نادية حيدة : المرأة المغربية المهاجرة قوية و اقتحمت كل المجالات

منذ هاجرت نادية حيدة إلى فرنسا، , وهي تصر ألا تكتفي بالوظيفة التي تشغلها ببلاد المهجر ، بل فتحت لنفسها منفذا آخر استطاعت بفضله أن تعيد ربط الأواصر باللغة الأم و الوطن من خلال مجال الثقافة، الذي صالحها مع الهجرة و منحها فرصة مد الجسر مع عالم الأدب الذي كانت و لازالت تعشقه..

مغربيات تواصلت مع نادية حيدة المسؤولة بمصلحة الوساطة بفيدرالية التجارة الإلكترونية و الكاتبة العامة لواحدة من بين أنشط الجمعيات في المجال الثقافي بباريس، للحديث عن ظروف الإقامة و الهجرة و وضعية النساء المغربيات المهاجرات..

منذ متى و انت تعيشين في فرنسا؟ وما هي الظروف التي قادتك للاستقرار هناك؟

جئت إلى فرنسا في سنة 1992، أي ما يقارب 30 سنة‫.‬ في الحقيقة جئت قبل ذلك‫.‬ بعد حصولي على شهادة البكالوريا، رغبت في متابعة دراستي هنا بفرنسا‫.‬ بحكم السن مثلي مثل جميع الشباب الذين يرغبون في إتمام دراستهم في أوروبا اخترت فرنسا‫.‬ بعد ذلك عدت إلى المغرب و قضيت سنوات، قبل أن يستيقظ من جديد حلمي بالهجرة إلى أوروبا‫.‬ طبعا نحن كشباب كنا ننظر للغرب على أنه العالم المثالي ونطمح للهجرة إليه‫.‬ كشباب كنا نتطلع لعالم تسوده الحرية و الانفتاح و الفكر المتحرر، وشكل ذلك سببا من أسباب أخرى جعلتني أطمح للعيش في أوروبا‫.‬ اخترت فرنسا كبلد للاستقرار، لأنها من جهة قريبة من المغرب جغرافيا، ثم بسبب اللغة التي لا تشكل أي عائق أمام ولوج الخدمات أو الحصول عل شهادات أو فرص عمل‫، باعتبار اللغة وسيلة تسهل الاندماج في البلد.‬

انت واحدة من النساء اللواتي استطعن أن يقتحمن مجالا نادرا ما تعمل به مهاجرة وهو الحقل الثقافي. كيف ولجت هذا المجال؟

أشتغل كمسؤولة في مصلحة الوساطة في فيدرالية التجارة الإلكترونية، أما المجال الثقافي فهو عشقي الذي أتسلل إليه بعد العمل، أي في الوقت الثالث‫.‬ مجال استقطبني لأنني أعشقه كما كنت دائما‫.‬ في السنوات الأولى لإقامتي بفرنسا، كنت شبه منقطعة عن اللغة العربية و الثقافة العربية عموما، طبعا في ذلك الوقت لم تكن هناك وفرة في القنوات الفضائية مثل الآن ولا منصات مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك و اليوتيوب وغيرهما من المواقع التي تتيح هذا الزخم من التواصل، مما يجعلنا على اتصال دائم بثقافتنا‫.‬ كانت كل القنوات التي تبث بالتلفزيون فرنسية و كل زملائي في العمل فرنسيون، مما جعلني في شبه قطيعة مع لغتي الأم‫؛‬ فباستثناء الكتب و المجلات التي كانت تتيح لي هذا الاتصال اللغوي لم تكن هناك أية وسيلة أخرى للتواصل بها‫.‬ ولم أكن أصل الرحم بلغتي إلا بعد أن أعود إلى بلدي المغرب‫.‬

بصراحة لم أكتشف المجال الثقافي إلا و أنا أحضر حفلا موسيقيا بمعهد العالم العربي‫.‬ الحفل كانت ستحييه فرقة موسيقية مكونة من عازفين و مغنين عرب يترأسها عازف مغربي‫ هو الذي كونها، وهم أطر مهاجرون يشتغلون في مجالات مختلفة و يلتقون في مجال الموسيقى. و الحقيقة أنني كنت أعرف معهد العالم العربي و سبق لي أن زرته من قبل، لكنني لم أكن على علم بما يقيمونه من أنشطة ثقافية هناك، كالمحاضرات و اللقاءات الأدبية والشعرية، حيث بدأت أتردد على هذا الفضاء الذي مكنني من توسيع علاقاتي و تنويع معارفي ، وبفضله اكتشفت أمكنة أخرى تقام فيها أمسيات شعرية ، ولقاءات أدبية، و قد سنحت لي الفرصة لحضور لقاءات لأسماء وازنة مثل الشاعر أدونيس و توقيع كتاب لعبد اللطيف اللعبي و غيرهما. من تمة أصبحتُ منخرطة في الشأن الثقافي للمهاجرين بفرنسا، حيث بدأت أساعد زملاء يهتمون بالمجال الثقافي و الجمعوي، و لاحظت أن أكثرهم مغاربة (ربما صدفة). آنذاك بدأنا ننظم أمسيات شعرية و حفلات خيرية لنتمكن من جمع بعض المال قصد تقديم ‬المساعدة لأشخاص في مناطق نائية من المغرب‫، أولأشخاص في وضعية صعبة. ‬

