ريم نجمي : الهجرة أخذت مني شمس المغرب و الأحاديث المسائية ببيتنا
برزت موهبة ريم نجمي في الكتابة بداية في الشعر، لتنتقل بعد ذلك للعبة السرد بكتابة ثلاث روايات ستصدر الأولى منها “تشريح الرغبة” هذا الشهر. ككل كاتبة أم يظل هاجس الأمومة مؤرقا و حارقا بالنسبة لها، حيث القول إن الانتشاء بالكتابة أفضل من الأمومة يحتاج من كاتبة مثلها أن تتحلى بالكثير من الشجاعة لتتمكن من البوح به..
“ مغربيات ” تواصلت مع الكاتبة و الإعلامية ريم نجمي المقيمة بالعاصمة الألمانية برلين، حيث تشتغل كصحافية بقناة دوتش فيله”DW” العربية للحديث عن تجربتها الإبداعية و عن الأمومة و الهجرة ..
مغربيات : من هي ريم نجمي؟
شاعرة وكاتبة في الصباح، إعلامية في المساء وأم دائما..
بدايتك كانت مع الشعر لتنتقلي بعد ذلك لعالم الرواية. لماذا تركت الشعر في اتجاه جنس أدبي آخر؟
أنا لم أترك الشعر حتى عندما أكتب الرواية أكتبها كشاعرة، أعتني باللغة وأهتم بالصور الشعرية طبعا دون إغفال اللعبة السردية والتأثير على قواعدها. ولازلت أكتب الشعر حتى ولو لم يكن مشروعي الأدبي القادم إصدار ديوان شعري وإنما رواية.
معروف أن كتابة الرواية تتطلب مجهودا كبيرا و تفرغا تاما، كيف توفقين بين أدوارك كزوجة و أم ثم كصحافية بقناة “DW” الألمانية و الكتابة؟
لأكون صادقة معك لم أكتب الرواية أو أي عمل سردي أثناء عملي الصحفي، لأن العمل الصحفي والتلفزيوني على الخصوص هو عمل إبداعي ويتطلب طاقة فنية وإبداعية. كتبت لحد الآن ثلاث روايات ستصدر الأولى هذا الشهر بعنوان “تشريح الرغبة ” عن الدار المصرية اللبنانية، هذه الروايات اشتغلت عليها خلال فترة رعاية الطفل والتي تمنحها الدولة الألمانية للأمهات بعد الولادة وتمتد حتى ثلاث سنوات. لذلك أنا مدينة لطفليّ بما كتبت إذ بفضلهما تمكنت من التفرغ للكتابة ولهما بطبيعة الحال. وبهذا استطعت التوفيق بين العمل والكتابة والأمومة. غير أني قررت رغم العودة إلى العمل ألا أتوقف عن الكتابة وأن أخصص لها فترة الصباح، خصوصا وأن عملي مسائي.
إذا سلمنا بوجود صراع بين الإثنين، من انتصر على الآخر الروائية على الشاعرة أم العكس؟
يمكن أن أقول إن كل جنس أدبي لا ينفي الآخر أو يستبعده، غير أني سأعترف لك بأني أجدني في هذه الفترة بالذات مفتونة أكثر بالحكي ولعبة السرد والتماهي مع الشخصيات…مستمتعة بالكتابة الروائية بشكل كبير.
ما الذي يمكن أن تضيفه الهجرة و الاغتراب عن الوطن لكاتبة و صحافية؟
تجربة الهجرة تجربة غنية جدا على المستوى الإنساني وتوفر مادة للتأمل والكتابة. ألاحظ في كل ماكتبت في الفترة الأخيرة أنه لا يخرج عن نطاق ألمانيا وعن نطاق أسئلة الهجرة والاغتراب والهوية. أعيش في ألمانيا منذ اثنا عشر عاما، وطبعا هناك العديد من التجارب التي عايشتها تستحق الكتابة، تجربة الاغتراب نفسها اختبار لنفسية الإنسان، إذ تخلق صراعات داخلية تصل أحيانا إلى أزمة في الهوية، هذا إلى جانب نماذج إنسانية ومن دول مختلفة نلتقي بها جديرة بالكتابة. أكاد أقول إنه لولا تجربة الهجرة لما اتجهت لكتابة الرواية.
