شهادات مؤثرة بحق الشاعرة مالكة العاصمي في ندوة فكرية بمناسبة تكريمها بمراكش

مغربيات

قالت الشاعرة و القاصة دامي عمر إن التجربة الإبداعية للشاعرة مالكة العاصمي شكلت جزءا من التاريخ الثقافي و السياسي و الاجتماعي ليس لمراكش فقط و إنما للمغرب بأكمله.

و أعربت الشاعرة عن اعتزازها لكونها كانت طالبة لأستاذة استثنائية هي مالكة العاصمي، خلال الندوة الفكرية التي نظمتها جمعية ابن يوسف للثقافة و التنمية و التضامن بتعاون مع مؤسسة آفاق للدراسات و النشر و الاتصال، مساء أمس الجمعة بمراكش، واصفة إياها بصاحبة الصوامع و الأمكنة و الأزمنة، و التحديات و السباقات الطويلة و ابنة القمم الشامخة.

و أضافت أنها تعرفت على الشاعرة في رحاب كلية الآداب و العلوم الإنسانية سنة 1980، وهي تنصت لصوتها الشاعري المتموج كسنابل الحقول الموشى بحلية الراء المكسرة من حياة الصلابة أمام قوة العلم، مؤكدة أن هذه المعلمة علمتها أن التأنيث قوة مضاعفة في مجتمع الذكورة الضعيفة، و أن الصرامة شرط التقدم و أن العدالة أكبر من المساواة

و أكدت الشاعرة أنها تركت نفسها مالكة العاصمي كما الطالب الشغوف يترك نفسه لأستاذه الألمعي، فكان لها منها حصاد وفير.

واستحضرت الشاعرة محطات مهمة من التجربة الفكرية و الشعرية للمالكة العاصمي، واصفة إياها بكونها لم تحصر السؤال في شرنقة الذات، بل سمت به إلى قوالب فكرية و فلسفية واسعة غايتها الكبرى و مطمحها الأسمى تحديث المجتمع و تمكين أفراده من المشاركة في دينامية عامة بكل حرية و مسؤولية، مبرزة أنه من هنا جاء اهتمام مالكة العاصمي بالمرأة بعيدا عن الجندرة الشوفينية المغلقة، حيث ما كان يشغلها هو تطور المجتمع وفق رؤية تحررية تقدمية نحتت من الفكر الرصين ممن سبقها من رجالات الوطن، و منهم والدها المناضل أحمد بلحسن العاصمي الذي جمع علما وافرا بين الفلك و الرياضيات وقدرة كبيرة على تحويل الفكرة إلى عمل من خلال مسار نضالي حافل.

من جهتها ذكرت فوزية رفيق الحيضوري الشاعرة و الناشطة الحقوقية أنها اليوم في حضرة قامة فكرية سامقة، ستحاول النبش في ذاكرة نساء اجتمعن في امرأة، أو بلغة أخرى امرأة اجتمعت فيها العديد من النساء. امرأة تلتحف الصمت حين يكون حكمة و تكسره حين يكون نقمة.

و أكدت أن مالكة العاصمي هي صوت أنثوي متمرد ينتزع حقه انتزاعا مهما كان الثمن، كما أنها أتقنت التحليق في عالم الفكر و السياسة و الإبداع، أعادت تشكيله و نحته وفق رؤية ذكية استطاعت أن تستشرف المستقبل و الممكن دون أن تحيد عن قناعات راسخة لم يغيرها الزمن.

أما زهراء ناجية الزهراوي عضو المجلس العلمي الأعلى فتحدثت في مداخلتها عن مشروع التحديث الإصلاحي عند الفقيه محمد بلحسن الحجوي الثعالبي : تعليم الفتاة نموذجا، نظرا لارتباط الموضوع بمسار الشاعرة مالكة العاصمي، حيث شكل تعليم الفتاة واحدة من أهم القضايا التي شغلت العاصمي على مدى عقود، هي التي نشأت في بيت كان من أولى اهتماماته هو الدفع بالمرأة إلى الانخراط في ركب الحضارة و مجال التنمية، وقد كان والدها هو مؤسس مدرسة الفضيلة للبنات في وقت كان المستعمر فيه قد أنشأن مدارس للبنات لكن يسودها النظام الطبقي في سائر المؤسسات التي أنشأها، مدارس للأعيان، مدارس إسلامية، مدارس صناعية و مدارس فلاحية و مدارس بربرية..هذا النظام الذي كان فيه تقسيم طبقي لأبناء المجتمع وفيه تكوين ليد عاملة في مجالات مختلفة، مبرزة الدور الذي لعبه الوطنيون في إنشاء مدارس حرة، حيث كانت مدرسة الفضيلة للبنات التي أنشأها أحمد بلحسن العاصمي سباقة في هذا الباب.

و تحدثت الزهراوي عن المشروع التحديثي الإصلاحي للفقيه محمد بلحسن الحجوي الثعالبي، وهو المشروع الذي لاقى معارضة بسبب ندائه لتعليم الفتاة.