تقديم الدعم للأطفال المتمدرسين

ماهي الصعوبات التي واجهتك في عملك كفاعلة في الشأن الثقافي بفرنسا؟

نحن كمهاجرين مهتمين بالشأن الثقافي بفرنسا نعتبر أنفسنا سفراء لبلدنا بالبلد المضيف، وكما يقال دائما إن الثقافة هي دبلوماسية موازية، فإذن يمكنني أن أقول إن المرأة المثقفة و الفاعلة الجمعوية في فرنسا تلعب دورا هاما وهي صلة وصل بين الضفتين ‫:‬ المغرب و أوروبا ‫.‬الجمعية التي أشتغل بها ككاتبة عامة هي ‫“‬ l ecritvint – للإشعاع الثقافي و الفني”  ” l ecrivint- pour le rayonnement de l art et la culture” كما يدل عليها اسمها هي جمعية ثقافية محضة تسعى لترويج الثقافة العربية و الفرنسية على حد سواء و التعايش بينهما‫.‬ وهذا له دور هام في إدماج الفئات و القاطنين بهذا البلد‫.‬

أثناء تكريم إحدى الأمهات بمناسبة 8 مارس

هل هناك إقبال على هذا المجال من طرف الجالية المغربية المقيمة بفرنسا؟

طبعا هناك إقبال‫.‬ الجمعية تنظم مقاهي أدبية، توقيعات كتب، ومؤخرا نظمنا حفل توقيع لكتابين لدكتورين جيوسياسيين ، حيث كان اللكتاب الأول عن مرحلة الكوفيد و كيفية تعايش الإنسان مع هذا الوباء، فيما الكتاب الثاني كان عن الهوية و تحديدا عن هوية المغربي القاطن بفرنسا‫.‬

رفقة رقية ديان خلال توقيع كتاب د. يوسف شهاب

هل يقتصر عمل الجمعية على المهاجرين ام يشمل حتى الفرنسيين أنفسهم؟

عمل الجمعية لا يقتصر على الجالية المغربية فحسب، بل هي مفتوحة لفئات من كل الجنسيات ، حيث هناك مشاريع للاشتغال مع أدباء فرنسيين و أدباء جزائريين و لبنانيين، وبطبيعة الحال نحن منفتحين على كل الاقتراحات‫.‬

خلال مقهى أدبي حول الكتاب الفرنكفونيين

هل تنتابك حالات من الحنين للوطن؟ وكيف تدبرين محنةالهجرة اذا اعتبرناها محنة؟

لا تنتابنا حلات من الحنين للوطن، الوطن يسكننا و نحمله في دواخلنا‫.‬ الوطن يعيش فينا ليل نهار، صحيح أننا تمكنا من التعود على العيش في الوطن الذي احتضننا وطننا الثاني فرنسا، لكن الوطن الأم هو الأصل وهو يجري ويسري في عروقنا أكيد. بالنسبة للشق الثاني من السؤال لا أعتبر الهجرة محنة بقدر ما أراها اختيارا، و أحيانا تكون مفروضة على الإنسان‫.‬ أعتقد أنه عندما يتعلق الأمر بالاختيار، هنا تصبح بعيدة عن كونها محنة‫.‬ عندما نختار فإن ذلك يكون لسبب ما، وهو أمر له إيجابياته و سلبياته بالتأكيد‫.‬ المهاجر إنسان غيرعادي له مشاعر خاصة لا يدركها إلا من ترك بلده و عاش بعيدا عنها‫.‬ المهاجر يحمل معه تمزقا بداخله، حتى و إن تمكن من الاندماج في المجتمع المضيف، لكنه يعيش حاملا لجرحه بعيدا عن وطنه‫، و يطرح أسئلة وجودية.‬

كيف ترين وضعية النساء المهاجرات بفرنسا؟

بالنسبة لوضعية النساء المهاجرات بفرنسا ، أعتقد أنه لا ينبغي أن نستسهل الأمور ونقول إن الحياة هنا جميلة و سهلة، بل هناك صعوبات و هناك مجهودات جبارة تبذل من طرف نساء كثيرات؛ نساء يشتغلن في البيت و خارجه بتفان و إخلاص، و الوقت الثالث يخصصنه للترفيه، وهن قادرات على الجمع بين كل هذه المهام، فيما هناك نساء اخترن الاعتناء بأسرهن و أبناءهن و هو على أية حال عمل لا يمكن الاستهانة به لأنه يتطلب مجهودا و وقتا‫.‬ أرى شخصيا أن المرأة المغربية امرأة شجاعة و قوية، و لا تنحني أمام الصعوبات‫.‬ نجدها حاضرة بقوة في كل المجلات، ففي السياسة مثلا هناك مهاجرات مغربيات يشغلن مناصب هامة، و نساء متألقات في الفن التشكيلي و الأدب و في أعمال وفي فن العيش و كذلك الطبخ‫.‬ هناك نساء يتحملن مسؤولية الأبناء لوحدهن بدون وجود الأب، حيث إنهن إما مطلقات أو أرامل أو أمهات عازبات، رغم صعوبة و قساوة الظروف‫.‬ أقولها و أعيدها المرأة المغربية قادرة على تجاوز كل الظروف الصعبة‫.‬ و يمكنني القول إن المرأة المغربية المهاجرة اندمجت في المجتمع الفرنسي بكل تفاصيله وحيثياته‫.‬

دار المغرب بباريس

 

About Post Author