رتيبة ركلمة : المسرح النسائي ساهم في تحرر النساء
مغربيات
تقود العديد من النساء المغربيات فرقا مسرحية تتناول قضايا النساء قصد التحسيس بها ونشر الوعي حول مناهضة العنف و تحقيق المساواة و كسر الصور النمطية حول المرأة.
أستاذة المسرح بكلية الفنون و الآداب بجامعة ابن زهر بأكادير و المسؤولة السابقة عن قسم المسرح بوزارة الثقافة و الشباب و التواصل رتيبة ركلمة أجابت عن أسئلة “مغربيات” حول ماهية المسرح النسائي وما يمكن أن يلعبه من دور في النهوض بأوضاع النساء، و نشر التوعية من خلال العروض المسرحية، و كذا وصول النساء لمراكز القرار في تدبير الشأن الثقافي بالمغرب.
وترى رتيبة ركلمة أن المرأة المغربية استطاعت أن تفرض وجودها في المجال المسرحي من خلال تجارب رائدة تقودها مخرجات نساء مثل مسرح ” أكواريوم” لنعيمة زيطان و مسرح “أنفاس” لأسماء الهوري و مسرح “فانوراميك” لنزهة حيكون و مسرح “اليوم” للراحلة ثريا جبران و غيرها من التجارب التي أغنت المسرح المغربي.
مغربيات : هل يرتبط المسرح النسائي بما تبدعه النساء من كتابة النصوص إلى الإخراج و السينوغرافيا وغيرها، أم هو المسرح الذي يتناول قضايا نسائية؟
أعتقد أن المسرح النسائي يرتبط أساسا بكتابة النصوص و الإخراج بشكل خاص، لأن المخرج هو الذي يعطي التصور النهائي للعمل المسرحي، و هنا أستحضر تجربة مسرح “أنفاس” للمخرجة أسماء الهوري الذي يعالج عدة قضايا نسائية، مثل معاناة النساء مع سرطان الثدي و مواضيع كثيرة تخص النساء، ثم هناك تجربة أخرى مثل مسرح “إسيل” و التي تناولت في أعمال مسرحية قضية العنف ضد النساء و مسألة الإرث وغيرها من القضايا المطروحة حاليا.
أرى أن المسرح المغربي عموما أصبح يعالج الكثير من القضايا النسائية بغض النظر عن جنس المخرج. يجب أن نفرق بين المسرح النسائي الذي يقصد به عمل مسرحي تقوم بإخراجه امرأة بصرف النظر عن القضية التي يعالجها، في حين هناك المسرح النسوي الذي يقصد به مسرح يتناول قضايا نسائية.
أغلب الكتابات المسرحية النسائية لم تحظى بالدراسات النقدية اللازمة كما الشأن بالنسبة للكتابات المسرحية الرجالية، ما سبب ذلك في نظرك؟
شخصيا لا أعتقد أن الكتابات المسرحية النسائية لا تحظى بالدراسات النقدية، بل إن هناك إصدارات حاليا تتناول المسرح النسائي (الذي تكتبه نساء)، حيث تم إصدار مجموعة من الكتب من طرف الهيئة العربية للمسرح و التي تناولت بالدرس و التحليل نصوصا مسرحية نسائية. أظن أن المشكل يرجع بالأساس إلى كون الكتابة المسرحية لازالت مرتبطة بالرجال، حيث يقتصر حضور المرأة في المسرح على التشخيص بشكل أساسي و الإخراج بدرجة ثانية ثم السينوغرافيا بدرجة ثلاثة، لكن تبقى المرأة، على أي، حاضرة. أما بالنسبة للدراسات النقدية لا أرى أن هناك تمييز بين الرجل و المرأة، حيث تتعدد الدراسات بتعدد غزارة الإنتاج. “مسرح اليوم” للراحلة ثريا جبران أسال مداد الكثير من الدراسات النقدية، كذلك الشأن بالنسبة لمسرح “أنفاس” لأسماء الهوري تناولته الكثير من الدراسات النقدية، ثم مسرح “اكواريوم” الذي تشرف عليه المخرجة نعيمة زيطان وهو مسرح رائد في مجال الدفاع عن حقوق النساء و قد كتبت حوله دراسات نقدية كثيرة. كما لا يفوتني هنا أن أشير إلى مهرجان “جسد” الذي يحتفي بالمسرح النسائي و تشرف عليه كل من المخرجتين أسماء الهوري و نعيمة زيظان لتسليط الضوء على قضايا النساء من خلال مسرح متعدد.
