نساء الأطلس و المخاض القاتل في موسم الشتاء
أسية اسحارت
تتجرع نساء جبال الأطلس والمناطق النائية وجع الانتماء لجغرافيا تتسم بالقساوة و التهميش، كلما زار فصل الشتاء المملكة وغطت الثلوج المغرب العميق. يتعلق الأمر بنساء قررن الإنجاب رغم ظروفهن القاسية ، وإن كان الصقيع ضيفا غير رحيم بهن، فقد شدت الحاجة عظمهن فأمطرته بالمعاناة عوض العيش الكريم و الرفاهية. رغبتهن في بناء أسرة واجهها واقع مر، يصل أحيانا حد تهديد حياتهن، بسبب غياب الخدمات الصحية ، وقد تتحول صرخة مخاض إلى صرخة ألم، بعد فقدان زوجة بسبب غياب مركز للولادة ، بسبب البعد بمئات الكيلومترات عن أي مستشفى إقليمي ، و بسبب الطريق الوعرة في إدراك المرأة الحامل أي أقرب مركز استشفائي.
تتضاعف قسوة المناخ ويستمر التهديد في قتل فرحة الإنجاب بالمناطق الجبلية، ويا لسوء حظها تلك التي يباغتها المخاض في برد الشتاء ،حينها لا نقطة للرجوع من معركة الطبيعة، وما أقساها من معركة، حيث لا تجد هؤلاء النساء إلا حلا واحد هو الصمود و التشبث بالحياة،حين يفرد الموت أجنحته في موسم البرد على جبال الأطلس التي تطوقها الثلوج ، عندها يبتلع المناخ القاسي أنين الولادة حتى يخسرها فيالنهاية ويخطف روحا كانت تحلم بالعيش ومعانقة الحياة، ليعم السكون المخيف من جديد حتى يشارك العزلة عن العالم الخارجي، والتمتعبأبسط الحقوق في توفير سبل العلاج والوصول إلى المراكز للحصول على الرعاية المناسبة.
صرخات الأمهات تبلغ الرسالة، تنضاف إليها الأرقام المخيفة التي يكشف عنها واقع الحال، لأن لغة الأرقام لا تكذب علاوة على توقفالزمن، وإن اتخذت وزارة الصحة برنامجا لمعاينة ومتابعة النساء اللاتي هن على مشارف الوضع. العزلة تعيق نجاح برامج مكتوبة فقط ولا تجد لها مكانا على أرض الواقع، لتظل التدابير متواضعة والموت هو الرابح الأكبر من كل هذه الأزمة، كأن الفقر والإقصاء لا يشفعان حتىيكتمل مشهد المأساة ، في الوقت الذي تقاوم فيه ساكنة هذه المناطق ، وتحارب التهميش والعزلة بخلق وسائل بدائية، الغاية منها ربطالاتصال مع الحضارة وإنقاذ أم تريد أن تهب للمكان حياة جديدة.
تبتلع دواوير المغرب العميق صرخات النساء، إذ على هامش حكايات مؤسفة كتبها التاريخ ومازال قاسيا في حبك تفاصيلها من معاناة النساء، تعوّدن تحمل مشقات الحياة، الا أن الولادة تظل أقصى درجات الاحتضار المهدد لحياتهن، لاسيما وأن بعضهن على سبيل المثال، في دواوير نواحي إملشيل في الأطلس، يلجأن إلى اعتماد طرق بدائية في عملية الولادة، حيث تعلقن كل أملهن على “حبل“، لكنه قد يكون خلاصهن من مخاض طويل أو ربما الحبل الذي يخنق نفسهن الأخير ، يتم ربط الحبل في سقف إحدى الغرف، وإذا ما باغت المخاض الحامل تمسكت به ترجو النجاة، في ظل غياب مستشفى أو طبيب يقدم المساعدة، تقول إحدى النساء من تلك المناطق “نلد كالماعز” مشيرة إلى أن الطريقة ذاتها شهدت على ولادة خمسة أطفال ، وأنها كانت محظوظة لا غير لأن الكثيرات تمسكن بالحبل لكن الحياة رفضتهن.
قصص كثيرة ترويها الجبال، مثل سيدة لم يمنعها حملها في الشهر التاسع من جمع الحطب خارجا ومزاولة مهامها اليومية، إلى أن باغتها المخاض في الخلاء، وتمكنت من الولادة لوحدها مع رعاية ربانية حفظتها، في الوقت الذي تواجه أخريات مصيرا مفجعا حين تفشل الطرق البدائية في تسهيل عملية ولادتهن، وهنا يكون الحل المتوفر هو مسابقة الزمن، وحمل المرأة الحامل على “نعش” الميت ، ومواجهة وعورة الطريق وقسوة المناخ في موسم البرد، في مشهد سريالي محزن، حين يتم حمل روحين على النعش الذي من المفترض أنه مخصص للموتى لا الأحياء، كأن المرأة الحامل تحضُر جنازتها وتقدم الوداع الأخير لأهلها وللجبل.