هبة أغياتي.. مقاولة اقتحمت عالم المقاوَلة من بوابة “الطفولة”

مغربيات

بدأت مسيرتها المهنية كمعلمة في روض للأطفال بمراكش. هناك ستكتشف هبة أغياتي وهي تشارك الأطفال ألعابا يدوية عن طريق صنع منازل و لعب من الكرتون ، أن هذا هو عالمها الذي كان تائها عنها و كانت هي مغتربة عنه. الخلق و الإبداع مجال جرفها حتى أضحت اليوم واحدة من أكبر صانعات الأفرشة وغرف النوم الخاصة بالأطفال بجهة مراكش آسفي. تجربتها في مجال صناعة الأفرشة فتية إذ لا تتعدى سنتين أو يزيد قليلا، لكن هذه المقاولة الشابة تجر خلفها سنوات من الخبرة اكتسبتها بداية من ورشة الوالد الذي ‪كانيمتهن النجارة، و من الغوص في دروب الحياة التي علمتها كيف تتبع حلمها دون أن تضع له سقفا..

مغربيات التقت هبة أغياتي رئيسة شركة  H Kids للحديث عن البدايات و عن صناعة الأفرشة و الطموح..

أطلت هبة بقبعة رياضية و حماس كبير يترجم شغفا بالعمل الذي تقوم به. مر الوقت سريعا برفقتها، هي التي تحملك من عالم المقاولة إلى عالم التصوف، حيث تجعل هذه المرأة التنافر الذي قد يبدو لك في الوهلة الأولى بين العالمين المختلفين، هو انسجام و تناغم يكمل من خلاله الواحد الآخر ليعطيا خليطا سحريا لا يتحقق إلا في شخصية فريدة تستحق الوقوف عندها..

تؤمن هبة أن الدراسة أداة ضرورية من أدوات تحقيق الذات، فقد درست الإدارة و التسيير ثم تخصصت في التسيير السياحي قبل أن تخلق مقاولتها في صناعة الأسرة الخاصة بالأطفال. تقول هبة لمغربيات : في البداية كنت أبحث عن فراش لابنتي لكنني لم أجد في السوق السرير الذي كنت أرغب فيه و صورته في مخيلتي، كنت أبحث عن فكرة مجسدة في السرير، مثل الأميرات أو بعض الشخصياتالكرتونية. وهنا اهتديت غلى فكرة صناعة غرفة نوم لطفلتي بنفسي.

في سنوات الطفولة كانت هبة ترافق والدها في ورشة النجارة التي يملكها بالدار البيضاء، وقد كان متخصصا في صناعة لعب الأطفال المصنوعة بالخشب (مضارب. طاولات للعب البلياردو..)، عالم تشكل في وجدان هبة الطفلة التي ظلت مسكونة بالحنين للألوان التي كانت تقضي فيها أيام العطل و نهاية الأسبوع ، مما مكنها من إدراك العديد من المهارات التي تعلمتها على يد والدها، قبل أن يحول هذا الأخير نشاط الورشة إلى النجارة العادية بعد المنافسة الشرسة التي فرضها انفتاح سوق الألعاب على المنتوجات الصينية.

عدة وظائف

بالإضافة إلى التعليم الذي مارسته لسنوات، تنقلت هبة عبر العديد من الوظائف في قطاع السياحة عبر مدن عديدة، وهو ما منحها دراية واسعة في مجال التسيير و تدبير الموارد البشرية، حيث إنها تشرف اليوم على ورشة صناعية يعمل بها سبعة عمال تقريبا بالطريق الرابطة بين مراكش و جماعة اوريكا.

منذ البداية، أقنعت هبة نفسها بأن الحلم الكبير يحتاج لإمكانيات و لقدرات كبيرة و لتطلعات أكبر لتحقيقه، وهو ما دفعها لأن ترفع سقف التحدي عاليا، و تؤمن بقدراتها و إمكاناتها بعيدا عن الغرور و التنطع.

تقول هبة : في مجال المقاولة لا مكان لالقناعة كنز لا يفنى ينبغي أن يتطلع المقاول للأعلى دائما، لطالما أعجبت بالمواطن الأمركي الذي يؤمن بالله وهذا شيء جيد، لكنه يؤمن كذلك بنفسه و بقدراته و يسعى لتحقيق أحلامه مهما بدت عادية أو بسيطة.. هناك يربون الأفراد على الإيمان بأنفسهم و بأن كل شخص هو محور حياته.

رغم أن هبة مرت بتجارب مهنية مختلفة، إلا أنها كانت تؤمن في قرارة نفسها بأنها ستنشئ مقاولتها من دون شك يوما ، و أنها لم تفعل إلا عندما حان الوقت. تقول في هذا الصدد لطالما تساءلت في قرارة نفسي و أنا أزاول عملا من المهن التي مررت بها وهي كثيرة : ما الذي يمنعني إلى غاية اليوم من أن أنشئ مقاولتي الخاصة؟ لكني في كل مرة كنت أجيب نفسي بأن الوقت لم يحن بعد، و أن لكل أمر وقته المحددنحن هنا من أجل مهمة ما في هذه الحياة، جئنا للقيام بها قبل الرحيل، و إلا لماذا نحيا؟

مقاولة في جلباب متصوفة

الجانب الصوفي في شخصية هبة منحها الكثير من الراحة النفسية و الرضا عن الذات و المصالحة مع العالم، ما جعلها تعمل بجد ونشاط دون أن تنتظر الكثير، لكنها في المقابل حصلت على أكثر مما توقعته، بداية دعما من المبادرة الوطنية للتنمية، ساعدها على شراء آلة لقطع الأخشاب و صقلها وهي بعد لاتزال تتلمس خطواتها الأولى في المشروع، كما أنها حظيت بزيارة والي جهة مراكش آسفي كمقاولة شابة تمكنت من خلق مقاولة ليس سهلا إنشاؤها بالنسبة لشابة في مثل سنها و خلال فترة قصيرة.