بصفتك كنت مسؤولة عن الشأن المسرحي بوزارة الثقافة المغربية لسنوات، كيف ترين مكانة المرأة في مراكز القرار بالمؤسسات التي تعنى بالشأن الثقافي عموما و المسرحي على وجه خاص؟
بالنسبة لوزارة الثقافة فإن وزيرة واحدة فقط كانت على رأسها وهي الفنانة الراحلة ثريا جبران، ومكثت بهذا المنصب لسنة ونصف فقط، فيما لم تشغل كاتبة الدولة إلا امرأة واحدة كذلك هي عزيزة بناني و بقيت في منصبها ستة أشهر فقط خلال حكومة انتقالية، في حين أن الكتابة العامة لم تعرف قط حضورا نسائيا، وهذا يعني أن تدبير الشأن الثقافي ببلادنا هو تدبير رجولي بامتياز. صحيح أنه في الآونة الأخيرة عينت بعض النساء على رأس مديريات مركزيات بشكل يعكس مبدأ المناصفة، حيث تم تعيين مديرة مركزية للشؤون المالية و الإدارية ومديرة مركزية للكتاب، في مقابل مدير مركزي للتراث (يشرف عليها رجل) و مدير مركزي للفنون (رجل كذلك). أما على المستوى الجهوي، فنجد مديرة جهوية واحدة وهي بجهة الدار البيضاء سطات (وسط البلاد)، وهناك فقط تكليف لمديرة جهوية بجهة طنجة تطوان (شمال المغرب) و هو ليس تعيينا رسميا، إذن هناك مديرتان فقط في جهتين إثنتين من بين 12 جهة بالمغرب. فمنذ 2009 أصبح قسم المسرح بالوزارة تحت إشراف نسائي، وهو أمر أعتبره مهم، فضلا عن تواجد مجموعة من النساء على رأس دور الثقافة، و اللواتي يولين اهتماما خاصا بالمسرح، علما أن العروض المسرحية غالبا ما تكون خلال عطل نهاية الأسبوع أو في المساء، وهو ما يعكس تضحيات هؤلاء النساء لإنجاح هذه العروض الثقافية.
من هنا يمكنني القول أنه على الرغم من أن تدبير الشأن الثقافي و المسرح ببلادنا ليس نسائيا في أعلى الهرم، لكن حضور المرأة فيه يبقى طاغيا على مستوى التدبير اليومي و القرب من المواطنين، في حين أن تسيير الشأن المسرحي في مراكز القرار يحتاج إلى التأنيث من دون شك، حيث تتوفر وزارة الثقافة على كفاءات نسائية عالية تحتاج إلى الدعم لتثبت حضورها.
كيف استقبلت تعيين امرأة على رأس المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي وهي الفنانة لطيفة أحرار قبل أيام؟
أعتبر أن هذا التعيين بمثابة تتويج لمسار فنانة مناضلة أعطت الشيء الكثير للمسرح المغربي. هي كذلك خريجة لهذا المعهد. لديها خبرة كبيرة في هذا المجال، كما أنها استأنفت دراستها العليا في الإخراج المسرحي، و بالتالي فوجود لطيفة أحرار على رأس هذا المؤسسة سيعطيها دفعة جديدة، خاصة في مجال التكوين و التسيير، سيما و أنها سبق و أن اشتغلت كأستاذة بنفس المعهد، و بالتالي فهي تعرف جيدا ما ينتظره طلبة هذا المعهد، الذي يعتبر المؤسسة الوحيدة بالمغرب التي تدرس الفن المسرحي و التنشيط الثقافي ببلادنا. لا أنسى أيضا أن لطيفة أحرار هي فنانة متشبعة بثقافة حقوق الإنسان و قضايا النساء و أكيد أن تقلدها لهذا المنصب سيكون إضافة نوعية للتكوين المسرحي.
