فاطمة أماسين.. سيدة الفضة و راعية الثقافة بتزنيت
عبد الغني بلوط
تزنيت – بوجه بشوش تستقبل السيدة فاطمة أماسين زوارها بكثير من عفوية أهل الجنوب وكرمهم بورشتها بمدينة تزنيت، تلقي في قلوب البنات الصغار كلمات تذهب عنهن بعض الخوف من تجربة جديدة تطبع مسار حياتهم، وبحركة سريعة لكن متزنة تكون قد أتمت مهمتها على وقع زغاريد الأمهات.
تودع السيدة السبعينية طفلة بالتمر والحليب، أو قطعة من الحلوى، عربونا على نسج علاقة ود دائمة، وتيمنا بهذه المناسبة السعيدة.
تقول للجريدة والابتسامة لا تفارق محياها ” ما يسعدني كثيرا، هو زيارة بعض البنات، لورشتي بعد مرور سنوات على عملية “ثقب الأذنين”، يعبرن بكثير من الحب والسعادة عن شعورهن الجميل تجاه ما قمت به بالرغم من أنه يبدو لي أمرا يسيرا”.
عروس صغيرة
يعتبر “ثقب الأذنين” من العادات الحميدة التي دأبت عليها العائلات الصغيرة، منهم من يجعلها مناسبة للاحتفال، حيث تضع البنت الصغيرة الحناء على يديها وتتزين بملابس تقليدية تشبه ملابس العروس في ليلة عرسها.
هي عادة اجتماعية، كانت تحمل في طياتها ومازالت رمزية عميقة تعكس الهوية الثقافية للمجتمع، فبالإضافة إلى كونها احتفالاً بالجمال والأنوثة، ترتبط هذه العادة بتقاليد دينية واجتماعية راسخة.
يقول الباحث عبد الكريم الشعوري للجريدة ” إنه احتفال شعبي بالأنوثة ومكانتها في المجتمع المغربي وحين تصبح البنت قد وصلت الى سن السابعة، هي بمثابة انتقال الى عالم الكبيرات دون التخلي عن بهجة الطفولة، تدبر الأمهات هذا الانتقال بكثير من الحب والاتزان والهدوء.
ويضيف “هي مرآة تعكس تفاعل الثقافة والتاريخ مع الحاضر، فهي تذكرنا بأصولنا وتراثنا، وفي الوقت نفسه تدعونا إلى التفكير في كيفية الحفاظ على هويتنا الثقافية”.
نوستالجيا
تتذكر السيدة فاطمة، بحنين بالغ، أيام طفولتها وشبابها حين كانت تشهد عملية ثقب أذني الفتيات الصغيرات، كانت تلك لحظات احتفالية بامتياز، تجمع العائلة والأقارب في أجواء من الفرح والبهجة.
تذكر كيف كانت تحرص على استخدام إبرة معقمة من الفضة الخالصة لإتمام هذه العملية، معتقدةً في قدرات الفضة على الشفاء وحماية الفتاة من العين والحسد.
ما زال بكاء الفتيات الصغيرات قبل العملية، وضحكاتهن وزغاريد الأمهات بعدها، ترن في أذنها. تروي كيف كانت تجلس إليهن، تحاول تهدئتهن وتشجيعهن، تلك لحظات لا تنسى، وجزء لا يتجزأ من ذاكرتها.
هو نفس التشجيع يلازم كل “ثقب أذنين”، بالرغم من أن العملية أصبحت الآن أسهل وأكثر أمانًا بفضل “المسدس” (آلة تشبه المسدس يتم من خلالها الضغط على الزناد لإدخال الحلق في الأذن دون إحداث أية جروح”.
الفضة رمز القوة و النقاء
“للفضة في قلب فاطمة، ومثلما في قلوب الكثير من نساء الجنوب المغربي، مكانة خاصة تتجاوز كونها مجرد مادة لصناعة الحلي، فهي لا تقتصر على الأقراط والخواتم والأساور فحسب، بل تتعداها لتشمل صناعة الأسلحة كالخناجر والبنادق، وتزيين سروج الخيول، مما يعكس ارتباطها الوثيق بالشجاعة والعزة والنخوة في ثقافة الجنوب المغربي.
ويؤكد الباحث الشعوري أن الارتباط الوثيق بين الفضة والشجاعة في الجنوب المغربي يعود إلى قسوة الحياة في تلك المناطق، حيث كانت الفضة ترمز إلى القوة والنقاء، والتي يحتاجها أهلها لمواجهة تحديات البيئة القاسية.
ويشير إلى أن الفضة أقل كلفة، جعلها في متناول شرائح واسعة من المجتمع، مما ساهم في انتشارها وارتباطها بالهوية الحضارية للجنوب، وتيسير الحصول عليها لوجود عروق ومناجم بالمنطقة.
ويضيف أن أن تنوع الحلي الفضية من قبيلة إلى أخرى يعكس ثراء التراث المغربي وتنوعه، حيث كانت كل قبيلة تضيف لمستها الخاصة لهذه الحلي، مما جعلها رمزاً للهوية القبلية.
تعاونية للتمكين الاقتصادي للنساء
فاطمة، تلك الحرفية الماهرة ورئيسة تعاونية “تنضافت” النسائية في قريتها المعذر الكبير، تفتخر بمشاركتها في معرض تيميزار للفضة للمرة السابعة.
هي تحضر بكل حماس لتقديم أحدث إبداعات نساء وفتيات التعاونية الشغوفات بهذه المهنة. ولم تكتف فاطمة بنقل خبرتها إلى زميلاتها، بل سعت إلى إنشاء تعاونية نسائية، لتكون بذلك قدوة وملهمة لكثير من الفتيات.
تذكر فاطمة جيداً الصعوبات التي واجهتها في بداية المشروع، وكيف تمكنت من تخطيها بعزيمة وإصرار، ولا يقتصر دور فاطمة على التدريب والإنتاج، بل تتعداه إلى نشر ثقافة الحفاظ على البيئة واستخدام المواد الطبيعية في صناعة الفضة، لتكون منتجاتهن صديقة للبيئة، كما تشرح بكل فخر أسرار هذه الحرفة التي ورثتها عن جداتها.
تمثل فاطمة لكل من يعرفها رمزا حيا للتراث والحرفية الأصيلة، فهي تسعى جاهدة للحفاظ على الأصالة والفنية العالية التي تشتهر بها المنطقة، وتعمل على تعزيز الاقتصاد المحلي، وتفتح الباب للفتيات لولوج مهنة جديدة، تسهل تمكينهن اقتصاديا، وتحسن من مستوى معيشتهن وعائلاتهن.