الدكتور أيت يحيا : ضعف التواصل مع المواطنين و غياب المعلومة ساعد على انتشار الشائعات حول اللقاح (2/2)

مغربيات

يعتبر الدكتور عبد الرحمان أيت يحيا الأخصائي النفساني بالمركز الاستشفائي محمد السادس بمراكش أن سوء التدبير الذي عرفته عملية التلقيح، و ما صاحبها من ضعف في التواصل وشح في المعلومة، بالإضافة إلى بعض ذوي النزعة التمردية من مسؤولين سياسيين وغيرهم، من الذين امتنعوا عن أخذ اللقاح و عمدوا إلى إثارة الجدال حوله، كل ذلك ‬خلق نوعا من الخوف و الهلع لدى المواطنين.  هذه محاور من ضمن أخرى طرحتها ‫“‬مغربيات‫على‬ الدكتور عبد الرحمان أيت يحيا في الحوار التالي‫..‬

مغربيات ‫:‬ نفس الدراسة التي نشرت خلال أكتوبر الماضي حول ارتفاع نسبة الاكتئاب سنة 2020، أوضحت كذلك أن النساء كن أكثر تضررا من الرجال، ونفس الشيء بالنسبة للمؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية التي أثبتت أن النساء هن الأكثر تأثرا بالجائحة. ما هي الأسباب في نظركم؟

إذا كنا هنا سنتحدث عن الخصائص المرتبطة بالمرأة كنوع، فذلك سيحتاج منا لدراسة تعتمد على معطيات دقيقة وواضحة، أما إذا

كنا سنتناولها كفئة اجتماعية لها ما لها و عليها ما عليها، و بالنظر لتأثير الجائحة على سوق الشغل وعلى تقليص فرص العمل بشكل عام فأكيد سيسري عليها ما يسري على كل فئات المجتع التي تجرعت مرارة تبعات الجائحة‫.‬ أما إذا نظرنا للمسألة من زاوية أخرى، تخص مثلا العنف الممارس ضد النساء، فسنجد أن نسبته زادت مع ظروف الجائحة خاصة أثناء الحجر الصحي، وشهدت هذه الفترة ظهور أشكال أخرى من العنف مثل التحرش الافتراضي أو ما يصطلح عليه بالتحرش الرقمي، وكل ما يصحبه من ابتزاز ، بالإضافة إلى العنف الممارس ضدهن بسبب مكوث الذكور داخل البيوت، الشيء الذي أسفر عنه وقوع حالات طلاق وتفكك أسري، ثم البقاء لوقت طويل داخل البيوت، حيث كن مضطرات للمكوث داخل بيوت ضيقة مع عدة أفراد بالنسبة للأسر التي تعاني من الهشاشة‫، كالقاطنين في السكن العشوائي. ثم هناك عامل آخر مهم وهو حرمان النساء من الولوج إلى خدمات تخصهن كنساء، مثل صالونات الحلاقة و الحمامات الشعبية و القيام بالتسوق، كلها فضاءات كانت تخلق متنفسا للنساء ليجدن أنفسهن محرومات منه خلال فترة الحجر الصحي.‬

كل الجمعيات المناهضة للعنف ضد النساء أكدت أن حالات العنف الموجه ضد النساء ازدادت حدتها مع فترة الحجر الصحي بنسب ملفتة ببلادنا. كيف تفسرون هذا الأمر؟

نعم أكيد وقد كانت لي فرصة الاطلاع على ما سجله مركز الاستماع التابع لإحدى الجمعيات بمراكش، حيث تم تسجيل حالات عنف خطيرة ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي ، كما تم تسجيل حالات كذلك لممارسة الجنس بين الأقارب، وهي ظاهرة أرى أنها تستحق أن يسلط عليها الضوء لأنها ظاهرة خطيرة، لكن شرط أن يتم تناولها بمقاربة بعيدة عن إثارة الهلع و الخوف داخل المجتمع، قصد خلق الإثارة المجانية‫.‬ حيث الملاحظ أنه ما أن ينشر الخبر حتى نسمع عبارات من قبيل ‫“‬قرب الساعة‫مثلا، يجب أن نعلم أن الأمر يتعلق بظواهر اجتماعية موجودة في كل المجتمعات ومنذ القدم . الفرق هو وجود وسائل إعلام اليوم أصبحت تسلط عليها الضوء.‬

