العنف الإلكتروني ضد المرأة : أية حماية؟
إن الاستخدام المتزايد لشبكة الأنترنت وتقنيات الاتصالات المبتكرة، ولاسيما مع ما شكلته ثورة الإعلام الرقمي والهيمنة القوية لوسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية، كعناصر مهمة في العالم الافتراضي اللا ملموس من خلق حالة من التلاقح والتعايش بين الثقافات خاصة في الشق المتعلق بتقدم الأمم عن طريق ضم أفكار جديدة تحرك آلية الحضارات.
إذن بما أن لهذه التكنولوجيا وجه إيجابي، فلا نخفي الوجه المظلم، أتحدث هنا عن الممارسات التي لا زالت فيها جميع القوانين الدولية سواء منها أو الداخلية عاجزة عن حظر الممارسات السيئة وتأطيرها، بل وإخضاعها للرقابة، فإن هذه الممارسات أقل ما يقال عنها ضاربة في كرامة الانسان وأستحضر هنا المرأة التي باتت تشكل مركز الأسد من ضحايا الاستعمال السيء للتكنولوجيا عبر ما يعرف بالعنف السيبراني.
وهنا يطرح الإشكال نفسه، كيف أن التكنولوجيا هي عالم افتراضي لكن مساوئه تنعكس بشكل مادي ومعنوي لمستعمليها وخاصة المرأة؟ وماهي الوسائل المستخدمة لتحقيق هذا العنف اللا أخلاقي؟
العنف السيبيراني بين المفهوم والماهية :
يرتبط مفهوم العنف السيبراني باستخدام الأجهزة التكنولوجية، فهو شكل من أشكال العنف التي يستخدم فيها الفئات المواقع الإلكترونية مثل البريد الإلكتروني وشبكات التواصل الإجتماعي، بالإضافة إلى استخدام كاميرات الهاتف والبلوتوت والتسجيلات الصوتية، واختراق الخصوصيات عبرمواقع الإنترنت بهدف إيقاع الأذى بالآخرين والتهديد والإهانة والتحرش أو تخويف النظير .
وفي ذات السياق أكد الخبيران “slonje Robert” و”smith Peter K” أن العنف السيبراني أكثر خطورة من العنف التقليدي بسبب ثلاثة عوامل متمثلة في صعوبة الابتعاد عن اتساع الجمهور المحتمل وعدم مرئية أولئك الذين يقومون بالعنف، كما يشكل تهديدا للمجتمع وقيمه؛ إذ أنه يمس الحياة الاجتماعية والنفسية للأفراد ما قد يؤدي إلى ارتكابهم جرائم تهدد الإستقرار الأمني والإجتماعي مرورا بالأسرة وإنهاء المجتمع .
على نفس المنوال، صرحت الوزيرة السابقة لوزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية في إحدى الجلسات الشفوية بمجلس النواب أن:” العنف الالكتروني شكل من أشكال العنف الجديدة، إذا كنا نتكلم عن العنف كظاهرة مقلقة في المجتمعات ليس فقط في المجتمع المغربي ولكن في المجتمعات الانسانية بشكل عام تخص الأطفال والنساء، فالبحث الوطني الذي أنجز سنة 2019 رصد وجود نوع جديد من أنواع العنف يتنامى بشكل كبير، ألا وهو العنف الالكتروني“.
فالعنف ضد المرأة والإساءة إليها عبر شبكات الأنترنت من الأمور المتفشية على نطاق واسع، حيث خلق بيئة معادية تهدف الى خلق الشعور لدى المرأة بالخجل من نفسها أو لترهيبها أو الحط من شأنها.
ويمكن القول أن العنف الالكتروني ضد المرأة هو جزء من العنف الموجه ضد المرأة في الواقع ويتضمن مجموعة من الأفعال العنيفة القائمة على النوع الاجتماعي والتي ترتكب أو تحرض أو تتتقم باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كالهاتف والانترنيت ومنصات التواصل الاجتماعي.
