نعيمة ربوحات.. امرأة تقود مقاولة صناعية بجهة مراكش بقبضة من حديد
مغربيات : مراكش
نعيمة ربوحات نموذج للمرأة الحديدية التي اقتحمت مجالا ليس من السهل على امرأة أن تلجه. منذ التحاقها بالعمل، نهاية التسعينيات، إلى جانب والدها بالشركة التي أسسها هذا الأخير في بداية السبعينيات من القرن الماضي، استطاعت أن تسير هذه المقاولة المتخصصة في صناعة الحديد والفولاذ المقاوم للصدإ “الإينوكس” بقبضة من حديد لتجعلها واحدة من أكبر الوحدات الصناعية بجهة مراكش آسفي، سلاحها في ذلك النزاهة و الشفافية و الإخلاص في العمل..
“مغربيات” التقت بنعيمة ربوحات مديرة شركة “إينوكس ساندسي” للحديث عن مشوارها في بناء واحدة من أكبر الوحدات الصناعية في الحديد بالجهة..
من متخصصة في الحسابات وجدت نعيمة ربوحات نفسها مسؤولة عن تسيير معمل في صناعة الآلات الحديدية و “الإينوكس” الذي تعود ملكيته لوالدها. بقبضة من حديد. فقد استطاعت أن تعيد هيكلة مؤسسة ظلت لسنوات تسير وفق منطق “البركة” التي كان الوالد يسير بها إحدى أكبر الوحدات في تصنيع الحديد بجهة مراكش آسفي، إلى أن جاءت الابنة التي لم يكن آنذاك سنها يتجاوز 25 سنة، و تقلب نظام المؤسسة وترفع من وتيرة الإنتاج وفق أحدث التقنيات و بأفضل الوسائل.
وافدة جديدة
قبل أن تلتحق نعيمة بمصنع والدها، كانت تعمل مسؤولة عن الحسابات في إحدى أكبر الوحدات الفندقية بالمدينة، و لما طلبها الأب لتكون مسؤولة عن حسابات المصنع، لم تتردد في الاستجابة لطلبه وتلبية ندائه، خاصة و أنها كانت قد ضاقت ذرعا من المضايقات التي كانت تتعرض لها في عملها السابق الذي استقالت منه لتلتحق بمصنع العائلة. كان رد نعيمة على والدها صريحا و حاسما” إذا رغبت في أن أعمل معك، لا مانع لدي، لكن بشرط. لا تقل لي الأمور هنا تمشي وفق هذا النظام، إذا التحقت بالمصنع، سأعمل ما يجب فعله و ليس كما يفرضه علي النظام السابق..”. و بالفعل تقول نعيمة “وافق المعلم” هكذا تنادي والدها ورب المصنع الذي جاءت إليه وكلها عزيمة في الرفع من وتيرة الإنتاج وتدقيق الحسابات.
ظلت لمدة ثلاثة أشهر وهي تتردد على الشركة و لا تقوم بأي عمل. كانت فقط تراقب سير العمل و العمال إلى أن حل شهر غشت الذي يعد شهر عطلة لجميع العاملين بالمصنع. أثناء العطلة الصيفية كانت نعيمة قد دونت ملاحظات عن الحسابات وتسوية ملفات الضرائب، إلى أن ضبطت كل صغيرة و كبيرة داخل الشركة، و أصبحت تعرف عنها أدق التفاصيل، بل إنها كانت حريصة على تدوين كل صغيرة و كبيرة في مذكرة كانت تلازمها و لا تتركها إلا بعد أن تعود مساءا للبيت.
في البداية، وعند استئناف العمل بعد العطلة، لم يتقبل العاملون طريقة العمل غير المعتادة التي فرضتها الوافدة الجديدة. شمل التغيير كل شيء، الهندام، طريقة العمل، الانضباط واحترام المواعيد وغيرها من الإجراءات الصارمة التي لم ترق للعديد من الموظفين، لكن نعيمة أصرت على أن تجعل منها سياستها الجديدة التي تشمل جميع العاملين. صحيح أن إخوتها الذكور كانوا إلى جانب أبيهم في العمل، لكن التحاق الشقيقة الكبرى، ومنذ الشهور الأولى كشف عن الاختلالات التي كانت في النظام السابق.
مرحلة جديدة
مع مرور الوقت تم ضبط الضرائب التي كان يضطر “المعلم” الوالد لتأديتها أحيانا مرتين متتاليتين لعدم ضبطه لأمور الحسابات و المداخيل و المصاريف. تقول نعيمة: لأن وضع الشركة كان جيدا، ليس كما هو الحال اليوم حيث كثرت المنافسة، فقد كنا تقريبا الوحيدين في السوق، وهو ما جعل الوالد لا يشعر بأنه قد سدد نفس الضريبة مرتين“.
