ريم نجمي : سعيدة بتواجدي مع الوجه الأول والرائحة الأولى والصوت الأول في الحياة بمعرض الكتاب

أجرت الحوار : فوزية التدري

ضيفة حوارنا شابة مغربية تجسد نموذجا نسائيا جميلا يحتذى به.صنعت نجاحها بعزيمة المؤمنات بقدرات المرأة حينما ترفع التحديات وتفلح في تحقيقها. الضيفة هي ريم نجمي، كاتبة وإعلامية من مواليد الدار البيضاء سنة 1987، خريجة المعهد العالي اللإعلام والاتصال بالرباط، قبل أن تلتحق بألمانيا لإتمام دراستها بجامعةبونتخصص إعلام، ومنذ ذلك الوقت بتاريخ 2008 وهي تعيش ببرلين. صدر لها حتى الآن ثلاثة دوواوين شعرية من أبرزها كن بريئا كذئب” 2018 ورواية تشريح الرغبة” 2022

مغربيات“‬ طرحت عليها الأسئلة التالية، فجاءت الإجابات وافية صادقة..

مغربيات : نعرف بأنك مغربية تقيم بألمانيا، هل تعتبرين نجاحك في بلد أجنبي هو أمر طبيعي تولد عن مسار دراسي جيد استحق من المجتمع الألماني الاعتراف به والترحيب به بسهولة؟ أم أنك كافحت كي تصلي إلى ما وصلت له كونك عربية في مجتمع غربي ؟

أعتقد أن أي مسار يهدف إلى النجاح يحتاج قدرا من التعب والمجهود. النجاح في بلد أجنبي يحتاج طبعا إلى مجهود مضاعف، لكن فيالوقت نفسه هناك بعض الإيجابيات والفرص المتاحة التي تساهم في تنمية الفرد وتحقيق هدفه. بالنسبة إلي النجاح في بلد أجنبي له خصوصية معينة، كوني أنتمي إلى عائلة معروفة في المغرب، فأنا ابنة لأب كاتب وصحفي وأم كاتبة وشاعرة، ومنذ دخولي إلى معهد الإعلام والاتصال في الرباط، أصبح يُنظر إلى تجربتي الإعلامية والأدبية المتواضعة على أنها ما كانت لتتحقق دون دفعمن الأب أو الأم. أدركت ذلك مبكرا، لذلك اتخذت قرارا واعيا ببدء تجربة مهنية ودراسية بعيدا عن الوطن الأم. تجربة في محيط جديد عليّ ولغة وثقافة أخريين، فيها روح التحدي والمغامرة. وأنا سعيدة بما حققته لحد الآن كصحفية ومقدمة برنامج سياسي حواري مباشر وككاتبة في ألمانيا.و يبقى هنا فضل الأب والأم فيما قدماه من رعاية ودعم مادي ومعنوي وتعليم ونصح جميل.

أنت إعلامية، كاتبة وأم أيضا، هل كرهت أمومتك في لحظة من اللحظات، كما يحدث للعديد من الأمهات اللواتي تكرهن الأمومة كوظيفة قاسية، كما عبرت عن ذلك الكاتبة اللبنانية يسرى مقدم في كتابها صباح الخامس والعشرين من شهر ديسمبرعندما يحدث تعارض بين مسؤولية الأمومة الصعبة في كثير من الأحيان وبين ما يطمحن إلى تحقيقه ؟

لا أستطيع أن أقول إني أكره أمومتي لكن لا أنكر أنها فعلا وظيفة قاسية وجميلة في الوقت نفسه. لا أخفيك أنه تنتابني أحيانا مشاعر منالحيرة أو الشعور بالذنب وأحيانا أخرى أشعر بالضغط وثقل الأمومة لكن في الوقت نفسه أنا مدينة لابنتي وابني بالكثير. الغريب أن أجمل النجاحات المهنية والأدبية وأجمل الرحلات التي قمت بها عبر العالم كانت بعد أن أصبحت أما. لقد علمتني الأمومة قيمة الوقت، وكيفية استثماره بعد أن كنت أشعر أن كل وقت العالم لي و بالتالي أؤجل مشاريع كثيرة. بعد الأمومة أصبحت أكثر إنتاجية أكثر إصرارا على تحقيق الكثير، وحتى كامرأة أشعر أني أصبحت أكثر ثقة.

