نجية المختاري رئيسة شبكة القراءة بالمغرب: التكنولوجيا لا تعيق القراءة بل تحفز عليها إذا كان هناك وعي في التعاطي معها
مغربيات
منذ تأسيسها سنة 2013، و شبكة القراءة بالمغرب تسعى لأن تعيد للكتاب مكانته كأداة مهمة لاكتساب المعرفة. و قد أدت التقارير الصادمة عن بعض المؤسسات التي كشفت عن تدني مستوى القراءة في صفوف الشباب و الأطفال وكذا ظهور بعض الحركات الاجتماعية التي بدأت تشجع على القراءة و تدعو لها، إلى خلق مناخ عام أفرز هذه المبادرة التي تستحق التشجيع والتنويه..
عن شبكة القراءة في المغرب و أهدافها و كذا الجائزة الوطنية للقراءة التي كشفت عن الفائزات و الفائزين في دورتها الثامنة، قبل يومين، تحدثنا نجية المختاري رئيسة الشبكة..
مغربيات : بداية ماهي شبكة القراءة بالمغرب وما هو الهدف من إنشائها؟
شبكة القراءة بالمغرب هي جمعية مدنية وطنية مستقلة تأسست في دجنبر 2013. وهي واحدة من مبادرات عديدة جعلت من أهدافها النهوض بالمواطن بواسطة القراءة ونشر الوعي، بعدما خرجت للعيان إحصائيات صادمة حول تدني القراءة في البلدان العربية، وفي المغرب تقدمت بهذه الإحصائيات عدة جهات منها وزارة الثقافة (2001)، والمندوبية السامية للتخطيط سنة 2011، وجمعية جسور للتنمية الثقافية بالمغرب وإفريقيا (2016). وكلها تتفق على تدني نسب القراءة، وضعف عدد القراء، وضآلة الوقت المخصص للقراءة، وقد تعززت هذه الدينامية في القراءة مع أجواء الربيع العربي، وساهمت في انتشارها مواقع التواصل الاجتماعي وسط الشباب، وواكب هذه الدينامية دراسات ميدانية مثل : le livre à l’épreuve de Kenza Sefrioui collection Enquêtes, En toute lettres ،2017 وكل من هذه الحركات كسبت جمهورا لا يستهان به منها “الفلسفة فالزنقة“، “جيب كتابك وجيب اصحابك“، “نوض تقرا“، “كتابي كتابك“… ومن ثمة نشطت حركة القراءة والكتب في المقاهي وفي المخيمات، وفي الفضاءات العامة، وفي وسائل النقل العمومية، وأحيانا في مداخل العمارات. كما أن نوادي القراءة أصبحت تبحث لها عن موطئ قدم في الكليات والمعاهد متجاوزة التخصصات حتى الدقيقة منها ككليات العلوم والطب والصيدلة التي أصبح طلابها يقرأون الأدب والفلسفة والتاريخ والدين…
في هذه الأجواء تأسست شبكة القراءة بالمغرب، وساهمت في إغناء هذه الديناميكية بأفكار جديدة ورؤى تنويرية حداثية. ومما ساهم في تفعيل برامجها واستمراريتها في تصاعد تطوري هو تكتل روادها ومؤسسيها والمتعاطفين معها حول قيم الصداقة والمحبة والعلاقات الإنسانية وحسن التواصل والتفكير الإيجابي بصورة واعية، بحيث يتم شحن هذه القيم بالطاقة الإيجابية عن طريق التكوين والرحلة والمشي والتشارك في القراءات وتبادل الكتب واللقاءات المنتظمة. وكذلك الاشتغال في إطار قانوني، حيث تتوفر الشبكة تنظيميا، على هيكلة تتكون من المجلس الوطني، ومن المكتب الوطني ومن 10 فروع نشيطة على الصعيد الوطني. ومكونة من مجموعة من الأطر المتعددة التخصصات، تتقاطع اهتماماتها بين ما هو إداري تدبيري وما هو تربوي تعليمي، فضلا عن حضور العناصر الشابة إلى جانب الفئات العمرية ذات التجربة الواسعة في علاقة بمجال الاشتغال. كما أننا ننشط 100 ناد للقراءة على التراب الوطني، ونتوفر على تجربة في مجال تنظيم الأنشطة الهادفة إلى تنمية القراءة بالمؤسسات التعليمية.
