سعيدة عباد..مغربية سجل التاريخ اسمها كأول سائقة للقطار

مغربيات

ارتبط اسم سعيدة عباد بالسكك الحديدية كأول امرأة مغاربية وعربية تقود القطار. رحلات مكوكية من الدارالبيضاء في اتجاه المحمدية، المطار، سطات و الجديدة، امتدت لما يناهز 15 سنة، كانت أبرزها يوم قادت القطار الملكي الذي كان على متنه الملك الراحل الحسن الثانيعن رحلتها مع القطار وعن رهبة القيادة تحدثنا سعيدة عباد..

مغربيات : أنت أول امرأة تقود القطار في المغرب. حدثينا عن هذه التجربة؟

علاقتي بالقطار بدأت عندما كنت موظفة بالمكتب الوطني للسكك الحديدية. ولأن والدي، رحمه الله، كان يعمل سائقا للقطار، فقد كان له الفضل في أن أزاول هذه المهنة. كما أنه في المكتب الوطني للسكك الحديدية يمنحون هذا التفضيل للموظفين بأن يتم تعويضهم بعد حصولهم على التقاعد بأبنائهم، لذلك التحقت بالمصلحة التقنية سنة 1992 بمدينة الدار البيضاء. بعد ذلك، تلقيت طلبا من الإدارة سنة 1997 لالتحاق بسلك السائقين، و اجتزت المباراة في المهارات التقنية ثم الاختبار النفسي. أذكر أن تلك الفترة تخللها نهوض بوضعية المرأة و بدأ الاهتمام بإشراكها في العديد من المجالات من بينها النقل، ثم التحقت بمدرسة تكوين تابعة للسكك الحديدية، وقد كنت المرأة الوحيدة وسط دفعتي.التكوين استمر لمدة سنتين تقريبا. تلقينا خلالها دروسا نظرية وتطبيقية، وفي سنة 1999 وجدت نفسي خلف المقود كأول امرأة تقود القطار.

ماهي الخطوط التي كنت تقطعينها بالقطار؟

بحكم إقامتي بالدار البيضاء، كنت أعمل في الخطوط : الدار البيضاءالقنيطرة، الدار البيضاءالجديدة، الدار البيضاءالمطار ثم الدار البيضاءسطات. عملت لسنوات في هذه الخطوط السريعة. و الحقيقة أن رؤسائي في العمل أبدوا تفهما كبيرا لوضعيتي بحكم أنني امرأة متزوجة و لي أطفال، لم أكن أبيت خارج بيتي، خاصة و أنه لم تكن هناك تجهيزات مناسبة للمبيت خارج البيت في ذلك الوقت. اللهم إذا دعت الضرورة لذلك، حيث نادرا ما كنت أضطر للمبيت في العنابر الخاصة بذلك شأني شأن زملائي. لم يسبق لي ان اعترضت عن تكليف أو مهمة طلبت مني.

سبق و أن قدت قطارا كان على متنه الملك الراحل الحسن الثاني. كيف عشت هذه التجربة الخاصة؟

تعتبر هذه التجربة من بين أفضل التجارب التي عشتها على متن القطار . صادف أن الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، كان متوجها على متن القطار من مدينة الدار البيضاء إلى مراكش، وطُلِب مني أن أقود القطار الملكي. تقدم الملك الراحل نحوي و شاهدني أثناء صعودي لمقصورة القيادة و حياني وهو جد مسرور لكون امرأة مغربية ستقود القطارالذي سيكون على متنه، و بعد وصولنا إلى مراكش، استقبلني و نوه بما أقوم به. في الحقيقة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، كان نصير المرأة و أبدى سعادة كبيرة وخاطبني قائلا تبارك الله عليك الله يوفقك“. كان طبعا هذا هو أهم مشوار قطعته خلال رحلتي في قيادة القطار. لا أخفي أنه انتابتني رهبة في البداية، لكن بعد ذلك استجمعت قواي و توكلت على الله ووُفقْت في الرحلة.

كيف كنت تتغلبين على رهبة القيادة؟

بالنسبة للقطار يجب أن نعلم أن الرهبة تنتابك في كل مرة تأخذ فيه مكانك خلف المقود. لأن قيادة القطار مسؤولية ليست سهلة بالمرة. لا يمكن لسائق القطار أن يقول قضيت سنوات في القيادة و بالتالي فإنني متمكن..” أبدا مهما قضى السائق من مدة، لا بد و أن يعيش هذا الخوف و القلق لأن هناك دائما مفاجئات غير متوقعة ثد تصادفك على الطريق، و الإحساس بالمسؤولية تجاه المسافرين الذين تحملهم على متن القطار تجعلك دائما في حالة خوف إلى أن تصل إلى الوجهة المطلوبة، خاصة و أنه في المكتب الوطني للسكك الحديدية الأمور تجري بشكل دقيق، هناك تحقيقات تُفْتح إذا وقع أمر ما، علامات الطريق صعبة. سائق القطار ليس له الحق في الخطأ إطلاقا كما نقول، لأن الخطأ قد يكلفك حياة المسافرين أو خسارة من نوع آخر وقد لا تغتفر. بالنسبة لي الحمد لله مرت رحلتي على متن القطار، التي امتدت ل15 سنة، في ظروف جيدة إلى أن أنهيت مشواري.

