فريدة العاطفي : أنتمي للعالم و الغربة خصوصية و ليست محنة..
بين الطفولة و الهوية و الجسد تنوعت كتابات القاصة و الشاعرة المغربية فريدة العاطفي، بين شعر و قصص قصيرة يصل بينها خيط ناظم يستمد وجوده من الإيمان بالحياة و الغوص في عمق النفس البشرية و الكشف عن مكامن ضعفها و جمالها وتناقضاتها. من فرنسا حيث تقيم، أطلت علينا فريدة العاطفي لتحدثنا عن تجربتها الإبداعية و عن الهجرة..
مغربيات : الملاحظ من خلال بعض التجارب الإبداعية لدى بعض الكتاب أنهم يكتبون الشعر قبل الانتقال للسرد ، غير أنك بدأت بالقصة القصيرة وانتهيت الى الشعر . كيف تفسرين هذا الأمر؟ هل يمكن للكاتب أن يكتب في أجناس أدبية مختلفة ؟
بدأت كتابة القصة بشكل متواز مع الشعر، لكن بداياتي مع النشر كانت شعرية , إذ كنت أنشر قصائدي في الملحق الثقافي لصحيفة ” العلم ” حين كان يشرف عليه الشاعر نجيب الخذاري. مجموع تلك النصوص وغيرها جمعتها في ديوان شعري بعنوان : ” وتريات” صدر عن مكتبة مدبولي في القاهرة وكان أول إصدار لي. وحين نشرت بعد ذلك بسنين مجموعتي القصصية ” على سفر ” نشرتها في نفس السنة مع ديواني الثاني ” قبلة للصباح … وردة للمساء ” وهذا يعكس أن الشعر كان أكثر حضورا في مسيرتي الإبداعية من القصة , ومع ذلك لا يتعلق الامر بقاعدة ثابتة , يمكن للمبدع أن يبدأ بالقصة و ينتهي بالشعر والعكس صحيح.
وفي اعتقادي ان هناك نوعان من الكتاب و المبدعين، نوع يختص بمجال محدد، كأن يكون شاعرا فقط أو روائيا فقط , ونوع ثان يكون متعدد الاهتمامات ويحتاج للتعبير عن نفسه بالانفتاح على أكثر من مجال إبداعي وأحيانا فكري.
في مجموعتك القصصية ” على سفر ” تظهر تيمة الطفولة والهوية، كيف تنظرين اليوم لطفولتك وهويتك وأنت بعيدة عن أرض الوطن ؟
بالفعل تيمة الطفولة تحتل مكانة محورية في مجموعتي القصصية “على سفر” لأنها محورية في تصوري للإنسان والحياة بشكل عام , إذ أعتبر أن ما نعيشه في طفولتنا الأولى منذ مرحلة بطن الأم إلى حدود السابعة من العمر يحدد جزءا هاما من حياتنا وأقدارنا… أقدارنا تبدأ في التشكل من الطفولة. نظرتي لطفولتي لا يحددها كوني بعيدة أو قريبة من أرض الوطن, أعيد تجديد الرؤية لطفولتي باستمرار على ضوء انفتاحي على مفاهيم علم النفس الكلاسيكية والحديثة , والتواجد في الغرب يساعد على استيعاب هذه المفاهيم على المستوى النفسي والفكري بشكل أعمق. بالمقابل حين كنت في المغرب , وفي السنوات الأولى لهجرتي , كنت أعتبر أن الهوية هي عبارة عن بناء نفسي ثابت , فأنا عربية , أمازيغية , مسلمة , ولدت وعشت وتربيت في بلد محدد هو المغرب , وهذا ما تعنيه كلمة مغربية وتحيل إلى قدر نهائي، لكن في مرحلة لاحقة من حياتي ستتغير رؤيتي للهوية , وستصبح أكثر ديناميكية وانفتاحا, واعتبر أنني قريبة جدا من مفهوم الهوية كما يطرحه أمين معلوف في كتابه : ” الهويات القاتلة “. الهوية بالنسبة لي الآن هي بناء نفسي لا يتوقف عن تجديد نفسه, فبعد عشرين عاما من إقامتي بفرنسا , أضيف لهويتي عنصرا آخر هو الثقافة الفرنسية أحملها بداخلي مكونا ليس فقط في التصورات والرؤى , ولكن في كل تفاصيل الحياة اليومية , أضيف اليها إيماني بكل القيم الإنسانية التي توحد الناس على وجه الأرض وبالتالي صنعت مني بتعبير أكثر دقة . Une citoyenne du monde
في ديوانك ” قبلة للصباح… وردة للمساء” و من خلال ما تكتبين على صفحتك ب”فيسبوك”، يظهر جليا اهتمامك بموضوع المرأة والجسد، الذي يعد من الطابوهات. لماذا الاهتمام بالجسد في الكتابة؟ هل تعتبرين أن تصالح المرأة مع جسدها يمكن أن يتم من خلال الحديث عنه بحرية ؟
أعجبني كثيرا سؤالك عن التصالح مع الجسد من خلال الحديث عنه بحرية، أعتقد أن الأمر كذلك إلى حد بعيد والكتابة تمنح ليس فقط إمكانية التصالح مع الجسد، وإنما أيضا إمكانية إعادة اكتشاف أسراره وتضميد جراحاته، وهذا أحد الأسباب الذي يدفعني للاهتمام بالجسد ليس فقط في الابداع بل حتى من خلال التكوين الأكاديمي، في دراستي لعلم الاجتماع كنت مهتمة كثيرا بشعبة الجنسانية مع د عبد الصمد الديالمي الذي أدخلنا إلى عالم رائع مليء بالأسرار عن تاريخ الجسد. الكتابة عن الجسد من وجهة نظري هي فعل ثوري يحتاج إلى الكثير من الشفافية و الجرأة مع الثقافة العميقة أيضا وفي أكثر من مجال لكي لا يتحول إلى مجرد رغبة سطحية لإثارة الانتباه ودغدغة المكبوت. الجسد هو الغلاف الذي تختاره الروح للتعبير عن تفردها لذلك هو يحمل خصوصيات هذه الروح في تجربتها الوجودية وبشكل شمولي … إنه باختصار بوابة لفهم عميق للإنسان ولكنها بوابة مازال يتم النظر إليها في العالم العربي بالكثير من الريبة والرفض.
