سعيد بناني : دعم الفنانين الشباب الذين ينهلون من التراث هو تكريم لرواد الأغنية المغربية
أجرت الحوار : فوزية التدري
ضيف حوارنا فنان مخضرم جايل رواد الأغنية المغربية العصرية وعاش” الفترة الذهبية ” في مجال الغناء والطرب ولا يزال في جعبته الرغبة في العطاء طبعا حسب قناعاته الفنية المخلصة لتلك الفترة. تدرج الفنان سعيد بناني في مجال الغناء قاطعا العديدمن المراحل شأنه في ذلك شأن أغلب المغنيين في زمنه. فكانت الانطلاقة الأولى من خلال الأنشطة الموازية بمراحل الدراسة (الإعدادي والثانوي) ليتابع المسار مع فرقة شبه محترفة بدار الشباب بالجديدة سنة 1972 ، حيث غنى في أول سهرة له رفقتها سنة 1974 أغنية “الصبر تقادا“. ليواصل المسيرة بشكل طبيعي وقتها من خلال مشاركته في برنامج مواهب ثلاث مرات و يحرز على اهتمام الأستاذ عبدالنبي الجيراري، وذلك سنوات 78/79/81. بعد ذلك شارك في المهرجان الوطني للأغنية المغربية سنة 1985، حيث كان التنافس علىأشده مع مشاركين آخرين نذكر منهم عبد الوهاب الدكالي و سمية قيصر والبشير عبده. ليتأهل في المهرجان الوطني الثاني سنة 1987 مع نجوم من عمره آنذاك، من بينهم نادية أيوب وآمال عبد القادر ومنى سعد و عموري امبارك. وبفضل اجتهاده تحقق له حلم طفولته فغنى رفقة الجوق الملكي برئاسة المايسترو أحمد عواطف وذلك سنة 1985.
وتجدر الإشارة إلى أن الفنان سعيد بناني زامن بين الغناء وبين الوظيفة العمومية، إيمانا منه بأن الفن هواية جميلة يسعده ممارستها موازاة مع وظيفته التي ضمنت له العيش الكريم وفرصة الدراسة بالمعهد الموسيقي بالبيضاء حيث تم صقل الموهبة بالمعرفة الموسيقية الحقة عبر تعلم دروس الصولفيج في أول الأمر ليتابع الدراسة في مرحلة لاحقة من خلال تعلم الغناء الاوبرالي، و يبدأ مساره الفني الحقيقي عن طريق التكوين الموسيقي والجدية في الممارسة والتعلم الدائم.
في الحوار التالي ينقلنا الفنان سعيد بناني، من خلال أسئلة عديدة طرحناها عليه، إلى “زمن جميل “..
مغربيات : متى كانت البداية الفنية ؟ وما هي المؤثرات التي دفعتك لمجال الغناء؟
أحب أن أشير إلى دور الإعلام الهام آنذاك زمن طفولتي، في تربية الذوق العام. فقد كان الراديو الوسيلة الأولى التي ترافق الأسر المغربيةمنذ ساعات الصباح الأولى إلى الليل. كان لها الفضل الأساسي في تعلقي بفن الغناء، كنت أسمع الأغاني وأحفظها منذ الصغر عن ظهر قلب، لحنا وكلاما، ثم أرددها مع أقراني دون أن يسمعني الكبار خجلا منهم. بعدما تعلقت بالأغاني الجميلة التي كان الراديو يبثها طيلة النهارضمن برامج إذاعية تربوية واجتماعية هادفة، نحوت نحو اقتناء كتب الأغاني لفنانين كبار آنذاك مثل إسماعيل أحمد، أحمد البيضاوي، عبدالهادي بلخياط وآخرين. فكانت هذه المؤثرات الأولى هي الدافع القوي في ميلي نحو هذا المجال.
جايلت بعض رواد الأغنية المغربية وغنيت بجوارهم فوق خشبات المسرح، لماذا توقفت عن الغناء؟
لم أتوقف يوما عن الغناء، فهو بالنسبة لي مثل الأوكسيجين، أغني في كل لحظة وحين. فقد كنت أتنفس الشدو والغناء. كل ما في الأمر أنني ابتعدت عن طريق الأضواء ومنصات الشهرة لأنني لم احترف الغناء فأنا كنت في مجال الوظيفة العمومية أعمل كمدرس تربية رياضية انطلاقا من سنة 1979 وقد كنت أحب مهنتي وفي نفس الوقت أستمتع وأمارس الغناء كهواية محببة لدي. وكما سبق الإشارة فبفضل مدخولي من الوظيفة تمكنت من صقل موهبتي بالتكوين الموسيقي بالمعهد الموسيقي بالبيضاء، الشيء الذي مكنني من أدرس الموسيقى بمعهد خاص بطلب من أحد الأصدقاء، لهذا فأنا لم ابتعد يوما عن الغناء والموسيقى بل ابتعدت عن الشهرة.