بعض الأشخاص لازالوا لا يستسيغون امرأة سائقة خاصة إذا تعلق الأمر بالقطار. هل وقع معك نفس الشيء؟

أحيانا يكون هناك عطب تقني كانقطاع الكهرباء مثلا، فتفاجأ بأحدهم يقول عادي ما دامت السائقة امرأة“. عشت أمورا كهذه ولم تكن سهلة بالمرة. استدعيت أكثر من مرة لمكتب المدير الذي كان يشجعني و يقوي عزيمتي عبر تقبل انتقادات الآخرين وعدم الالتفاتة لها، بحكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعرض للانتقاد وتمت محاربته. كان شيئا مؤلما بالنسبة لي لكني استطعت أن أتجازوها بفضل دعم رؤسائي و حبي لمهنتي.

كيف أضحت علاقتك بالقطار بعد هذا العمر الذي قضيته خلف المقود؟

لازالت قائمة إلى غاية اليوم. لا أنكر أنني لازلت أحلم به دائما. أرى نفسي دائما إما أنني أغادر السكة أو أنني داخلة إلى محطة ما (تضحك).

ماذا أخذت منك هذه المهنة كامرأة أو ما هي الضريبة التي أديتها لتقوم بوظيفتك على أحسن وجه؟

باستثناء الابتعاد عن البيت و الأولاد، خاصة في مناسبات كالأعياد وما شابهها، لم تكن هناك أي ضريبة تذكر. بالعكس كانت المسألة بالنسبة لي تحدي كبير و لذيذ في نفس الوقت. و الحقيقة أن نتائجه كانت إيجابية أكثر منها سلبية. بالعكس أظن أن ما كسبته من هذه المهنة أكثر مما أخذته مني.

اكتسبت منها الاحترافية في القيادة، سرعة البديهة، تمكنت من تطوير ردود الأفعال المناسبة في الوقت المناسب، الإحساس العالي بما يدور حولك و السرعة في ترجمته من خلال الرد عليه.. أشياء كثيرة كان لمهنتي كسائقة للقطار فضل فيها علي. أحيانا يسألني أحدهم كيف تقودين السيارة و زجاجها متسخ أجيبهم القيادة اصبحت بالنسبة لي تجري مجرى الدم، لأن في القطار مهما كان الزجاج نظيفا، فإنه يتسخ مع الطريق و مع ذلك تكون الرؤية واضحة لنا كسائقين من خلاله.

اسم سعيدة عبادي ارتبط بالقطار ، وقد سجله التاريخ. كيف تجدين هذا الأمر؟

الحمد لله. بعيدا عن الغرور . هي مصدر فخر بالنسبة لي و لعائلتي و أبنائي و والدي الذي كان فخورا بي و بما أسديته من خدمات لبلدي.في الوقت الذي كان أبي يقود القطار كانت المحركات ميكانيكية، ليس مثل التي قدتها أنا، حيث أصبحت الكترونية أكثر، وقد أبدى إعجابه، رحمه الله، بهذه العربات الجديدة و اندهش عندما علم بأنني أقودها. الحمد لله ارتبط اسمي بالقطار كأول مغاربية وعربية قادته، و عشت لحظات فخر و اعتزاز من خلال استضافتي في العديد من وسائل الإعلام للحديث عن تجربتي المميزة.

كيف ترين اليوم هذا التطور الحاصل في مجال السكك الحديدية (دخول تي جي في) و ولوج المرأة لهذا المجال؟

كواحدة من ابناء السكك الحديدية لا يسعني إلا أن أعبر عن فرحي وسعادتي بما تحقق من تطور ملموس في مجال النقل عبر القطار طبعا.هناك مشاريع كثيرة رأت النور وهي مصدر فخر بالنسبة لنا.

اليوم الحمد لله النساء أصبحن في كل المهن المرتبطة بالنقل عبر السكك الحديدية، نساء مراقبات للتذاكر، سائقات، نساء هن من وقفن على كل هذه الإنجازات التي تم تحقيقها أخيرا، النساء اليوم اقتحمن مجال السكك الحديدية وهن يمثلن نسبة مهمة و يشغلن وظائف مرموقة و متقدمة في الإدارة ومجال التخطيط.

About Post Author