هل يمكن اعتبار الكتابة تعويضا عن حضن الوطن ؟
الكتابة تأتي من منطقة بعيدة في اللاوعي وبالتالي يصعب الإجابة عن سؤال : لماذا يكتب الكاتب ؟ أو لماذا يرسم أو يغني فنان ؟ وأعتقد أن الاحتياج للكتابة سابق عن العلاقة بالوطن، بدليل أنني كما كثيرين مثلي بدأت الكتابة في المراهقة وأنا في المغرب, لكن استمرار الكتابة باللغة العربية رغم التواجد في فرنسا يمكن أن يكون بالفعل تعويضا عن المغرب دون أن أكون على يقين من ذلك.
بعض الكتاب يترجمون وجع غربتهم الى نصوص إبداعية، هل تعتبرين غربتك محنة تحتاجين لتصريفها عبر نصوص سردية ؟
مفهوم الغربة نفسه يحتاج الى تحديد وتجديد، يحس الإنسان بالفعل بالغربة حين يهاجر أول مرة وبالتالي هي تجربة في بدايتها تكون صعبة لأن الأمر يتعلق باقتلاع نفسي حقيي،, لكن حين تتجاوز الهجرة عشر سنوات وأكثر لا تصبح غربة. لقد أصبح لي بلدان كلها وطن وهذه خصوصية وليست محنة، وبالتالي فكتاباتي نابعة عن رغبة للتعبير عن الذات والتفاعل مع الحياة من خلال الإحساس بالانتماء للعالم بأسره.
ما الذي منحتك إياه الغربة؟ وماذا أخذت منك في المقابل ؟
أفضل أن أستبدل كلمة غربة في سؤالك بكلمة هجرة، لأنني لم أعد أشعر بالغربة في فرنسا. أخذت مني الهجرة صداقات قديمة لم يعد بالإمكان الحفاظ عليها بالشكل الذي كانت عليه في المغرب… أخذت مني إمكانية العيش عن قرب مع الآباء والاهتمام بهم، توفي أبي مثلا دون أن أتمكن من حضور جنازته ومرض قبل ذلك دون أن أتمكن من مساعدة أمي، ولو قليلا في الاعتناء به. يؤلمني مثلا أن لا أتمكن من رؤية أولاد إخوتي عن قرب وهم يكبرون… أفتقد لقاءات أفراد من العائلة على صينية الشاي وأطباق الحلوى… ثم صخب وحميمية الأعياد… اخذت مني الهجرة دفء الكثير من الأماكن التي أمر عليها الآن باغتراب كأنني لم أعرفها ولم تعرفني… اخذت مني الشمس … وجزءا من روحي مازال عالقا هناك أحاول عبثا أن أسترجعه.
بالمقابل منحتني الهجرة كلما أعيشه حاليا … أشياء كثيرة يصعب حصرها في سطور , وربما أهمها الإحساس العظيم بالحرية , حرية أن أكون ما أشاء، وأفعل ما أشاء … ليس على نفسي من رقيب سواي.
بعض الكتاب ينتقلون من القصة القصيرة إلى عالم الرواية , هل تفكرين في كتابة الرواية ؟
نعم. وعندي أكثر من مشروع، لكني لا أفعل ذلك تحت اعتقاد أن الزمن زمن الرواية . أنا اعتقد أن الكتابة متعة بالدرجة الأولى وبالتالي علينا أن نكتب في المجال الذي يحقق لنا هذه المتعة، وأنا منذ البداية في علاقتي بالإبداع قراءة وكتابة أجد المتعة في تعدد التعبير عن الذات من خلال أكثر من شكل إبداعي.
ما الذي تقرأه فريدة العاطفي حاليا ؟
أقرأ حاليا بالفرنسية كتابا بعنوان ” جراحات الروح الخمس ” وهو كتاب مرجع في علم النفس لصاحبته الكندية “ليز بوربو”، و رواية بعنوان ” حب في ظلال طاووس ملك ” وهي للروائي العراقي حمودي عبد المحسن، ويتحدث فيها، من خلال قصة حب، عن الطائفة اليزيدية و التصفية التراجيدية التي تعرضت لها في تاريخها.
ما هي مشاريعك القادمة ؟
في الحقيقة أشتغل حاليا على أكثر من مشروع وفي اكثر من مجال، افكر في ترك الحديث عنها إلى حين التمكن من إنجازها.