ثريا إقبال (4) : لا فرق بين التجربة الصوفية النسائية و الرجالية لأن أصل الخلق واحد
مغربيات
شكل وجود المرأة في الفضاء الصوفي موضوعا للدرس و التحليل، رغم أن ذكرهن في تاريخ التصوف الإسلامي لم يصل لما بلغه الرجال من أعلام التصوف الإسلامي، و لم يبلغن ما تركه هؤلاء من تراث و مؤلفات، كمٌا وكيفا.. لكن رغم ذلك فقد حظيت المرأة الصوفية المتعبدة الزاهدة بمكانة مهمة، حتى أنها بلغت أعلى درجات الولاية “القطبية“، وهو ما تؤكده الباحثة في التصوف ثريا إقبال مستدلة بما جاء في الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، الذي رأى أهلية المرأة في بلوغ “القطبية” و إن كان يشير لكونه لم يسبق له أن التقى بامرأة “قطب“..
“مغربيات” تواصلت مع الباحثة و الشاعرة ثريا إقبال للحديث عن تواجد النساء في الفضاء الصوفي و عن متصوفات و مربيات و وليات صالحات مررن في تاريخ العالم الإسلامي، سواء في المشرق أو المغرب، ضمن سلسلة حلقات رمضانية..
يقال إن بعض الوليات الصالحات كانت لديهن كرامات شأنهن في ذلك شأن الأولياء، فرابعة العدوية مثلا قيل أن أصابعها كانت تضيئ ليلا و غيرها كثيرات ممن كن يشفين بعض الأمراض، و هو ما تؤكده ثريا إقبال بالقول : إن كل ما يخص الرجل يخص المرأة، و في الولاية، المرأة أيضا كانت لها كرامات، حيث أنه من المؤكد أن أغلب الوليات عرفن بالكرامات التي حباهن الله بها، ومع ذلك تضيف الباحثة، أنه لدى العارفين بالله و المتحققين و الواصلين أهم كرامة هي الاستقامة، أما الكرامة التي يقصد بها خرق العادة فلا ينبغي التوقف عندها، لأنه قد يتحول إلى نوع من الستر أو الحجاب لما هو أرقى و أهم و هو الاستقامة.
وتضيف إقبال أن السيدة زهراء الكوش التي قال عنها محمد الصغير الإفراني :” وصلت أخبار جمالها و صلاحها إلى السلطان زيدان بن أحمد المنصور الذهبي فهم بها، فظهر له من بركتها و كراماتها ما صرفه عنها، فعصمها الله منه“. بحسب الحكاية الشعبية فإن السلطان لما رغب في لمسها دون رغبة منها، أصيب بالعمى، ولما طلب منها استشفاءه، يقال أن حمامة بيضاء طارت بالقرب منها، فأخذت ريشة منها ومررتها فوق عيني السلطان فاسترد بصره، ويحكى أيضا أن رجلا اقتحم مجلسها الذي كانت تعقده لتلقين النساء القرآن و الحديث و السير، متخفيا في زي امرأة، لكن ما إن وطأت قدماه مجلسها حتى أصيب هو الآخر بالعمى، حيث تشير الحكايات إلى أن كل من أراد أن يتلصص على لالة زهراء الكوش أو يمسها بما لا ترضاه إلا و أصيب بالعمى، وقد كانت الوحيدة دون غيرها القادرة على استشفائه مما أصابه.
و “الحقيقة، تؤكد الباحثة : أن هناك عدد من الوليات الصالحات اللواتي منٌَ الله عليٌَ بلقائهن يشفين بعض الأمراض عن طريق الأيدي و الأعشاب و يرقين باسماء الله الحسنى و بالقرآن شفاءا تاما“.
وتشير إلى أن من يخضع كل شيء للعقل يصعب عليه تقبل أن هناك أولياء و وليات حقيقيين يدركون أشياء توجد ما وراء العقل، و يمكنهم رؤية اشياء ببصيرتهم و ليس ببصرهم، و يقال أيضا إن هؤلاء الأولياء يستطيعون أن يطووا الأرض، بحيث يمكنهم التواجد في امكنة متعددة بين لحظة و أخرى، و قد يتواجد الواحد منهم في أمكنة متعددة في نفس الآن، كما لو كان مستنسخا، إذن، تقول الباحثة، هناك العديد من الكرامات، وكل من يعتقد في هذا المجال، يدرك أن الله قادر على كل شيء، و النبي (ص) يقول : اتق الله تر عجبا، ثم قال كذلك :سماواتي و أرضي لا تسعني و يسعني قلب عبدي المؤمن، وهنا يظهر أن اللامتناهي يستقر في أصغر عضو في جسم الإنسان الذي هو القلب.
