حنان درقاوي : الكتابة وطني حين يعز الوطن..
مغربيات
هي كاتبة لا تشبه إلا نفسها. منذ البداية اختارت مسارا مختلفا لترسم طريقا لم يكن مفروشا بالورود. بقدر ما راهنت على تجربة حياتية غنية صقلتها بقراءات مكثفة و متنوعة، بقدر ما انخرطت بشكل مبكر في الدفاع عن المظلومات و المهمشات و الحالمات.. الهجرة بالنسبة لها كانت خيارا تحت الإكراه والحنين للوطن مرض لا تخفف أعراضه إلا الكتابة..
مغربيات : انت كاتبة اختارت المنفى لتخاطب القراء من الضفة الأخرى. هل كان ذلك اختياريا أم اضطراريا؟
تبدو هجرتي كأنها اختيارية فوضعي كان جيدا في المغرب لكن لأسباب أبوح بها لأول مرة أعتقد انها كانت هجرة اضطرارية لحماية نفسي من وسط أسري موبوء وعنيف، حيث اعتدى علي أخوتي بالضرب مرات قبل هجرتي. حس إنقاذ ذاتي من خطر داهم تحكم في هجرتي وصارت بذلك اضطرارية.
كيف تدبرين هذا الوجع، خصوصا أن الحنين للوطن وجع يحتاج دوما للتعبير عنه بشكل من الأشكال؟
أعبر عن وجعي بالكتابة عن الوطن كما أدبره بالاحتفاظ بالأشياء الجميلة التي حملتها معي، كالطبخ المغربي والموسيقى واللغة العربية والأمازيغية، حين أحن للوطن أفتح اليوتيوب وأنصت للأغاني الأمازيغية وأرقص إلى أن أدوخ
هل شكلت الكتابة ملاذا وملجأً تحتمين فيه من لفيح الغربة؟
الكتابة ملاذ أحتمي به من لفيح الغربة من خلال استرجاع ذكرياتي والكتابة عن شخصيات من أرض الوطن سواء عايشتها أو تخيلتها. الكتابة وطني حين يعز الوطن.
المتابٍِِع لمسار الكتابة لديك سيلاحظ أنه بعد مجموعتك القصصية الأولى “طيور بيضاء” أصبحت كتاباتك أكثر قسوة. كيف حصل هذا التحول؟
هذا التحول أتى مع “جسر الجميلات” وهي سيرة ذاتية عن أيامي الأولى في فرنسا وعن استرجاع ذكريات الطفولة والمراهقة الأليمة. لغتها جاءت قاسية مثل موضوعها وهو التشرد في ضواحي باريس لم يكن من الممكن أن أكتبها بنفس عذوبة طيور بيضاء، حيث كنت اكتب بقفاز ناعم وأنكر القسوة التي عشتها وسط أسرتي . في جسر الجميلات سقط مني القفاز الناعم وكتبت بمشرط عن التشرد في أزقة باريس وأزقة ذاكرتي الموبوءة
ماذا أضافت الغربة لشخصية الكاتبة حنان درقاوي و ماذا أخذت منها؟
الغربة اخذت مني روحي الطفلة وتلقائيتي وايماني بالخير الإنساني المطلق. وجدت نفسي متشردة في فنادق رخيصة وملاجئ مع طفلتين بعدها بدأت من الصفر لكي يستقر وضعي المهني والأسري. الغربة أضافت لي تجربة حياة فريدة ولا أندم على ما حدث فقد قادتني قدماي إلى وجهتي وأصررت على الكتابة وأصدرت كتبا عديدة في مواضيع مختلفة كما أنني في الهجرة اشتغلت بالإعلام وهي تجربة غنية كما أنني عدت للدراسة في مجال علم النفس الذي فتح كتاباتي على دواخل الشخصيات التي أنسجها.
إلى أي حد تشكل كتاباتك صرخة امرأة عانت الظلم و القسوة؟
كتاباتي صرخة ضد الظلم والإجحاف الذي تلاقيه المرأة في المجتمع. أنا لا أكتب، أنا أصرخ ضد الظلم وأتمنى أن يسمع صراخي وأن لايضيع في المدى
هل تعتبرين أنك انتقمت للمظلومات و المقهورات حين كتبت عنهن؟
نعم انتقمت لهن وجعلتهن شخوصا من لحم ودم تتحرك وتخلق مصائرها في حيز الكتابة.
هل تؤمنين بأن الجرح و الألم هما من يصنعان أدبا جيدا؟
لا يكفي الألم والجرح في صنع أدب جيد. يجب صقلهما بالقراءات المكثفة وبتجربة حياة غنية ثم إن الجرح لاينتج شيئا بدون القراءة والتجربة. ما يلزم المبدع ليس الألم، بل ظروف حياة سعيدة خالية من القلق ليتمكن من التفرغ لشغله وهذا غير ممكن في حالة المجتمع المغربي حيث لا حد يعيش من كتاباته. محاولة التسامي على الألم والجرح هي التي تنتج أدبا جيدا وليس الجرح في حد ذاته.
هل يمكن اعتبار الكتابة انتقاما لوضع غير مريح أو بحث عن فردوس مفقود كما يقول الكاتب عبد الكريم الجويطي؟
أتفق مع عبد الكريم الجويطي على أن الكتابة انتقام لوضع غير مريح وعلى أنها الفردوس المفقود. بالكتابة نتغلب على الأوضاع غير المريحة ونجد الجنة من كلمات حين أجد الكلمة المناسبة في رواية أحس أنني في الجنة حين اجد مسارا لشخصياتي أحس أنني أنتقم من كل الأوضاع غير المريحة التي عشتها.
هل لديك طقوس معينة في الكتابة؟
ليس لدي طقوس في الكتابة، حيث أنها تداهمني في كل الأوضاع بشرط وجود موسيقى كلاسيسيكة وأن تكون قدماي دافئتين. أكتب في كل الأحوال في السرير، على مكتبي وفي المطبخ وفي المقاهي وفي الغابة أكتب في كل الأوضاع شرط أن تداهمني الرغبة في ذلك.
ماذا تفعلين حين تفقدين الرغبة في الكتابة؟ كيف تستعيدينها؟
حين أفقد الكتابة أقرأ كثيرا في كل المجالات وأشاهد الأفلام إلى أن تعود جذوة الكتابة.
لمن تكتب حنان درقاوي؟
أكتب لحفنة أصدقاء يفهمون ما أكتبه واكتب لخالي علي المهتم والمتابع لكل ما أكتبه منذ بداياتي.
هل تتابعين مسار كتاباتك أم تنسينها بمجرد أن تنشر؟
حين أكتب كتابا وأنشره أنساه تماما وأتفرغ للعمل الذي يليه لايهمني قدر كتبي من حيث التناول النقدي أو المقروئية. مهمتي تنتهي مع كلمة الختام في كتاب. كل كتاب يخلق لنفسه مسارا وقدرا متيميزا .
ماذا تقرئين الآن؟ وماذا تكتبين؟
أعيد قراءة دوستويفسكي وأقرأ حاليا رواية الأبله كما أقرأ كتابا فلسفيا “المقال الصغير في الفضائل الكبرى ” لأندري كونت سبونفيل”. أكتب رواية “ الهاربات الى الله” وهي عن أوساط المنقبات.