ربيعة منوني : لم أقطع الحبل السري الذي يربطني بوطني المغرب

مغربيات 

رغم صدور ديوانها الأول على حافة الحب تزهر الكلمات و ديوانها الثاني الذي تستعد لإصداره قريبا، لا تعتبر ربيعة منوني نفسها شاعرة. تطل علينا هذه المفتونة بالحرف من فرنسا، حيث تعيش الاغتراب عن الوطن، الذي تقاومه بالشعر و الاحتفاء بالثقافة المغربية بكل تجلياتها، و بالكتابة عن هؤلاء الذين تركتهم ذات يوم في باحة مطار، لتحدثنا عن تجربتها الشعرية و عن الهجرة و الحنين للوطن..

مغربيات : أنت من الأصوات الشعرية النسائية المغتربة القليلة الظهور. لماذا ترفضين الظهور في وسائل الإعلام؟

أنا لا أرفض الظهور في وسائل الإعلام . أنا فقط حريصة أن لا أستهلكها كلها لأنني بطبعي إنسانة انتقائية جدا ، فالعبرة ليست بالكم ولكنبالكيف ولقد كثرت المواقع ( الإعلامية ) وأصبحت تنمو كالفطر الوحشي حتى لم نعد نفرق بين الصالح فيها من الطالح ، هذا وأنا بطبعيإنسانة خجولة بعض الشيء ولا أحب استعراض عضلاتي وأكره الأضواء ولا أجيد الحديث عن أعمالي ، أكتب فقط حبا في الحرف ولاأركض وراء شهرة . لدي صفحة فيسبوكية أكتب فيها تقريباً كل يوم ، وأسعد جدا بتفاعل القراء مع منشوراتي ويكفيني أن يصلهم إحساسيوالإيمان بالقضايا التي أطرح

سمعتك في بعض المناسبات تقولين أنا لست شاعرة أنا فقط أكتب شذرات و خواطر لماذا تنكرين على نفسك صفة الشاعرة؟

فعلا ، أنا لا أعتبر نفسي شاعرة ، وهذا لا يعود إلى عدم الثقة بالنفس أو القدرات أنا فقط أرى أن كلمة شاعرة كلمة وازنة ، لها ثقلهاومسؤوليتها و الآن فقط وضعت رجلي على أول درج في هذا الصرح الشاهق الذي يسمى شعرا “‫.‬ صحيح أنني كنت أكتب ولن أقول أنظممحاولات وومضات نالت إعجاب المدرسين والأساتذة في كل مراحل التعليم والتحصيل، منذ أن كنت في الخامسة عشرة من عمري إلىالجامعة ورغم أنني حاصلة على شهادة الإجازة في الأدب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق منذ ثلاثين سنة وعاشقة للشعر حدالهوس، فمع ذلك لا أجرؤ حتى الآن أن أطلق على نفسي اسم شاعرة ، منذ أن كُتبت علي الهجرة إلى الديار الفرنسية و حصلت لي قطيعةمع اللغة العربية دامت عشرين سنة ، فلا يعقل أن أنعت نفسي بالشاعرة ولا زلت أشحذ موهبتي ، سيكون ذلك تطاولا على الشعر والشعراءمقارنة بالكبار وليس المتشاعرين الذين تضج بهم المواقع طبعاً

صدر لك الديوان الأول على حافة الحب تزهر الكلمات سنة 2017 و أنت بصدد التحضير لإصدار ديوانك الثاني. الملاحظ أنه ديوانك الأول يتضمن قصائد عن الحب، هل ستبقين وفية لنفس التيمة الحب في ديوانك الثاني أم سيكون موضوعا آخر تتناولينه في قصائدك؟