و أكدت المتحدثة أنه إذا كان الهدف الأساسي من هذا الإصلاح هو تقدم الشعوب و الدفع بها إلى مصاف الدول المتقدمة، فقد اتخذت الشعوب العربية و المغرب على الخصوص التعليم كوسيلة للإصلاح عموما و النهوض بوضعية المرأة المغربية، حيث لا يمكن النهوض لمجتمع بنصف مشلول، وهنا يندرج المشروع الإصلاحي للفقيه الحجوي.

بدوره تحدث عبد الوهاب الأزدي أستاذ اللسانيات بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس عن المحتفى بها في مداخلة عنونها بمالكة العاصمي أمام جدار الحداثة و نقد الشعر، مؤكدا أن الاحتفاء بالشاعرة هو تقدير وعرفان لذاكرة مراكش و الذاكرة الوطنية، نظرا للمنجم الشعري الغزير للشاعرة مالكة العاصمي و لرصيدها النضالي و السياسي و الحقوقي و الإعلامي منذ سبعينيات القرن الماضي، فضلا عن شغفها العلمي و الأدبي لحضارة مراكش و فضاءاتها الدينية و الثقافية و الاجتماعية و البيئية، فضلا عن اهتماماتها الخاصة بالثقافة الشعبية و التراث اللامادي من خلال مدوناتها للحكايات الشعبية و الميتولوجيا المغربية.

و أضاف الأزدي أن العاصمي اختارت، منذ مرحلة مبكرة بعد الاستقلال، النضال على عدة جبهات وتحطيم جدار الصمت، حيث شكل الجدار عنوان أول قصيدة تصدر في أول ديوان كتابات خارج أسوار العالم سنة 1987، هذا الجدار الذي اختارت مالكة العاصمي تحطيمه إلى جانب اللامبالاة و التهميش في إطار من الغزو الجديد لعوالم وجود مجتمعي بشأن المرأة و الحرية و الديمقراطية و أسئلة الحضارة و الذات و الآخر و التراث و التنمية و الحداثة، حيث لأن المتابع لدواوينه الشعرية و الدراسات السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي راكمتها في مسارها الأدبي و الفكري ما يشير إلى شدة جاذبيتها لهذه الأسئلة و إصرارها المتواصل على الكتابة خارج أسوار العالم.

و أشار الأزدي غلى أنها كانت صوتا أنثويا وحيدا و فريدا وسط مجتمع ذكوري ضمن نخبة من الشعراء المجديين في مغرب ما بعد الاستقلال، حيث تعد الاسم الأنثوي الوحيد الذي ذكره عباس الجراري (نسبة لأولاد جرار) في الدراسة المنشورة في العدد 5 من مجلة المناهل سنة 1975، في موضوع الشعر المغربي في مرحلة النهضة.

و شارك ثلة من الباحثين و النقاد في الندوة، من خلال قراءاتهم للتجربة الشعرية الغزيرة للشاعرة مالكة العاصمي، حيث اجتمعوا على غنى و تنوع هذه التجربة سواء من حيث الكم أو المواضيع التي تناولتها، و التي تشترك في مجملها في انخراط الشاعرة المبكر في القضايا التحررية للمجتمع ، دون أن تغرق في الذاتية.

و ذكر عبد العزيز الحويدق الباحث في البلاغة و تحليل الخطاب أنه كان يبحث عن بنية ثابتة انطلاقا من تحولات أسلوبية من خلال تصفحه للأعمال الشعرية الكاملة لمالكلة العاصمي، وفي ذلك البحث عن التجليات الأسلوبية و البلاغية.

و أضاف الباحث أنه اتبع منهجا دلائليا يعتمد على خطوتين أساسيتين : الخطوة الأولى تعتمد على تتبع النقاد الذين درسوا أعمال الشاعرة، و تتبع هؤلاء انطلاقا من مبدأ التعدد، حيث أنه عندما يجتمع أغلب النقاد على سمات معينة فهي تشكل نقطة انطلاق الناقد الذي يأتي بعدها، باعتبار أنه لا يتم الانطلاق من فراغ و لكن من دائرة تأويلية بلاغية، وهو مطلب فلسفي بحيث لا يمكن للإنسان أن ينطلق من فراغ، و لابد و أن يلتفت إلى قراءة سابقة.

و أشار الباحث إلى أن تتبعه لعدد من النقاد من أمثال محمد أديب و محمد الصباغ و عبد الكريم غلاب وعبد المجيد العوفي وغيرهم، انطلاقا من مبدأ التعدد و التحييد، استنتج أن أغلب الدارسين أجمعوا على أن الشاعرة في جل أعمالها تبحث عن الكرامة الإنسانية، سواء كان على مستوى تحرير المرأة أو الصحافة، أو على مستوى العمل الجمعوي أو العمل السياسي.

وفي مجال قضية تحرير المرأة أبرز المتحدث أن الشاعرة شكلت ذلك الصوت النشاز داخل صوت ذكوري، وذلك في سياق سياسي، سواء كان وطنيا أو حليا، فقد كانت دائما المرأة المناضلة التي كانت تبحث ليس فقط عن تحرير المرأة، و إنما عن الكرامة، لذلك لا يمكن إلا القول بأن الشاعرة و الأديبة مالكة العاصمي كانت تؤسس لبنية الكرامة الإنسانية.

جانب من الحضور

About Post Author