مع مرور الوقت زاد الإنتاج و قلت المصاريف و ارتفت المداخيل، ليقتنع الوالد بأن ابنته التي أصبحت ترافقه أثناء لقاءاته مع الشركاء، و أصبحت تصحح الكثير من الإعوجاج الذي طبع النظام السابق.
كان “المعلم” في كل مرة يقف مشدوها أمام قدرتها على إقناع الشركاء بأمور لم يكن بمقدوره أن يحققها، من خلال الدخول في مفاوضات و صفقات كبيرة مع تجار، إلى أن أصبحت ذراعه الأيمن، التي تحل محله كلما غاب كما لو كان موجودا.
منذ البداية كانت نعيمة تعرف جيدا الطريق الذي رسمته لنفسها، وقد ساعدها تكوينها الأكاديمي حيث حصلت على ماستر تخصص “التتبع في مجال الحسابات” من مونبلييه بفرنسا. في هذا الصدد تقول “ينبغي أن تكون الأور واضحة و شفافة أمامي لأتمكن من إنجاز العمل المطلوب. إذا لم أتمكن من ضبط الطريق الرابط بين نقطة البداية و نقطة النهاية، أضحت الصورة مشوشة في ذهني و بالتالي يصعب علي ضبط العمل“. هذا الوضوح في الرؤية ساعدني كثيرا في تجاوز الكثير من الأخطاء و تجنب الوقوع فيها، كما أكسبني مصداقية في المعامل مع الشركاء.
هي كذلك أم لابن يشتغل طبيبا مختصا و ابنة تعيش خارج المغرب وتعمل كمهندسة. رغم ضغط العمل، إلا أن نعيمة لم تهمل واجبها كأم تجاه ابنيها اللذين حرصت على أن تربيهما لوحدها، بعد أن توفي زوجها وهي لازالت في بداية التحاقها بالعمل. وقد كانت حريصة على أن تعلمهما الاعتماد على النفس، و أن يتحملا مسؤولية اختياراتهما كيفما كانت منذ مرحلة مبكرة من حياتهما، فيما كان يقتصر تدخلها على النصح و التوجيه اللازم دون تدخل مباشر في اتخاذ القرار سواء على المستوى المهني أو في الحياة الخاصة.
المشعل
بنزاهة قل نظيرها في المجال الذي تشتغل فيه، تؤكد نعيمة أن السياسة التي اتبعتها لم تجني من ورائها أموالا طائلة، لكنها على الأقل جعلتها تنام مرتاحة الضمير.
لم يفت نعيمة ربوحات وهي مقبلة على أن تغادر مقعدها كمديرة عن الشركة “إينوكس ساندسي” بعد الحصول على التقاعد، أن تترك شخصا يحل محلها، وهو ما فكرت فيه قبل سنوات، حيث استقدمت شقيقتها الصغرى التي تلقت تدريبات مكثفة على يد أختها. تقول نعيمة ربوحات بهذا الصدد : لا يمكنني أن أبقى على رأس الشركة مدى الحياة، لا بد لي من ترك مكاني لشخص آخر يكون مؤهلا لأخذ مكاني، و لكي أنصرف لأمور أخرى أراها بذات القيمة و الأهمية في حياتي“
رغم ذلك فإن نعيمة تصر على أنها ستبقى وفية للشركة التي عملت بها لسنوات طويلة، من خلال المراقبة و الاستشارة, صحيح أن شقيقتها يمكن أن تحل محلها، لكن الخبرة التي راكمتها نعيمة طيلة السنوات الماضية لا بد و أن تبقى رهن إشارة الوافدة الجديدة التي ستحل محلها هذه السنة.
بالإضافة إلى الالتزام في العمل بالشركة و الذي امتد لما يناهز ثلاثين سنة تقريبا، راكمت خلالها نعيمة مجموعة من التجارب و الخبرات، إلا أنها لم تغفل أن تنخرط في العمل الاجتماعي، من خلال محاربة الهدر المدرسي في العالم القروي، فهي عضو نشيط في جمعية “الطريق إلى المدرسة” بمنطقة آسني الحوز، وكذلك جمعية “طفولة الأمل” للأطفال المتخلى عنهم، بالإضافة إلى انخراطها في الجمعية العامة للمقاولات بجهة مراكش آسفي و التي تعنى بشجيع المقاولات الشابة.