صحيح أنني منجذبة أكثر إلى الشعر الرومانسي كباب من أبواب الشعر، ربما يعود هذا إلى انبهاري بالغزل بدءاً بالشعر، الجاهلي وانتهاءبالشعر الحديث و الشعر الحر، والحب تيمة بارزة جدا فيما أكتب أولا لأن الحرف يسعفني فيه أكثر وبدون تكلف ولا عناء، وثانيا لأن محورالكون لدي هو الحبكأجمل إحساس يجمع بين رجل وامرأة بمعناه المشترك والمتعارف عليه، و أيضا بمعناه الوجودي والفلسفي كقيمةمطلقة. وبما أن تيمة الحب أصبحت مستهلكة جداً وتم اجترارها كثيرا على الأنترنيت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي قررت التنويع فيديواني الثاني تفاديا للرتابة ، سأتناول فيه قضايا اجتماعية ، سياسية وفلسفية وروحانية أيضا تعبر أكثر عن تساؤلات الإنسان وهمومهخصوصاً في الألفية الثالثة . والله الموفق

قالت لي يوما الكاتبة حنان درقاوي هنا في هذا المنبر إن الكتابة وطن حين يعز الوطن. هل يمكن أن يكون الشعر ملاذا للشاعر في اغترابه عن الوطن؟

أكيد أن الشعر وطن عندما يعز الوطن . هو ملاذنا في اغترابنا ، نحن مغاربة الشتات ، المبعثرون على القارات . ربما أننا لا نسكن أوطانناولكنها تسكننا ولا تبرحنا لحظة . هي لصيقة بنا كجلدنا، فالوطن ليس فقط حدودا جغرافية وأرضًا وبحرا وسماء ، هو أكثر من هذا كله . إنهكياننا وهُويتنا ، وأنا كشاعرة“‬ تركت نصفي الثاني في وطني ، لم ولن أقطع الحب السُّري الذي يربطني به، وكربة أسرة وأم أحاول أنأغرس هذا الحب في قلب ابني وابنتي.‬ في الأطباق التي أحضر.‬ في الكتب التي تزين مكتبة البيت .‬ في الحكايا التي أسرد‫.‬ في الاحتفالاتبالأعيادفي كل شيء و الشعر أو الكتابة عموما هما الفرشاة التي أرسم بها الوطن، حين يفيض حنيني إليه ولكن خاصية الشعر ككلوسيلة إبداعية أخرى، إنه يحطم الحدود ليجعلك تنتمي إلى وطن أوسع هو الأرض والعالم وأسرة أكبر هي الإنسانية لذلك تكون حاسة الشاعروالكاتب متقدة باستمرار تمتص كإسفنجة كل ما يجري من حوله .

قال الشاعر الروماني العظيم هوراس لا تبحث عن الكلمات، ابحث فقط عن الحقيقة و الفكرة، عندئذ ستتدفق الكلمات من دون أن تسعى إليها ماهي الأفكار و الحقائق التي تبحثين عنها وهل تطاوعك الكلمات و أنت تنظمين قصائدك؟

بالنسبة لي ، يكفي أن تخطر ببالي فكرة ، أن أرى مشهدا أو موقفاً ، أو صورةوأحيانا مجرد عبارة تعبر ذهني تفجر سيل الكلماتفتتدفق بدون عناء، و لا تكلف لذلك ستجدين دائما في محفظتي مفكرة وقلما أينما ذهبت وحللت . أحيانا تقض مضجعي كلمة أو فكرة فأنهضوأكتب لأن الأفكار كحبات الثلج يجب التقاطها قبل أن تذوب و تتلاشى . أكتب في الحب كتيمة لازمة لدي ولكن أكتب أيضا في الروحانيات ،في الثوريات ، في الشأن السياسي والاجتماعي لأن الشاعر يجب أن يكون له أكثر من سهم في قوسه وأنا لا أريد أن يتم تصنيفي في خانةشعراء الحب فقط .

يقول الشاعر محمود درويش الشاعر من يجعلني صغيرا حين أكتب و كبيرا حين أقرأ من هو الشاعر الذي يجعلك صغيرة حين تكتبين و كبيرة حين تقرئين؟

