كوثر.. امرأة من الجديدة ينوء ظهرها بحمل “الربيعة”

مغربيات
منذ كان عمرها 12 سنة، اعتادت “كوثر“ على مرافقة والدتها في رحلة يومية شاقة لجمع الطحالب “ الربيعة“ من البحر بمدينة الجديدة. كل صباح تقتحمان سكون الأزرق بعد أن تبدأ خيوط الفجر بالانسحاب، فاسحة المكان، لبعض الضوء الذي يتسلل معلنا عن يوم جديد من العمل الشاق لجمع “الربيعة“، و تباشير ضمان لقمة عيش بسيطة.
“مغربيات“ تواصلت مع “كوثر 25 سنة” من الجديدة التي تحدثت عن هذا النشاط الذي تزاوله في مواسم الصيف، و الذي يدر دخلا للعديد من النساء يساعدهن على توفير لقمة العيش.
كوثر ليست وحدها من تزاول هذا النشاط المدر للدخل رغم محدوديته، هن نساء كثيرات لم يجدن ما يسد الرمق ، غير التوجه للبحر لجمع الطحالب “الربيعة“، و وضعها في أكياس وحملها لبيعها بثمن زهيد.
تقول كوثر ل“مغربيات“ : منذ سن 12 سنة اعتدت أن أرافق والدتي في رحلة يومية لجمع “الربيعة“ وبيعها لسيدة تملك مخزنا لتجميع الطحالب التي تبيعها بدورها لشركات متخصصة في تصنيع :”الربيعة“. تزن صاحبة المخزن الشحنة التي نحملها في أكياس على ظهورنا، بثمن يصل ل10 دراهم للكيلوغرام الواحد. ثم تضيف : أحيانا ورغم صعوبة نقلها إلى غاية الزبونة التي تشتريها، نكون محظوظات بأن نزن الشحنة قبل أن تجف، لأن الماء يزيد من ارتفاع وزنها، لكننا نبيعها فقط ب4 دراهم للكيلوغرام الواحد..ما يتطلب أن أحمل 40 كيلوغرام أحيانا أو مايزيد لمسافة بعيدة عن الشاطئ.
عمل موسمي
بالنسبة لكوثر التي لا تجيد الغطس، فهي تكتفي بجمع الطحالب بالقرب من الشاطئ، فيما تلج بعض النسوة عرض البحر وهن متزودات بملابس الغطس و أنبوب يساعدهن على التنفس تحت الماء، لجمع أكبر قدر من “الربيعة“ وبيعها بأثمنة قد تصل ل300 درهم في اليومالواحد، وهو مبلغ لا بأس به، تقول كوثر، لكن هذا النشاط للأسف لا يكون إلا خلال موسم الصيف، حيث تصبح “الربيعة” متوفرة، فيما تكتفي العاملات خلال فصل الشتاء بجمع أشواك البحر التي يقمن بإزالة بيض الأسماك منها قبل عرضها للبيع.
يبدأ موسم جمع الطحالب مع ارتفاع المد خلال أواخر الشهر و التي تمتد من أربعة أيام إلى خمسة، فيما باقي الأوقات، لا تجني كوثر أكثر من 100 درهم أو يزيد قليلا.
منذ 13 سنة و كوثر تزاول هذا النشاط الذي لا تجد غيره بعد أن ضاقت بها سبل الحياة وسدت في وجهها فرص الشغل، هي التي غادرت فصول الدراسة بشكل مبكر، وتزوجت و رزقت بطفلين (4ـ 6 سنوات). تؤكد في تصريحها ل“مغربيات“ أن هناك نساء قضين أزيد من عشرين سنة في جمع طحالب البحر “الربيعة“، حتى بات مصدر رقهن الوحيد. كما أنها لا ترغب في أن تلقى ابنتها نفس المصير كما وقعمعها، بل تريد لها أن تتعلم لأنها تؤمن بأن التعليم هو السلاح الوحيد لمواجهة حياة متعبة و لا تخلو من صعوبات كثيرة.
تقول : هناك العديد من النسوة النشيطات في هذا المجال من يصطحبن معهن أطفالهن الصغار ويتركنهم ينتظرنهن عند الشاطئ، للدخول إلى البحر وجمع الطحالب, بالنسبة لي إذا لم أجد أحدا لرعاية طفلَي فإنني أمكث ببيتي دون عمل.
استنزاف للثروة البحرية
رغم التحذيرات التي أطلقتها العديد من الجهات من حماة البيئة و من معهد الدراسات البحرية، عن استنزاف الثروة النباتية بالجديدة و التي تلعب دورا في الحفاظ على توازن حياة الكائنات البحرية، كما أنها تفقد الدولة مداخيل مهمة من بيع هذه الثروة التي تقدر بملايين الدراهم للشركات المعنية، إلا أن هؤلاء النسوة لا يعرفن مصدرا آخر للعيش غير جمع الطحالب التي توفر لقمة عيش، رغم بساطتها، لكنها توفر مناصب شغل لعدد غير يسير من النساء و الرجال على حد سواء من إقليم الجديدة، حيث تنتشر هذه النباتات بشكل وافر بالشريط البحري الذي يمتد من الجديدة إلى منطقة سيدي بوزيد.
وتستعمل هذه الطحالب في الصناعات الغذائية وغيرها من الصناعات من خلال تصنيع مكملات غذائية، حيث تتوفر على مادة الجيلاتين النباتية، و كذا في صناعة الأدوية و مستحضرات التجميل، إذ رغم أن النساء يبعنها بأثمنة زهيدة، لكنها تضخ مبالغ مهمة على أصحاب هذه المشاريع الصناعية.
بالنسبة للرجال الذين يزاولون هذا النشاط فهم أوفر حظا من النساء لكونهم يدخلون عرض البحر بالقوارب التي لا تجرؤ النساء على استعمالها، رغم أن بعضهن يغطسن داخل البحر لجمع أكبر كمية من هذه الطحالب و بيعها لتجار يقومون بدورهم ببيعها.
صعوبات كثيرة
تواجه النساء اللواتي يعملن غفي جمع الطحالب الكثير من الصعوبات، أكثرها حدة هو البرد الذي يتحملنهن وهن يقضين ساعات طويلة تحت الماء قد تصل لست ساعات لجمع أكبر قدر ممكن من “الربيعة“، و تكبد مشقة حمل الأكياس فيما بعد الى غاية الشط، ثم في اتجاه المخازن التي تقوم بتجمع هذه المادة و بيعها للشركات المصنعة أو تصدريها.
بالنسبة لكوثر، فهي تؤكد أن والدتها أصابها العياء و لم تعد تقوى على مزاولة هذا النشاط الذي قضت فيه سنوات طويلة، بعد أن أصيبت بمرض و لم تعد ركبتاها تسعفانها للتنقل.
تقول كوثر : هناك نساء يبلغن من العمر ستين سنة و ما فوق ومع ذلك لازلن يمارسن هذا النشاط، لأنهن يعشن بدون معيل ، رغم الصعوبات التي يجدنها إلا أنهن يتكبدن العناء من أجل توفير دراهم قليلة يوميا قد تسد رمقهن.