ملتقى مبدعات المسرح..”كراش” مسرحية تكشف الوجه الملتبس في علاقة الأم بالابنة

مغربيات

 جسدت مسرحية “كراش” علاقة الأم بابنتها باعتبارها ليست دائما تلك العلاقة المفعمة بالعاطفة الإيجابية التي تستوجب أن تكون الأم مصدر حنان و ثقة لفلذة كبدها. 

الأم هي الكائن الذي يمد الابن/ة بالقوة و الثقة بالنفس و الإرادة، إنها الوطن الأول الذي يغترب عنه الأبناء بمجرد الخروج من الرحم نحو وطن أوسع و أشمل هو الحياة كما قال الشيخ محيي الدين بن عربي. وعندما لا تستقيم تلك العلاقة التي تجمع الأم بابنتها فإن هذه الأخيرة تصبح ضائعة في دروب الحياة و تدخل في سلسلة من الإخفاقات و الإحباطات. 

قدمت فرقة “اللمة” من الرباط عرضا خلال الملتقى الدولي لمبدعات المسرح بمراكش، الذي تتواصل فعالياته إلى غاية السبت 24 فبراير الجاري، مسرحية “كراش” التي سلطت الضوء على بعض الجوانب المظلمة في علاقة الأم بابنتها. 

في حوار ثنائي لا يخلو من عتاب و من مكاشفة بين الأم و الابنة، استطاعت بطلة العرض و مخرجته فاطمة الزهراء الهويتر أن تنقل للجمهور تلك العلاقة الملتبسة التي تجمع الأم بالابنة. ابنة محملة بجراح نفسية عميقة تعيق تطورها و تزج بها في عالم من الخوف و الحيرة و القلق و الضياع، خوف من هجران الحبيب و تموقع في دائرة الانعزال الاجتماعي خوفا من توالي الصدمات النفسية و الإخفاقات. 

و قالت مؤلفة و مخرجة العرض إن فكرة المسرحية  مستوحاة من تجارب إنسانية في علاقة الأم بابنتها. و أضافت أنها تلجأ دائما للأفلام الوثائقية التي تقربها أكثر من بعض القضايا الإنسانية، وهو ما وقع لها مع عرض “كراش” الذي كتبت نصه و أخرجته و شخصت دور البطولة فيه. 

و أكدت أن الهدف من هذا العرض هو أن تظهر كيفية تجاوز الخلافات التي قد تقع بين الأمهات و بناتهن، و أن هؤلاء الأمهات ربما مررن بتجارب قاسية في طفولتهن أفرزت نوعا من الجفاف في العلاقة مع بناتهن، و أنهن في حاجة لأن نلتمس لهن العذر أحيانا و نتفهم وضعياتهن النفسية و تجاربهن القاسية بدلا من لومهن. 

يبدأ العرض بنوبات نفسية حادة تعيشها البطلة وهي تناشد حبيبها بألا يتركها و تتوسل له أن يعود، ثم فجأة يرن هاتفها لتجد أمها على الخط. تحاول الفتاة أن تمسح كل أثر للأزمة العاطفية التي تمر بها.  زيارة خاطفة للأم التي جسدت دورها باحترافية عالية الممثلة المغربية حسناء طمطوي لها كانت كافية لتكشف خيوط تلك العلاقة المعقدة، علاقة لم تنل فيها الابنة تلك الشحنة العاطفية الإيجابية التي يمكن أن تعبد لها الطريق وهي مسلحة بالثقة بالنفس و الأمل نحو مستقبل واضح المعالم، كباقي قريناتها. 

تسأل الأم ابنتها عن تحضيراتها لحضور حفل زفاف قريبتها (ابنة خالتها)، فتعتذر الابنة بأدب و تتظاهر بأنها منشغلة بالعمل الذي لم تطأه قدماها منذ أسابيع بسبب صدمتها العاطفية وهو أمر جاهدت لإخفائه عن أمها التي لا تهتم لأن تعرف تفاصيل عن حياة ابنتها، لكنها لا تتردد في توجيه سهام العتاب و اللوم القاسي لابنة أرادت لها أن تشبه قريباتها اللواتي استطعن أن يحصلن على وظائف مرموقة و أزواج و يبنين أسرا. 

هذا العتاب الذي سيدفع الفتاة إلى الانفجار، و البوح بكل الألم و الوجع الدفين في داخلها، ألم يستمد شرعيته من جفاف العاطفة التي لم تنل منها الابنة حظها (لا أتذكر أنك عانقتني يوما). تصمت الأم بدهشة أمام سيل المكاشفة التي اختارت الابنة أن تسلكها كنوع من الانعتاق و التحرر من تبعات هذا الحرمان العاطفي و الحنان الذي لم تستطع الأم أن تمنحها إياه. 

في خضم تلك المكاشفة تفرج الابنة عن مهدئات تأخذها لتساعدها على النوم و تقذف بها في وجه الأم، ثم تفاجأ بكون أمها تتناولها بدورها،  وهنا يبرز سيناريوهان متشابهان عاشته الاثنتان بدرجات متفاوتة، ليتضح جليا أن البوح و المكاشفة في العلاقات الإنسانية كفيلان بأن يعيدا لها التوازن الذي تحتاجه.  

وفي ختام العرض تفاجأ الفتاة بأن أمها عاشت سيناريو مشابه عندما كانت طفلة، و تبدأ والدتها في كشف معاناتها التي عاشتها بدورها مع أمها و هي أشد قسوة مما عانته الابنة. تقف هذه الأخيرة متأثرة بما سمعته من أمها التي عاشت طفولة قاسية و حرمانا عاطفيا بدورها، وهو ما جعلها تدخل في دائرة مغلقة من الخوف و الترقب بأن لا تتمكن من منح أطفالها الحنان الذي لم تنله هي من أمها، و أنها حاولت قدر الإمكان ألا تكون نسخة عنها، لكنها سقطت في فخ إعادة إنتاج نفس السيناريو الذي عاشته بدورها، دون أن تقصد إلحاق الأذى بفلذة كبدها. 

وفي مشهد مؤثر تتعانق الاثنتان و تبوحان بحبهما لبعضهما البعض، ثم تغادر الأم على أمل لقاء مرتقب و تعدها بأن تحضر لها طبقها المفضل. وينتهي العرض بأن تتخلص الابنة من المهدئات التي كانت تتناولها و تقذف بها في كيس القمامة، في مشهد يجسد تخلصها من المعاناة و الألم الذي طالما وقف حجر عثرة أمام تحقيقها لأحلامها و تقديرها لذاتها. 

About Post Author