هل يمكن أن يساهم المسرح في النهوض بأوضاع النساء و تحقيق المساواة بين الجنسين؟
أكيد. كما قلت سالفا هناك العديد من الأعمال المسرحية التي اشتغلت على قضايا النساء مثل “مناهضة العنف ضد النساء”، قضية الجسد، الإرث، الأمراض النسائية (سرطان الثدي) وغيرها من القضايا، و بالتالي فإن المسرح هنا هو وسيلة لتمرير مجموعة من الرسائل و الأفكار التي تسعى لتحقيق المساواة بين الجنسين و محو الفوارق بينهما، و كذلك محو الصور النمطية للمرأة، و بالتالي فالمسرح يبقى وسيلة فعالة و سهلة الولوج، خاصة في ظل الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة من خلال تصوير مجموعة من الأعمال المسرحية و بثها على القنوات التلفزيونية، مما يتيح لجمهور عريض مشاهدتها.
الملاحظ أنه حتى في مجال المسرح لازالت المرأة تعاني من الإقصاء، حيث عدد المخرجات النساء معدودات على رؤوس الأصابع، و نفس الشيء بالنسبة للهيئات الثقافية التي تسير هذا المجال ضمن مجالات ثقافية أخرى التي نادرا ما تصل فيها النساء إلى مراكز القرار؟ كيف تفسرين هذا الأمر و ما تأثيره على قضية النساء؟
هو ليس إقصاء، و إنما انعكاس لتأخر النساء في الولوج إلى التعليم من جهة، و بالتالي حضورهن يبقى باهتا في مجال الإخراج المسرحي. ثم غياب الشجاعة لدى النساء في اقتحام هذا المجال من جهة ثانية. نعرف أنه قبل عقود لم يكن مسموحا للمرأة الظهور على الخشبة، وهو ما يعكسه حضور الفنان بوشعيب البيضاوي الذي كان يجسد أدوارا نسائية في أعمال مسرحية. كما أن بعض الفنانات المسرحيات اضطررن لتغيير أسمائهن الحقيقية إلى أسماء مستعارة خجلا من الظهور على الخشبة مثل أمينة رشيد و خديجة جمال قبلها، خاصة مع ما يرافق ذلك من القيام بجولات عبر المدن لتقديم العروض المسرحية. الآن تغيرت الكثير من الأوضاع، حيث عدد الطالبات في الفن المسرحي أصبح يوازي تقريبا عدد الطلبة الذكور، وهو ما سيعطي مستقبلا حضورا طاغيا للنساء في مجال الإخراج المسرحي. و أشير هنا إلى المخرجات المغربيات المتميزات اللواتي حصلن على جوائز هامة في عدد من التظاهرات الثقافية و المهرجانات داخل و خارج المغرب. أرى أن الطريق لا يزال طويلا أمام المرأة لإثبات ذاتها في المجال المسرحي.
أين تتموقع المرأة اليوم في المسرح؟ وما هو الدور الذي يمكنها أن تلعبه للنهوض بأوضاع النساء عموما؟
المرأة حاضرة بقوة في المسرح المغربي، و قد أثبتت وجودها بشكل لافت مع عدد من الأسماء التي بصمت حضورها بشكل لافت في هذا المجال، من خلال مسرح رائد قادر على التعبير عن قضايا النساء و همومهن و تسليط الضوء عليها.
بالنسبة للدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة التي تحترف فن المسرح للنهوض بأوضاع النساء، الفرق التي ذكرت سالفا و التي تقودها نساء كلها فرق ساهمت بشكل أو بآخر في طرح قضايا حارقة تهم المرأة، مثل قضية العنف، و المساواة في الحقوق الإنسانية بين الرجال و النساء، وهنا لا يفوتني أن أستحضر كذلك فرقة “إسيل” التي يقودها الفنان سعيد أيت باجا و التي قدمت مجموعة من العروض التي تتناول قضايا المرأة.