هناك العديد من الأشخاص أبدوا تخوفهم من اللقاحات والتي يرى فيها الخبراء الوسيلة الوحيدة للنجاة من مخالب الفيروس، لكن مع ذلك هناك قلق من طبيعة اللقاح و آثاره على الصحة؟ ما هي الآثار النفسية التي يخلفها هذا القلق الذي نلمسه في كل ما يحيط بالجائحة؟

حسب تفكيكي لهذا الخوف من اللقاح، تبين لي أن هناك أولا غموض يلف الفيروس نفسه، حيث يسود الاعتقاد لدى البعض أن هذا الفيروس ربما من صنع مخابرات عالمية، ثم هل جاءنا من الصين أم من مكان آخر؟ هل ينتشر في الهواء‫…‬ إذن نحن أمام مجموعة من التساؤلات التي تبرز مدى الغموض السائد لدى المواطنين‫.‬ الملاحظ كذلك هو أن أكثر ما أثار الخوف لدى الناس هو الآثار الجانبية للقاح، سيما مع انتشار بعض الفيديوهات و التصريحات حول حدوث مضاعفات لأشخاص تلقوا جرعات من اللقاح، و الحقيقة أنني هنا أحمل المسؤولية للمشرفين على عملية اللقاح الذين أبدوا ضعفا ملحوظا في التواصل و شحا في إعطاء المعلومة الصحيحة، و كذلك غياب التأطير الجيد الذي كان يفترض ان يواكب حملة التلقيح لكي يرفع هذا اللبس والغموض اللذين يحيطان به، دون أن نغفل كذلك موقف بعض المسؤولين السياسيين و من المحسوبين على الهيئة الجامعية الذين امتنعوا عن أخذ اللقاح، وهو ما خلق قناعة شبه يقينية لدى البعض بأن له آثار جانبية خطيرة على الصحة‫.‬

الملاحظ دكتور أنه في جميع الحالات التي سجلت فيها مضاعفات وتم بشأنها فتح تحقيقات، لكن لم يعرف مآل هذه التحقيقات، وهو ما زاد من الغموض لدى البعض‫..‬

نعم كما أشرت سابقا إن ذلك ناتج عن ضعف إعلامي و تواصلي فادح لدى المشرفين على عملية التلقيح‫.‬ وهو ما يعطي فرصة لانتشار الشائعات حوله‫.‬ يجب أن نعلم أن موت شخص ضمن ألف آخرين يبقى احتمالا متوقعا، موت شخص ضمن 10 آلاف يسمى على 10000، هي ظاهرة معتادة في التلقيحات تماما كما هو الشأن بالنسبة للأدوية‫.‬ التلقيح مثلا ضد السل يقتل 5 أشخاص ضمن ألف آخرين‫.‬مرض التهاب الكبد الفيروسي ‫(‬س‫)‬ مثلا فإن 5 ضمن ألف يموتون‫.‬ متى نتحدث عن وفيات مثيرة للقلق عندما يتعلق الأمر بعشرين شخصا أو ثلاثين مثلا‫.‬ ما عدا ذلك تبقى المسألة عادية جدا طالما هي حالات قليلة و معزولة‫.‬ أما الحديث عن نوعية اللقاح وما إذا كانت له مضاعفات أم لا عكس لقاح آخر، فتلك تبقى ‫“‬حروب‫“‬ بين شركات لا تستند على معطيات علمية دقيقة‫.‬ و بالنسبة لمسألة تخثر الدم التي قيل إنها من مضاعفات اللقاح، فيعتبر سببا للوفاة حتى بمعزل عن اللقاحات نفسها و بنفس المعدل الذي سجل مع اللقاح‫.‬ تبقى الإحصائيات العلمية لانتشار المرض و تأثير اللقاح هي الكفيلة بأن توضح هذا اللبس الحاصل، في غياب شح في المعلومة و التواصل، حيث يفترض أن تكون هناك لجن جهوية للتواصل الدائم مع المواطنين، تعتمد على لغة بسيطة وواضحة، وتعطي إجابات شافية للتساؤلات المتناسلة ، وكل من سجل عرضا من الأعراض عليه أن يتوجه لمركز التلقيح ويصرح بذلك، لأن هناك لجنة داخل كل مركز تستقبل المواطنين وتسجل الأعراض التي تظهر عليهم‫.‬ صحيح أن اللقاح تم ابتكاره بسرعة و بالتالي فهو لن يستجيب للشروط العلمية ليس في حدوث المضاعفات و إنما في الفعالية، و أؤكد أنه إذا كان هناك من تقصير في اللقاح فهو يخص ضعف نسبة التأكد من الفعالية، أما مضاعفاته فلا يمكن أن تكون إلا بالشكل الذي يحدث مع باقي الأدوية و اللقاحات‫.‬ إذن هناك سوء التدبير في عملية اللقاح وما صاحبها من ضعف في التواصل، ثم هناك بعض المتمردين من مسؤولين سياسيين وغيرهم، من الذين عمدوا إلى إثارة الجدال حول اللقاح و استمتعوا بهذا الأمر، علما أن من بينهم أشخاص لهم كفاءة علمية‫.‬ لدرجة أنه عندما يطرح عليهم السؤال حول سبب امتناعهم عن تلقي اللقاح يجيبون بنفس الطريقة التي يجيب بها شخص ليست له دراية بالمجال العلمي‫.‬ إذن كان الأحرى بهم أن يعطونا شرحا علميا دقيقا حول مخاطر التلقيح ‫و أن يكشفوا لنا عن الثغرات العلمية في الدراسة الإبيديمولوجية‬ ‫(‬علم الأوبئة‫)‬ بدل إطلاق الكلام على عواهنه بعيدا عن العلم‫ .‬ كل من يشتغل في هذا المجال يعلم جيدا أن النقد العلمي الوحيد الموجه للقاح هو إثبات مدى فعاليته فقط‫.‬ أنا شخصيا ما لا أستسيغه هو ترديد أطر علميه جامعية لمثل هذه الشائعات من قبيل اللقاح تم ابتكاره لتغيير المورثات الجينية لدى الإنسان و غيرها من الأفكار و المعتقدات الغريبة و الخاطئة‫.‬ هناك فكرة أخيرة أود التطرق إليها وهي أن التلقيح هو فرصة لاختبار مناعتنا، إذا أجرينا التلقيح ولم تحدث أية مضاعفات علينا أن نعلم أن مناعتنا في مستوى جيد‫.‬