في الحقيقة هم كثيرون اللذين يجعلونني صغيرة حين أكتب إذا ركزنا على الشعر ابتداء من العصر الجاهلي وشعرائه الذين لا يضاهيهم أحدفي فصاحتهم و بلاغتهم، مرورا بالعصر الأموي والعباسي إلى العصر الحديث والألفية الثالثة طبعاوردي على هذا السؤال سيكون فيهشيء من الإجحاف لأنني لن أكون منصفة في حق الكثيرين ومع هذا فالشاعر الذي يبهرني ويجعلني صغيرة حين أكتب وكبيرة بل عملاقةحين أقرأ هو وبلا منازع المتنبي، لأنه عبقري أبدع في كل الأبواب الشعرية ، في المدح ، في الفخر ، في الرثاء ، في الهجاءوالمبهر أكثر أن كل بيت في نظمه يكون مستقلا بذاته إن اقتطعته من القصيدة لا يخر بناؤها‫.لا يشبهه في ذلك إلا الشاعر الجاهلي زهير بنأبي سلمى، والمتنبي تعدى شعره النظم إلى فلسفة الحياة‫.‬ إنه يزخر بالحكم والدروس التي ما زلنا نرددها إلى الآن وأجيال من بعدنا يكفي أنيقول مثلا : وإذا أتتك مذمتي من ناقص /// فهي الشهادة لي بأني كامل . مدعاة للثقة بالنفس وعدم الاكتراث لأقاويل الآخرين الذين يقفون فيطريق نجاحك . لقد كان نابغة عصره ولازال وسيبقى .

كيف ترين وضعية المرأة الكاتبة التي تعيش بعيدا عن وطنها؟

المرأة الكاتبة في المهجر أثبتت وجودها بجدارة وتميزت بشكل ملفت في كل أنواع الكتابة . في الرواية ، في القصة ، في القصة القصيرة ،في الشعر بكل أبوابه ، في الصحافة الورقية و الإكترونية باللغة العربية الأم وأيضا بلغة البلد المحتضن‫.وأرفع لها القبعة من هذا المنبر،ليس للكاتبات فقط بل اللواتي خضن غمار الطبع والنشر والبحث عن الأقلام المغمورة و الإصدارات خير دليل على ذلك . وتنظيم اللقاءاتوالندوات الأدبية والاهتمام بالترجمة من العربية إلى بعض اللغات كالفرنسية والأنجليزية والألمانية ، لقد ذهبت المرأة الكاتبة المغربية فيالمهجر بعيداً بحزمها وإبداعها وإصرارها وذكائها .

هل يمكن أن يشكل جرح الابتعاد عن الوطن الأم حافزا للإبداع؟

أكيد أن الابتعاد عن الوطن الأم جرح غائر وهو من أقوى الحوافز للإبداع لدى المرأة المبدعة، فتجدها دائما تنقب في ذاكرتها لتكتب عنطفولتها، عن الأشخاص الأعزاء على قلبها الذين وصموا ماضيها وتركتهم يوما في باحة مطار، عن كل الأماكن التي ارتادتها ، عنصديقاتها ، عن زميلاتهابل حتى عن الروائح التي كانت تضوع من حيها . هي رهينة الماضي شاءت أم أبت، لأنه مرجعها الوحيدوالأوحد وحتى وإن أرادت التمويه فهو سيطفو على السطح بكل تفاصيله .

ثم كيف ترين وضعية المرأة المغربية المهاجرة عموما؟

أرى شخصيا أن وضعية المرأة المغربية المهاجرة تختلف جدا عن وضعيتها في الستينات والسبعينات، لأنها اليوم ولجت كل الميادين وتقلدتكل المناصب في كل المجالات وبدون استثناء . الثقافية ، السياسية ، العلمية ، الجمعوية ولها وزنها وثقلها في اتخاذ القرارات‫.‬ إنها لم تعدتلك المرأة الأمية التي تم تهجيرها عن طريق التجمع العائلي من طرف الزوج لتكتفي برعاية البيت وتربية الأطفال، مع احترامي لكل ربةبيت، لأننا كلنا تلك المرأة إلى جانب المهام الأخرى طبعا . المراة المهاجرة اليوم تطمح إلى إنشاء جيل مزدوج الثقافة إيمانًا منها أن في ذلكإغناء له ، جيل له القدرة على الاندماج في البلد المحتضن دون أن ينسى وطنه الأم ويتخلى عن هويته .

رفقة رقية ديان مديرة دار النشر “رمال”

مع نادية حيدة أثناء توقيع ديوانها

About Post Author