وتستمد الشبكة قوتها بقناعة شركائها بما تقوم به من أعمال من شأنها التحسيس بأهمية القراءة والتحفيز عليها وترسيخها، وعلى رأس هؤلاء الشركاء وزارة الثقافة وأكاديميات التعليم ومديرياتها الإقليمية والمؤسسات التعليمية والمشرفين على النوادي القرائية، والرهان الأسمى هو توسيع قاعدة القراء.
ماهي رؤيتكم للقراءة داخل الشبكة؟
تصورنا للقراءة في الشبكة أنها مفهوم شمولي، وهذا التصور الشمولي ينعكس بشكل دقيق في كل برامجنا وأنشطتنا، فالقراءة تتم بكل اللغات بدون تحيز لأي منها، ومشاركات الجائزة الوطنية للقراءة ترد علينا بكل اللغات. والقراءة لا تحصر في تخصص بعينه، ففيها تمحى الحدود، لهذا تجد طالب علوم، طب أو هندسة أو إعلاميات يقرأ الأدب والفلسفة والتاريخ…. والقراءة لها امتدادات إلى ما يكمل الكتاب الورقي أو الرقمي من موسيقى ورسم ونحت وحكي. فالتنويع معيار مطلوب في تقويم القراءات، وبرنامج “رحلة وكتاب” يلبي خصوصية في التحفيز على القراءة أيضا بتنظيم رحلات ومشي ورياضة ولقاءات وتواصل مع كتاب من المنطقة التي نرحل إليها.
والقراءة قضايا محلية وكونية وتكوين مواقف وميولات وقيم إيجابية، القراءة تهذيب على مستوى السلوكات والعلاقات الإنسانية، واهتمام بقضايا المجتمع والعالم والقراءة حولها وإبداء الرأي فيها، وشعاراتنا تعكس ذلك: “القراءة قضيتنا“، “القراءة حق للجميع“. وبرنامج القراءة في المؤسسات التعليمية يواكب هذه القضايا بإحياء الأيام العالمية بواسطة برنامج قرائي مكثف ينسجم مع طبيعة هذا اليوم يستغرق بين أسبوع وشهر، مثل اليوم العالمي للمدرس، وتقرأ فيه على مدى أسبوع أو أكثر كتب وروايات ودراسات يكون فيها المدرس حاضرا بقوة، واليوم العالمي لحقوق الإنسان وتطرح فيه قائمة من الكتب والاتفاقيات للقراءة والكتابة ونشر قراءات على صفحة الشبكة، ونفس الأمر عن اليوم العالمي للنساء… أما اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف فإننا نعتبره حدثا يدخل ضمن اختصاصنا، ونعتبر شهر أبريل فرصة لتنظيم حملة واسعة النطاق على الصعيد الوطني، بإطلاق نداء تخصيص عشرين دقيقة للقراءة، وقد شارك في الحملة هذه السنة 220 مؤسسة من 90 مدينة في تلبية النداء الوطني للقراءة.
والقراءة أيضا تطوير هوية وتنميتها بالشكل الذي يجعلها تساهم في التفات القارئ إلى خصوصية بلده ومكوناته ورصد مستواه الثقافي، وتقدير كتابه ومبدعيه ومفكريه، وفي هذا الإطار جاءت مبادرة جائزة القراء الشباب للكتاب المغربي، وهي الآن في دورتها السابعة. ومن جهة ثانية تتيح هذه الجائزة فرصة ثمينة للشباب لكي يعبروا عن رأيهم ويقوموا أحدث الإنتاجات الأدبية والفكرية المغربية، انطلاقا من ذوقهم ومدى إعجابهم، وهذا قد يساهم في جعل الكتاب يكتبون للشباب. وقد التفتت الشبكة إلى بيداغوجية مهمة في التحفيز على القراءة والتشجيع عليها، وهي وضع القارئ في مركز الاهتمام إلى جانب الكتاب، وإيلائه العناية اللازمة لجذبه إلى متعة القراءة والاكتشاف والفضول المعرفي والثقافي، واحترام اختياراته وميوله ومسايرتها في الاتجاه الإيجابي.
