مينة أيت العسري : المرأة المغربية المهاجرة شجاعة و مقاتلة في ثقافتها المزدوجة
مغربيات
رغم أنها ولدت و ترعرعت و عاشت بفرنسا، إلا أنها قررت رفقة زوجها أن تعود للوطن الأم وتستقر بمدينة تارودانت سنة 2010، حيث تمتد جذورها . مينة أيت العسري تدير اليوم واحدة من أكبر دور الضيافة بالمنطقة. لم تبعدها نشأتها بفرنسا عن منبعها و عن وطنها، لأنها تؤمن بأن الهجرة تجربة غنية تمنح الكثير من الخبرة و المرونة في التفكير و القدرة على التكيف مع البيئات الجديدة و المختلفة و على تقبل الاختلاف، لكنها تبقى مجرد أدوات و أسلحة للمساهمة في بناء الوطن الأم.
“مغربيات“ تواصلت مع مينة أيت العسري مديرة “قصر أومنصور“ بتارودانت للحديث عن الهجرة و عن قرار العودة للوطن الأم..
مغربيات : بصفتك امرأة تديرين قصرا للضيافة بمدينة تارودانت، كيف جاءتك هذه الفكرة و لم دار للضيافة؟
في الواقع إن الصدفة هي وحدها من قادتني لإدارة دار للضيافة بمدينة تارودانت. كنت قد أنشأت شركة استشارات عقارية، حيث أجد نفسي في وضع تسهيل المشكلات الإدارية للأشخاص الحقيقيين والاعتباريين. وهكذا، من خلال تسوية بعض الجوانب القانونية والإدارية لقصر “أومنصور“، وجدت نفسي مقبلة على تحدي من نوع خاص هو الانخراط في تصحيح الوضع الاقتصادي لهذه الدار.
استقبال عدة شخصيات من عالم السياسة و الفن
ولدت وعشت لسنوات طويلة بفرنسا، ثم قررت العودة إلى أرض الوطن، ماهي أسباب هذا القرار؟ وكيف كانت بداياتك بالوطن الأم؟
كان من بين أسباب هذا القرار فضول زوجي الذي أراد اكتشاف منطقتي سوس وعلى وجه الخصوص مدينتي التي أكن لها كل الحب تارودانت. لقد أحبها لدرجة أننا كنا نقوم بزيارتها عدة مرات في السنة، لنقرر الاستقرار فيها. في السابق ، كنت أعمل كمديرة مسؤولة عن التواصل والتسويق التنفيذي. قلت في نفسي إنه من الضروري للغاية أن “أضع حجري الصغير في بناء بلدي العزيز“. البدايات كانت رائعة للغاية، حيث كان هناك الكثير لاكتشافه ومشاركته مع الآخرين.
لماذا اخترت العيش بتارودانت تحديدا؟
لأنها منطقتنا الأصلية و كما أحب أن أقول في كثير من الأحيان، أعتقد أن تارودانت هي التي تختار من تريد على أرضها وليس العكس. لا تكشف عن نفسها بسهولة. أقول دائما إنها ليست مدينة “تارودانت“ بل “كوكب تارودانت“! إنها لا تشبه أي مدينة أخرى في المملكة ولهذا السبب أنا مرتبطة بها جدا
هل وجدت صعوبة في التأقلم خاصة و أنك عشت طوال حياتك بفرنسا؟
كانت السنة الأولى صعبة للغاية لأن العقليات مختلفة جدا عن تلك الموجودة في أوروبا. لقد استغرق الأمر منا وقتا للتكيف، تماما مثلما هو ضروري عندما يقرر المرء العيش في مكان جديد عليه. كان من الضروري أن أعيش في تناغم مع تارودانت ، وأن أغير من ردود أفعالي السابقة و أن أكف عن قول “فورا“ ، وأن أنسى جدول أعمالي المربع والمنظم جيدا. في حياتي الجديدة تعلمت كيف وأن أوفق بين العديد الأمور و أن أدير ما سيحدث وهو غير متوقع ومتعدد بشكل يومي. تعلمت الصبر كذلك. و قد كانت المكافأة هي أن أعيش اليوم في بلدي الأصلي، حيث تمكنت من الاتصال بجذوري من خلال حياة أقدرها تماما.
كيف كانت حياتك ببلاد المهجر؟
كانت حياتي مختلفة جدا. حياة منظمة للغاية (حتى الإجازات مخططة مسبقا) ، محسوبة بالمليمتر ، حياة بمعدل 100 في الساعة. تعلمت أن أكون مستقلة وأن أعول على نفسي. مبدأ المساواة هو القيمة التي شكلت شخصيتي أكثر من غيرها. كنت محظوظة لأنني عشت هناك طفولة ومراهقة تحت إشراف أبوين و مربين جيدين ويملكون تجربة و خبرة.
ماذا كلفك العيش بعيدا عن الوطن الأم؟
أنت تدفع ثمن تمزق كبير بين ثقافتك الأصلية وثقافتك المكتسبة، و هما ثقافتان .ليسا دائما على توافق.
هل تشجعين أبناءك على الهجرة؟ لماذا؟
نعم ، أشجع أطفالي دائما و منذ سن مبكرة على الهجرة قدر المستطاع، لأن هناك ثقل المدرسة و ثقل الحياة أيضا. يساعد اكتشاف البلدان المختلفة الفرد على أن يصبح متفهما ومتسامحا وقادرا على العيش و الاندماج في أي بيئة كانت. في الواقع فإن عالم اليوم وعولمة الاقتصادات يتطلبان هذه المرونة والقدرة السريعة على التكيف مع معطيات غير مألوفة و عوالم جديدة. لهذا أرى أن الهجرة تعتبر جد مهمة خاصة وأن تعاطفنا وذكاءنا العاطفي لا يمكن أن ينمو إلا بالتعب و تقبل اختلافاتنا. وبالهجرة يكتسب الأطفال كل هذه الأصول. ومع ذلك ، إذا شجعتهم على الهجرة ، فإني أشجعهم أيضا على العودة إلى البلاد ، مسلحين بخبراتهم المختلفة من أجل المشاركة في البناء المستمر لبلدنا.لأنني أومن بأن قادة الغد هم أطفالنا بكل تأكيد.
مينة أيت العسري برفقة زوجها
كيف ترين وضعية المرأة المغربية المهاجرة خصوصا بفرنسا حيث عشت؟
وضعية المرأة بشكل عام ليست سهلة، لكنها أقل من ذلك بالنسبة للمهاجرات المغربيات التمييز ضد النساء موجود في كل مكان حتى لو لم يكن عاما، لحسن الحظ. ومع ذلك ، فإن النساء المهاجرات لديهن تلك القدرة على تجاوز حدودهن و خاصة الأحكام المسبقة. إنهن يظهرن صمودا في القتال الذي تخوضه معظمهن، سواء في محيطهن الأسري، حيث لا تزال بعض المحرمات قائمة ، أو في صعودهن المهني والاجتماعي والسياسي. كثيرات منهن أبدين تميزا في رحلتهن لأن المغربية شجاعة ومقاتلة في ثقافتها المزدوجة.