كيف ذلك؟

حقيقة كنت خائفة من نموذج خبرته عن قرب، نموذج نساء كثيرات، كن مثل الشعلة، لديهن أحلام ومشاريع مهنية وأدبية لكن مباشرة بعدالزواج والأطفال، أهملن ذلك الجانب المشرق فيهن، بإرادتهن أو بغير إرادتهنربما لم تسمح لهن الظروف بالمواصلة. منهن من كن سعيدات بذلك وهذا شيء جميل، لكن كثيرات لم يكن سعيدات بدور الأم فقط، وكان هناك جانب تعيس مسكوت عنه في أرواحهن. لذلك خشيت أن تبتلعني الأمومة والبيت خصوصا وأني توقفت فعلا لسنتين ونصف عن العمل، لكن حاولت ولازلت أحاول إيجاد ذلك التوازن الصعب بين البيت والعمل والإبداع، وأعتبر نفسي محظوظة لأن طبيعة عملي التلفزيوني غير اليومي تساعدني على ذلك.

قريبا جدا ستوقعين روايتك تشريح الرغبةفي معرض الكتاب في دورته الجديدة بالرباط، هل ترين بأنك تفوقت في اختيار عنوان الرواية، خصوصا و أن تحليل هذا العنوان وهو عتبة النص يوحي إلى أن الكاتبة ستشرح الرغبة، عادة نشرح جثة ميتة أو مقتولة، والرغبة في روايتك ظهرت ميتة و مستيقظة بعد وفاتها وحية نشطة، فكيف تفسرين عملية التشريح هذه في ظل رغبات مختلفات الحال ؟

ذهب الكثيرون في قراءة عنوان تشريح الرغبةعلى أنها الرغبة بمفهومها الحسي والجنسي، لكن أعتقد أن هذا الجانب هو وجه من أوجه الرغبة التي أعنيها في العنوان. الرواية نفسها اعتبرها بعض النقاد والقراء مثل عملية تشريح نفسي للشخصيات، فهي تشريح لرغبة البطل الملحة بالانفصال وتشريح لرغبة البطلة في البقاء، و تشريح لنفسية فتاة صغيرة متعلقة برجل نرجسيإنها عملية تشريح بمفهومها الرمزي، تشريح لحالة ألم حي ومستيقظ، ولذلك كانت عملية مؤلمة بالنسبة لشخصيات الرواية الذين تولوا بنفسهم عملية سرد أوجاعهم و ذكرياتهم من خلال رسائل حميمية متبادلة.

عندما نتحدث عن علاقات عاطفية معقدة متشابكة كالتي أشرت إليها، نتوقع انقسام الرأي حولها. هل توقعت ذلك قبل صدور الرواية أم فوجئت به ؟

حقيقة فوجئت كثيرا بانقسام الرأي حول هذه العلاقة العاطفية التي قدمتها الرواية والتي تناولت انفصال زوج عن زوجته بعد خمس وعشرينعاما من الزواج. كنت متصورة أن القارئ سيتعاطف بالتأكيد مع الطرف المتروك في العلاقة ويدين التارك، وربما ينبذ الحبيبة التياختارت الارتباط برجل في مرحلة الانفصال. غير أن الآراء كانت منقسمة بين من تعاطف مع الزوجة المتروكة وبين من تفهم رغبة رجل في الانفصال بعد خمس وعشرين عاما من الزواج، بل هناك من منحه الحق في ذلك واعتبر الزوجة تستحق أن تترك. البعض رأى الرجل جبانا وأنانيا والبعض الآخر اعتبر قراره شجاعا في بدء حياة جديدة، ولو في منتصف العمر. أستمتع كثيرا بقراءة آراء القراء على موقعأبجدأو على موقع غود ريدزوأدخل أحيانا في نقاش معهم. أعتقد أن هذا الانقسام في الآراء راجع إلى أن كل شخصية في الرواية تم تقديمها بما لها وما عليها، لم يتم تجميل أو شيطنة شخصية على حساب أخرى، وكأنها شخصيات حقيقية وواقعية.