يرى بعض المهتمين بوضعية القراءة في المغرب أن سبب تدني مستوى القراءة راجع إلى المغاربة أنفسهم الذين لا يقرؤون، فيما يرى آخرون أن الخلل في المقروء نفسه؟ كيف تفسرين هذا التدني في القراءة؟
العملية مترابطة ومتداخلة والدراسات الميدانية التي تبحث في مجال القراءة تعتمد مؤشرات متعددة بدءا بالأسرة والمستوى الاقتصادي والثقافي لأفرادها، والمدرسة والمكتبة المدرسية، ومحتويات الكتب المدرسية والمقررات الدراسية، إلى أماكن العيش والتنشيط الثقافي، ودور النشر والمكتبات العمومية والخاصة… وقد أنجزت دراسات غاية في الأهمية وصدرت تقارير تدق ناقوس الخطر حول تدني مستوى القراءة في المغرب، مثل تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره “النهوض بالقراءة ضرورة ملحة” (تقرير رقم 40/2019)، ويكفي أن إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، التي تشير الى أن أزيد من 97 في المائة من الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 7 و 14سنة لا يقرؤون، فهذا في حد ذاته رقم مهول ستنعكس تبعاته على مستوى التعليم، وعلى المستقبل ككل. وهناك دراسات تشخص بشكل أشمل واقع الثقافة المتردي مثل: الدراسة التي أشرفت عليها جمعية جذور “الممارسات الثقافية للمغاربة لعائشة نوري ومحمد السموني، (2016).
وبالرغم من البحوث التي أجريت في مجال القراءة والإحصائيات التي قدمت فهي تبقى في حدود التشخيص، وطبعا مع تثمين هذه الجهود وتقدير التوصيات التي خرجت بها، لكنها تفتقر إلى استراتيجية مجتمعية شاملة تعتبر القراءة فيها مدخلا نحو ولوج مجتمع المعرفة، ورافعة أساسية لتحقيق التنمية البشرية الشاملة. والقراءة جزء من مشروع مجتمعي يلزمه تصور وتخطيط استراتيجي ودراسات دورية منتظمة ترصد الواقع القرائي في البلد انطلاقا من معايير ومؤشرات شاملة، وعلى ضوء ذلك تخصص وتطور آليات تشتغل على استنبات القراءة بكل شروطها اللازمة لها، مع التقويم بكل أنواعه للفعل القرائي بشكل دوري لجس نبض المجتمع ومدى تفاعله مع مؤثرات القراءة. وطبعا فضخامة هذا المشروع لن يتأتى للمجتمع المدني أن يقوم به، ولا أي مجلس أو منظمة، إنما هو مشروع لا بد أن تضطلع به الدولة، علما أن الكل يبقى معنيا بتطوير القراءة إن على المستوى الفردي أو على مستوى الهيئات ومختلف الجهات الاجتماعية أو السياسية…
يثير محتوى العديد من المقررات الدراسية انتقادات واسعة بسبب بعض المضامين التي يرون أنها لا تستجيب للانتظارات في التحسين من جودة التعليم. هل يمكن أن يشكل ذلك سببا في عزوف التلاميذ على القراءة؟ إلى أي حد يمكن أن يلعب الكتاب المدرسي دور المحفز و المشجع على القراءة في صفوف التلاميذ؟
التعليم منظومة ذات مشاكل عديدة، لا يمكن معالجتها انطلاقا من مدخل أو اثنين. وإذا توقفنا فقط عند عنصر المقررات الدراسية والكتاب المدرسي، أي عند المحتوى التعليمي، ومدى مساهمته في الرفع من مستوى القراءة، حسب سؤالك: فأول ما يمكن قوله أن هذا المحتوى الذي تحتويه الكتب المدرسية، وبالخصوص في مواد الأدب والعلوم الإنسانية يخضع لما يسمى بالنقل الديداكتيكي، الذي يجعل المادة المعرفية قابلة للتدريس بما يسمح به المستوى العمري للمتعلم، ويتم هذا النقل بواسطة البتر أو التلخيص والتكثيف وأحيانا بالتصرف في النصوص الأصلية، مما يجعل الكتب المدرسية تقدم شذرات من المعرفة، قد لا تشجع على الاسترسال