رفقة الفنانة لطيفة رأفت
فيما تلخص تجربتك الفنية ؟ وما تأثيرها على حياتك الشخصية ؟
تجربتي الفنية الحقيقية انطلقت مع المهرجانين الوطنيين للأغنية. إذ شكلت مشاركتي في إطار هذين المناسبتين الهامتين تجربة عميقة في بعدها الثقافي والفني، حيث تسنى لي ملاقاة رواد الأغنية المغربية العصرية من مختلف أنحاء المغرب ومن مختلف المجالات، سواء في مجال اللحن أو كتابة الزجل و الغناء. وكان طبعا لاحتكاكي بهم نتائج هامة طبعت مساري الفني فيما بعد. فيما يخص التأثير على حياتيالخاصة فأنا ألخصه في كسب تجربة عميقة، إذ مع التعمق في تقنيات الأداء والمقامات تتولد شخصية فنية مستقلة. وطبعا إيمانا مني بكون الفنان يجب أن يظل مرآة جميلة للمجتمع، فمن خلال تجربتي الفنية توسعت لدي دوائر علاقات عديدة مع فنانين ومثقفين في مجالات مختلفة، الشيء الذي يجعل من الفنان بصفة عامة وجعل مني بصفة خاصة عنصرا فاعلا في تربية الذوق العام لدى الأجيال الصاعدة والمساهمة في توجيههم نحو ما يتوقون إليه عبر إسداء النصيحة ونقل الخبرة في إطار الأنشطة الثقافية والفنية من خلال تقديم عروض موسيقية هادفة.
ما رأيك في تجاهل الإعلام البصري لرواد الأغنية المغربية العصرية وفي استحواذ الفن الشعبي على برامج السهرات الأسبوعية ؟
في نظري هناك تجاهل وجهل أيضا بتاريخ الأغنية المغربية العصرية من طرف بعض الإعلاميين الجدد. صحيح أنه هناك بعض البرامج التي تذكرنا بالأغنية في عز مجدها وتكرم بذلك رواد الأغنية المغربية العصرية، الذين بذلوا جهدا جهيدا في صنع الأغنية التي نعتز بها ونحِن إليها في زمن الأزمة الحالية، لكنني أشعر أن هدف تلك البرامج تفسده السهرات الأسبوعية التي سيطر عليها أصحاب الأغنية الشعبية؛ مع العلم أننا لسنا ضد الفن الشعبي، لكننا ضد الابتذال وميل الكفة لصالح فن على حساب فن آخر يهذب الذوق والأخلاق ويسمو بفن العيش إلى مصاف ما .
رفقة مجموعة من الفنانين المغاربة
ما هو رصيدك الفني ؟ وهل لديك جديد ؟
رصيدي الفني لا يعتمد على الكم بل على الكيف إذ لي أغاني محدودة نظرا لعدم احترافي الغناء بحكم تمسكي بوظيفتي، ولأنني كنت أدققفي اختيار مواضيع الأغاني وفي الكلمات أيضا. بعض هذه الأغاني مسجلة بالاذاعة الوطنية من خلال البث المباشر للحفلات والسهرات أثناء المواسم الثقافية. فيما يخص الجديد أنا لا زلت أقوم بعروض موسيقية حسب برنامج أستمع به إذ أختار أغنية عربية ومغربية وغربية.وبحوزتي ألحان سأفرج عنها في الوقت المناسب، فانا لا أتسرع في إنجاز عمل فني لي.
برفقة الفنان الراحل سعيد الشرايبي
هل تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي نوافذ جميلة تساهم من خلالها إحياء مسارك الفني والترويج لأعمالك الفنية ؟
فعلا مواقع التواصل الاجتماعي هي وسيلة لكل مبدع في شتى المجالات تساعده في نشر إنجازاته. بل هي الآن القوة الضاربة للإذاعات والقنوات الفاشلة التي بها إعلاميين غير أكفاء وبعيدين كل البعد عن المهنة.
ما هي الكلمة الختامية التي تحب أن نختم بها حوارنا هذا؟ وهل تحب توجيه رسالة إلى الجهات المعنية بالشأن الثقافي والفني ؟
بداية أوجه الشكر لموقع “مغربيات“ من خلالك على إتاحته لي فرصة الحديث عن مساري الفني واستحضار لحظات جميلة عشتها رفقةرواد كبار صنعوا مجد الأغنية المغربية العصرية. وأحب طبعا، من خلال هذا الموقع، توجيه رسالة أو نداء حارق وصادق لأصحاب القرار في المجال الثقافي والفني، يتمثل هذا النداء في طلب الجهات المعنية بأن تعيد للأغنية المغربية بريقها عبر دعم كل فنان جميل وصادق، يساهم في الارتقاء بالذوق العام، لأن دعم هذه الطاقات الشابة التي تنهل من تاريخ الأغنية المغربية العصرية ومن تراث المملكة الغني فيه تكريم أيضا للرواد السابقين وفيه خطة إنقاذ من حالة الازمة التي تعرفها الأغنية حاليا وفيه أيضا حصار لتفشي الرداءة والابتذال. كما أوجه رسالة خاصة للمسؤولين لتكريم الرواد بأشكال مختلفه سواء الأحياء منهم أو الأموات كعرفان للمجهودات الجبارة التي قاموا بها في تأسيس الهوية الفنية وترسيخ دعائم الأغنية المغربية العصرية.
مع الفنان عبد الهادي بلخياط