغل.
رفقة أطفال من أبناء الجالية
ماذا كلفتك الهجرة وماذا منحتك في المقابل؟
في الواقع الهجرة سيف ذو حدين. أخذت منا الكثير ، أقلها الغياب عن المناسبات و اللقاءات في أحضان أسرنا ، للأسف نجد أنفسنا وحيدات هنا في مواجهة الغربة، لكن في المقابل هناك أشياء كثيرة استفدنا منها، فأنا كمهاجرة مغربية وجدت نفسي مجبرة على القيام بعدة مجهودات، حيث لم أعد تلك المرأة المدرسة و الزوجة و الأم فقط، بل وجدت نفسي مطالبة بالعمل على إعطاء صورة مشرفة للمرأة المهاجرة و لوطني الأم أولا، لأن المهاجرة هي سفيرة بلدها، حيث أنها تمثل ثقافة و هوية البلد، كما أنها مطالبة على فرض وجودها من خلال الحفاظ على لغتها و دينها و تلقين ذلك لأبنائها، وهو دور ليس سهلا لعبه. ينبغي أن نعرف أن المرأة المهاجرة تخوض معارك يومية من أجل أن تحافظ على لغتها و ثقافتها و هويتها و تلقنها لأبنائها الذين ولدوا و نشأوا في بلد آخر. بالنسبة لي استفدت الكثير بحكم اشتغالي مع الأوروبيين وتعلمت أهمية الانفتاح على العالم و على ثقافات أخرى.