في القراءة، ولا تثير الفضول في اكتشاف أصول المعرفة وتفاصيلها ومتعها، كما أن الكتب المدرسية والمقررات عموما لها ارتباط مباشر بالواجب وإكراهات الامتحانات والتقويم، لهذا إذا كانت هناك استراتيجية تعليمية للقراءة لا أعتقد أن الكتب المدرسية بشكلها الحالي في المدرسة المغربية والوظائف المنتظرة منها تعد هي المدخل المناسب للتحفيز على القراءة. والبديل الذي يعول عليه للتحفيز على القراءة هو فضاء المكتبة المدرسية، المجهز بالكتب المحينة والإصدارات الحديثة الملائمة للأسلاك التعليمية ومستوى العمر للمتعلمين، والمدعم بالوسائل الرقمية، والمؤهل لاحتضان أنشطة ثقافية متنوعة مكملة للكتاب، هذا إلى جانب تخصيص جدولة زمنية مقررة للقراءة يتكلف بها قيمون مختصون ومؤطرون رسميون يتبنون رؤية استراتيجية حداثية للقراءة. وشبكة القراءة ترافع بشدة على هذا البديل الطموح، وسبق لها أن تقدمت بعريضة للوزير لأول تطالب فيها بفتح المكتبات المدرسية، وذلك بتاريخ 20 أبريل 2015 https://secure.avaaz.org/…/ryys_lHkwm_lmGrby_ftH…/. وهي على أهبة التوجه برسالة مفتوحة إلى وزير التربية والتعليم الأولي والرياضة في نفس الموضوع.
أغلب الأطفال أصبحوا اليوم يقبلون بنهم على اللوحات الإلكترونية و الهواتف الذكية كأدوات للمعرفة و الانفتاح على عوالم أخرى، كيف يمكن تشجيعهم وتحفيزهم على القراءة في ظل هذا الواقع الذي يفرض نفسه اليوم؟
لا يمكن إيقاف المد التكنولوجي الرقمي وأجهزته الذكية المغرية، ومع ذلك يمكن أن يتدخل التأطير في توجيه التعاطي مع هذه التكنولوجيا، وتعلم كيفية ولوج مواقع المعرفة، والشبكة على سبيل المثال تشتغل حاليا مع منظمة ويكيميديا التي دعمت مشروعا مهما يؤطر أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي لقراءة ويكيبيديا في القسم. كما يمكن إحالة المتعلمين على المواقع الجادة ذات البعد الثقافي والقرائي، والكتاب الإلكتروني قد سهل ترويج الكتب وتبادلها مع القراء، بل يسرت التكنولوجيا الحديثة التواصل مع القراء والقيام بحملات تحسيسية، ولقاء القراء المشاركين في الجائزة الوطنية للقراءة وجائزة الشباب عن بعد، وتنظيم تكوينات تدور حول الكتاب والقراءة… ففي نظري التكنولوجيا لا تعيق القراءة بل تحفز عليها إذا كان هناك وعي أسري ومدرسي وجمعوي في التعاطي معها…
ما الذي تحقق من خلال إنشاء شبكة القراءة بالمغرب؟
نحن نستهدف أعدادا كبيرة من الأطفال والشباب للتشجيع على القراءة عبر برامج جادة ومستمرة، مثل الجائزة الوطنية للقراءة، وهي الآن في دورتها الثامنة، بدأت منذ 2015 وهي مستمرة إلى الآن، وبرنامج جائزة القراء الشباب للكتاب المغربي، وقد بلغت دورتها السابعة، ويشارك فيها شباب متمرس على القراءة من سن 16 سنة إلى 26 سنة، وبرنامج المخيمات الصيفية، ويستهدف الأطفال، وبرنامج القراءة في المؤسسات التعلمية، بالإضافة إلى ما يربو عن 100 ناد للقراءة موزعين على مؤسسات على الصعيد الوطني… ومع ذلك نحن لا ندعي أننا نستوفي حاجيات كل الأطفال والشباب وعامة المواطنين للقراءة، فنحن نشتغل حسب إمكانياتنا المتواضعة بدعم من وزارة الثقافة والشباب والرياضة، ومهمتنا هي التحسيس بأهمية القراءة وجدواها في تحقيق التنمية وولوج عالم المعرفة. ونحن نطمح إلى أن تصبح القراءة جزءا من مشروع مجتمعي تتولاه الدولة وتعمل على تنزيله إلى الواقع بكل مستلزماته.