كل ذلك لم يأت اعتباطيا، بل هو نتيجة طموح و عمل شاق و طويل، ومرور بتجارب مهنية استطاعت هبة أن تستثمرها بشكل جيد و فعال في المضي قدما نحو تحقيق أهدافها.

خلال زيارة كريم قسي لحلو والي مراكش

التجارب التي مرت منها وصقلت شخصيتها جعلتها تدرك أن المرأة شأنها شأن الرجل إنما خلقت من أجل أن تؤدي مهمتها في هذه الحياة، و التي لا تقتصر دائما على الزواج و إنجاب الأطفال، حيث لم يمنعها طموحها الجارف من أن تكون زوجة و أم لطفلين، من تحقيق ذاتها، ومنح أحلامها مساحة مهمة في حياتها، ليس من أجل كسب المال تحديدا، ولكن لتجعل لحياتها معنى و قيمة، وهي قناعة راسخة لدى هبة و لا محيد عنها.

أدركت هبة في مرحلة مبكرة بأن خلق مقاولة خاصة لا يحتاج فقط إلى رأسمال و إمكانات و مهارات مكتسبة في المجال، إنما يحتاج لأكثر من ذلك، يحتاج لرؤية واضحة لدى الشخص المقاول. ما الذي يريد تحقيقه و لماذا هذا النوع من المقاولة و لشيء ترى هبة أنه بالغ الأهمية هو الإيمان بالذات و تحقيقها عبر المقاولة، إذ بدون هذه التوابل لن نحصل على طاجين لذيذ. كما أنها كانت في حاجة لأن تبرهن لبعض المحيطين بها بأنه ليس مستحيلا خلق مقاولة و السعي لبنائها و كسب المال عن طريقها، فقط نحتاج للعزيمة.

مسافة الألف ميل..

أول سرير صنعته هبة لاقى استحسان كل من رآه، من الأصدقاء و الأقارب و غيرهم، حتى أنها بدأت تتلقى طلبات من العديد من الأشخاص، وهي بعد لا تتوفر على ورشة لصناعة الأسرة، حيث كانت تكتفي بقطع الأخشاب في ورشة كبيرة بالحي الصناعي بسيدي غانم، ثم تأتي مرحلة التركيب التي كانت تتم في بيتها، إلى أن استطاعت فيما بعد ان تحصل على ورشة خاصة في رقعة لا تتجاوز 60 مترا مربعا، لتنطلق بشكل فعلي في مقاولتها الصناعية التي تمتد اليوم على مساحة تناهز 400 متر مربع.

ساعد هبة أن تخرج طاقتها الإبداعية في المجال الذي اختارته منذ البداية لتحقيق ذاتها وجود زوج متفهم بجانبها، يؤمن بأن المرأة ينبغي أن تحقق ذاتها و مشروعها الخاص، إلى جانب الزواج و إنجاب الأطفال، كان لا يتردد في القول إن الحياة الزوجية و الأسرة جزء من الحياة و ليس الحياة كلها، وهو ما سهل على هبة أن تخطو الخطوة الأولى التي بقدر ما كانت صعبة بقدر ما فتحت أمامها بابا كبيرا من الآمال و التطلع لتحقيق المزيد.

هبة برفقة والدها

تؤمن هبة بالفلسفة اليابانية المعروفة بالإيكيغاي وهو مفهوم يعني سبب وجودك أو هدفك في الحياة، حيث أن اليابانيين يستخدمون الايكيغاي للإشارة إلى مصدر القيمة في حياة الإنسان، أو الشي الذي يجعل حياة الفرد جديرة بالعيش، أو السبب الذي يستيقظ من أجله كل صباح، و يجعله سعيدا و خدوما لمحيطه، حيث ينبغي على كل فرد أن يعبر عنه بصدق و أمانة، حتى إذا ما تحقق به ذلك عاش سعيدا و مرتاحا.

عثرت هبة على الإيكيغاي الخاص بها، أخيرا، وهي ترى النجاح الذي خلفه أول سرير للأطفال صنعته، ثم تلته بعد ذلك عدة طلبات على أسرة أخرى و طاولات صغيرة، لتقتنع أن مهمتها في الحياة، إلى جانب كونها أما و زوجة، هي صناعة الأفرشة و تفسر هذه الطاقة الإبداعية التي جعلتها تترك بصمتها الخاصة في عالم الأفرشة تحمل توقيعها هبة كيدز.

لم تعد “H kids تقتصر على صناعة الأسرة الخاصة بالأطفال، بل انفتحت على أسواق أخرى، و بدأ الطلب على الأفرشة و الأسرة يتزايد يوما بعد يوم. تؤكد هبة أن الحلم يَُوَلد الفكرة و الفكرة تتطلب العمل و الإنجاز، و يوما بعد يوم يكبر المشروع و يتطلب عملا أكبر و مجهودا أكثر، و الحقيقة أنني لم أكن أتوقع يوما أن يتحقق لي كل ما حلمت به في وقت قصير لا يتعدى سنتين تقريبا، لكني أومن بأن الإنسان إن رغب في شيء لا يوجد هناك ما يمنعه من تحقيقه.

About Post Author