كيف يمكن التعايش مع الجائحة في ظل الظروف الحالية، علما أننا لا نعرف مآل هذا الوباء و لا متى ينتهي؟

يجب أن نعرف أن الجائحة خلقت رؤية مختلفة و فلسفة جديدة للحياة بشكل عام‫.‬ إذا نظرنا للجائحة بشكل مختلف سيجعلنا نقف على الثمار التي يمكن جنيها من شجرة كوفيد ـ19، وهي متعددة‫.‬ أول هاته الثمار هو مسافة الأمان، مفهوم نحن في أمس الحاجة له و اتباعه في حياتنا الشخصية، لأن الاقتراب أو الابتعاد عن الناس من شأنه أن يجلب لنا إما السعادة أو الحزن‫.‬ إذن نحن دائما في حاجة للحفاظ على مسافة الأمان مع أشخاص، تربطنا معهم إما مشاريع مهنية أو مشاريع خاصة ‫(‬زواج‫,‬ صداقة‫..).‬ الثمرة الثانية هي نظافة اليدين، وهنا بمفهومها الرمزي، أي عدم السطو على ما ليس من حقك، و في ثقافتنا الإسلامية ‫“‬الرزق الحلال‫“.‬ الثمرة الثالثة من شجرة كوفيد تخص المرئي و غير المرئي، أي ليس كل الأعداء الذين نراهم هم أعداؤنا الحقيقين‫.‬ هناك أعداء غير مرئيين‫.‬ من خلال حدسنا يكون لنا توقع بحدوث أشياء لانراها ، ثم الثمرة الرابعة وهي الحرية، فالأشياء التي كانت فاقدة للمعنى و القيمة أصبحت ذات قيمة اليوم‫.‬ ثم هناك ثمرة ‫“‬الجلوس مع الذات‫“‬، وقد كانت لي فرصة اللقاء بأحد المعتقلين في أحداث 16 ماي قضى ثلاث أو أربع سنوات من السجن الانفرادي و وجدت أن جهازه النفسي كان في غاية الجودة بغض النظر عن التبعات النفسية التي لحقته جراء السجن و الأحداث التي سجن بسببها‫.‬ أكيد أن الجائحة ستمر و تنتهي، لكن الأكيد هو التراكم الذي ستتركه عبر ترسيخ مفاهيم و تمثلات و ثقافة جديدة‫.‬

About Post Author