وتوضح أن الأرض عندما خلت من الأنبياء اشتكت لله سبحانه وتعالى بعد انتقال النبي (ص) : ألن يطأ أديمي بعد اليوم نبي أو مُرسَل؟ وقال سبحانه وتعالى : نعم انتهت النبوة لكن الولاية مستمرة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، إذن ففي كل دقيقة و في كل بقعة من الأرض هناك ولي يُذكٌِر بوجود الله سبحانه و تعالى، ويتمم ما تركه الأنبياء جميعا.
فيما يتعلق بالمريدات، حيث للأولياء مريدين، فيمكن اعتبار كل المتعلمات، بحسب ثريا إقبال، هن بمثابة مريدات، و الحقيقة، تقول إقبال، إن العلاقة بين الشيخ و المريد سواء كانا رجالا أو نساء، هي في حقيقة الأمر تلك العلاقة التي تُتَبث ما بين الحق و الخلق، عن طرق تلقين القرآن و الذكر، إذن فكل من كان في موقع المتعلم فهو مريد.
وعن الخصوصية التي تميز التجربة الصوفية للنساء، ترى ثريا إقبال، أنه ليس هناك فرق بين الإثنين، حيث يقول الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي : في الأصل كانت الإنسانية، أما الأنوثة و الذكورة فهما شيئان عرضان، و من آياته سبحانه و تعالى أن خلق البشرية جمعاء من أصل واحد؛ فالله الواحد الأحد مبدأه الوحدة و التوحيد، وما أصل الكثرة و الثنائية إلا الوحدة، لذا انبثقت النشأة الإنسانية من إرادة واحدة وصدرت عن بارئ واحد خلق الناس من نفس واحدة آوت إلى رحم واحد واتصلت بنسب واحد، و هكذا اشتركت المرأة والرجل في الإنسانية و النسب الآدمي وتساويا في القيمة و الصفات و المراتب و المقامات، مصداقا لقوله عز و جل : ” يا أيها الناس، اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساءً” ( سورة النساء) وقال كذلك “هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها” (سورة الأعراف).
ومع ذلك، تشير الباحثة، فإن الولية غالبا ما تكون مستقرة و سياحتها تكون في ملكوت الله سبحانه وتعالى، حيث يقال العابدون الزاهدون السائحون، لكن السياحة هنا لا ترتبط بالتجوال و التنقل عبر الأمكنة، بل المقصود السياحة في الملكوت و التأمل في الخلق، وتعد هنا سياحة المقيم أهم، وقد كانت لثريا إقبال فرصة اللاتقاء برجال صالحين و عارفين بالله لم يبرحوا أمكنتهم طيلة حياتهم، و منهم من لم يغادر منزله أبدا لما يزيد عن 40 أو 60 سنة، ومع ٫ذلك تؤكد إقبال أنهم من كبار السائحين، موضحة أن العبارات الصوفية تعني الشيء ونقيضه. ووصفت إقبال المرأة بكونها المحرك الساكن، حيث هي التي تحرك كل شيء لكنها تظل مستقرة، وهي الضامنة لاستقرار الأسرة كلها. وعن كون جل الموصوفات كن أميات لا يعرفن القراءة و الكتابة، و لربما لهذا السبب لم يتركن إرثا مكتوبا، تنفي ثريا إقبال هذا الأمر، مؤكدة أن الأمية بمفهومها الصوفي هي ميزة و ليست عيبا, فالنبي (ص) كان أميا. فأمية الوليات كانت ميزة جعلتهن يتلقين الأسرار الإلهية، و الوليات الصالحات كن يتلقين العلوم و القرآن عن طريق الحفظ و السماع، و لم تكن هناك حاجة للقراءة و الكتابة كما هو الشأن اليوم. وترى إقبال أنهن لم يتركن إرثا مكتوبا ليس لأنهن كن أميات، بل لأن الله وضعهن تحت حجاب الستر، لتظل “الولية المجهولة”، كما أن الأولياء عموما لا يلتفتون لأن يتركوا بصمتهم مثل يومنا هذا، بل الأهم أن يبلغوا ما أعطاهم الله سبحانه وتعالى، بغض النظر عن المُبَلغ، المهم هو رسالة التبليغ نفسها، كما أنهن حلقات من سلسلة لا تنتهي أولها الخالق و آخرها الخالق.