كما أشرت في موضوع الرواية الأساسي هو موضوع الانفصال في العلاقات العاطفية، سواء من خلال انفصال الزوج عن زوجته أومحاولات الانفصال عن الحبيبة. ماهي الرؤية التي تقدمها الرواية عن الانفصال وهل تتقاطع مع رؤيتك الخاصة؟

صورت الرواية الألم الذي من الممكن أن يحدثه الانفصال في علاقة حب، خاصة بعد فترة زمنية طويلة. مشاعر متضاربة في لحظة واحدة بين الكراهية والحب أحيانا والاشتياق أحيانا أخرى ثم الشعور بالخذلان، فمحاولات عقلانية بتفهم موقف الآخر، ومحاولات المضي قدما في الحياة ثم السقوط في فخ الذكريات والشعور بالشفقة على الذاتإنه خلاط من المشاعر إن صح التعبير. غير أن الرؤية التي أردت تقديمهامن خلال هذه الرواية وهي تتقاطع فعلا مع رؤيتي الشخصية، هي أن الانفصال ليس نهاية العالم، خاصة وإذا كان الطرف الآخر لم يقدرقيمة شريكه ولم يمنحه الحب نفسه الذي منحه هو له، بالعكس هو هنا يمنحنا ـ دون أن يقصدـ القوة لنتركه غير آسفين ويصبح الانفصال هناضرورة وانعتاقا وبابا مفتوحا على شساعة العالم الجميل، المليء بالفرص وقد يكون جسرا لبداية قصة حب أخرى أجمل. كما تقدم الرواية و لو بشكل غير مباشر طرقا نفسية وخطوات عملية تساعد من يعاني من ألم الانفصال على تجاوز ألمه. أغلبها مبني على قراءات كتب نفسية عن الانفصال أثناء التحضير لرواية تشريح الرغبة“.

أنت سليلة بيت به الشعر كحديقة كبيرة وبه الرواية مثل نوافذ غربية عالية وجميلة، هل ستستمرين في كتابة الرواية فقط أم لن تنسينقطة البداية في المشوار الأدبي: الشعر والقصيدة ؟

الشعر له مكانته وستظل، مثلما للرواية والقصة مكانتهما، فلكل جنس أدواته، وقد يختار الكاتب القالب الفني الذي يتسع لأفكاره ومشروعه الإبداعي. أحيانا قد لا تسعك القصيدة في التعبير عن موضوع ما، وقد تفسد بعض المواضيع القصائد، في حين قد تعطي الرواية مساحة لمواضيع معيّنة، وقد تُكتب الرواية بنفَس شعري أيضا. لذلك سأستمر في كتابة الشعر و سأطل على الرواية دائما من نافذة الشعر.

ستوقعين روايتك تشريح الرغبة في معرض الكتاب في حفل مشترك يجمع بينك وبين والدتك الكاتبة عائشة البصري، هل كان مخططا له اممن قبيل الصدفة ؟ إذا كان مخططا له فما هي أهمية ذلك بالنسبة لك ؟ هل هو اعتراف بحسن التربية بالبيت ؟ أم هي رسالة للمجتمع المغربي تقولان فيها: نحن امرأتان مغربيتان ناجحتان بفضل الحب والدعم الأسري فادعموا بناتكن ليكن كما شىئن؟

الأمر يعود بالأساس إلى أننا ننتمي ككاتبتين إلى نفس دار النشر ، الدار المصرية اللبنانية، وكانت فكرة جميلة أن نشترك ككاتبتين مغربيتين أولا في التوقيع. لكن لها دلالات جميلة كالتي أشرت إليها في سؤال، أعتقد أن أي ابنة ستكون سعيدة بالتواجد مع الوجه الأول والرائحة الأولى والصوت الأول في الحياة.

كلمة ختامية لموقع مغربيات..

لمغربياتعلى أذني وقع جميل، إذ كلما فكرت في المرأة المغربية شممت رائحة الحناء والقرنفل والورد المجفف، وتذكرت فخامة وأناقة القفطان وتحضيرات الحمام المغربي، وأنامل المغربية الساحرة في تحضير المائدة بأناقة وبالتاويلكما نقول في المغرب، ناهيك عن الطبخ المغربي والشهيوات“. لذلك أحببت تسمية موقعكن، لكن كل التوفيق.

About Post Author