أثناء عملها بالقناة
ماذا أخدت الهجرة منك؟
أخذت مني القرب من والداي وأهلي وأصدقائي. أخذت مني شمس المغرب التي تطل علينا هناك بكثافة، بشكل ما أخذت مني لغتي في اليومي وفي المحيط… رغم ذلك لا أعيش حالة من الحنين أو النظر إلى الوراء.
أنت أيضا ابنة شاعر (حسن نجمي) و وروائية (عائشة البصري) و زوجة كاتب مترجم للأدب (سمير جريس)، ماذا يعني لك أن تعيشي في وسط أغلب أفراده كتاب؟
إنه شيء جميل أن نشترك جميعا في حب الكتابة والأدب، هذا يخلق حالة من القرب والارتباط الإبداعي بيننا وطبعا نتبادل الأفكار والتجارب وننصت لبعضنا البعض.
هل كون الوالد شاعر و الوالدة روائية هو من صقل تجربتك الإبداعية أم أن هناك أشياء أخرى ساهمت في تكوينك؟
النشأة في بيت به أم شاعرة وروائية وأب شاعر وروائي وصحافي، والتواجد باستمرار في الندوات والأنشطة الثقافية ولقاء مبدعين كبار من مختلف أنحاء العالم والانبهار بهم، ذلك كله ترك أثرا كبيرا علي. لكن لا بد من قدر من الاستعداد النفسي والميول إلى جانب المعرفة بمختلف مصادرها : القراءة، السينما، المسرح، المعارض. فالفنون مهمة في تغذية العملية الإبداعية، هذا إلى جانب روح التلمذة والإنصات والتعلم من الكتاب الكبار. مكون آخر بالنسبة إليّ أساسي هو السفر الذي يمنح الكاتب ترسانة من الأفكار والصور الجديدة.
الاغتراب عن الوطن وجع كبير خاصة بالنسبة لكاتب, كيف تدبرينه وتتعايشين معه؟
صراحة لا أشعر بوجع الاغتراب، أفتقد بعض الأشياء والأشخاص مثل ما أخبرتك، لكن لا أشعر أني غريبة في ألمانيا، أقول دائما إني مغربية بخلفية ألمانية وألمانية من أصول مغربية.
ماهي الضريبة التي يمكن أن تدفعها الكاتبة الأم ؟
أحتاج للكثير من الوقت والصدق لأجيبك عن هذا السؤال، هناك زميلات كاتبات خصصن كتبا للحديث عن هذا الأمر أستحضر مثلا كتاب إيمان مرسال عن الأمومة وأشباحها وكتاب نورا ناجي “الكاتبات والوحدة” … الأمر بالنسبة لي شائك وصعب لكن أستطيع أن أقول لك إن الذات الكاتبة قد تصطدم بالذات الأم، قد تخلق صراعا نفسيا أحيانا وشعورا بتأنيب الضمير أو التقصير بالإضافة إلى نظرة الآخرين…هل يمكن أن أقول مثلا إني أشعر بالسعادة والامتلاء عندما أكتب أكثر من شعوري به كأم ؟ أعتقد أن قول جملة كهذه تحتاج إلى الكثير من الشجاعة.
مع طفلتها ميرا
لو خيرت بين العيش هنا (المغرب) وهناك (المانيا) ماذا تختارين؟
سأخبرك بشيء من باب الدعابة، لدي حلم غريب هو أن أخيط خارطة المغرب بخارطة ألمانيا فأخرج في الصباح للعمل في برلين وأعود في المساء لبيتنا في الرباط.
ماهي أكثر الأشياء و الأمكنة التي تحنين لها؟
أحن إلى أشياء كثيرة لكن دعيني أقول إني أحن لمكتبة أبي وأحاديثنا المسائية هناك عن الحياة والإبداع والسياسة والتجارب…
ماذا تقرئين الآن؟ وماذا تكتبين؟
لأنني سأعمل في السنة القادمة كمذيعة لبرنامج سياسي أقرأ هذه الأيام وفي الوقت نفسه كتبا سياسية وفكرية كثيرة عن العالم العربي وعن العلاقات الدولية. في المساء قبل النوم أقرأ نصوصا لجلال الدين الرومي من كتاب ” في العشق الإلهي” الصادر عن دار الكرمة، ولا أكتب حاليا ولكن أقوم بعملية مراجعة وإعادة كتابة لمشاريع سردية قادمة.
في حفل توقيع ديوان “كن بريئا كذئب”