هذا النوع من العنف عرف ارتفاعا متناميا، خاصة على مستوى التحرش ضد النساء والإكراه على العلاقات الجنسية، أو الابتزاز أو الإحتيال للحصول على المال، أو التهرب من المستحقات القانونية في قضايا الأسرة.
استفحال ظاهرة العنف السيبراني ضد المرأة داخل المجتمعات وتغيرها شكلا وتأثيرا من الفضاءات العمومية إلى الفضاءات الرقمية، يتطلب الأمر البحث عن حلول وآليات للتقليل منها ومجابهتها في ظل الأرقام المخيفة، فمن الإساءات اللفظية والعنصرية في الرسائل الخاصة إلى سلوكات التنمر والابتزاز وحملات تشويه السمعة وفق ما تؤكده الأرقام الرسمية ومعطيات الجمعيات الحقوقية المهتمة بالمجال.
فحسب النتائج الأولية للبحث الوطني الثاني حول انتشار العنف ضد النساء بالمغرب والذي تم إنجازه على مستوى جهات المملكة بمبادرة من وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية سنة 2019، فإن 1.5 مليون مغربية عنفت إلكترونيا، والتحرش الجنسي يأتي على قائمة أفعال العنف الإلكتروني ب% 72.2 و% 13.4من النساء المغربيات تتراوح أعمارهن ما بين 18 و64 سنة صرحن بتعرضهن للعنف الالكتروني، و %28.3 من مرتكبي أفعال العنف الإلكتروني هم أشخاص تعرفت عليهم الضحية عبر الأنترنيت.
الإشكال الذي يطرح نفسه أن النساء المعنفات إلكترونيا لا تبوح بهذا الضرر، نتيجة الخوف من الوصمة الاجتماعية من المحيط، فالأعراف الاجتماعية والتقاليد والتوقعات السائدة تبقى الحاضنة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وفي كثير من الأحيان تلام النساء والفتيات على أفعال لم يرتكبنها، وغالبا ما تصل تلك القضايا للجهات الرسمية في المراحل الأخيرة من الإبتزاز الذي يفوق قدرات الضحية على الاستجابة أو التحمل.
العنف السيبراني ضد المرأة: التصنيفات وتداعياتها على نفسية المرأة :
يتخذ العنف السيبراني ضد النساء أشكالا مختلفة يستهدف الوصول إلى معطيات خاصة واستخدامها والتلاعب بها أو فبركتها بواسطة كل الأشكال الإلكترونية، والمراقبة والتجسس على أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، والإستخدامات غير القانونية، واستخدام المقاطع الصوتية والفيديوهات واستعمالها في التنمر والإبتزاز والتحرش، وانتحال أسماء وشخصيات معروفة للإيقاع بالنساء والفتيات لاسيما في غرف الدردشة ووسائط الإعلام الاجتماعي.
تشير منظمة العفو الدولية في تقريرها عن العنف ضد المرأة عبر الإنترنت في سنة 2018، أن العنف الإلكتروني:” يتخذ أشكالا متعددة، منها التهديدات المباشرة أو غير المباشرة باستخدام العنف الجسدي أو الجنسي؛ والإساءة التي تستهدف جانبا أو أكثر من جوانب هوية المرأة، من قبيل العنصرية أو رهاب التحول الجنسي؛ والمضايقات المستهدفة؛ وانتهاكات الخصوصية، من قبيل نبش معلومات خاصة عن شخص ما ونشرها على الإنترنت بقصد إلحاق الأذى به؛ وتبادل صور جنسية أو حميمة للمرأة بدون موافقتها“.
فالنساء والفتيات المتعرضات للعنف السيبيراني تعاني من آثار شديدة الخطورة على المستوى الاجتماعي والنفسي، تتمثل في المشاكل العاطفية، وتفكك أسري، والخوف المستمر من الملاحقة ومن مغادرة المنزل، واللوم الاجتماعي، ومؤشرات على التحرش الجنسي والقلق وأعراض الاكتئاب، ومؤشرات لاضطراب ما بعد الصدمة، وزيادة القيود الاجتماعية، والتفكير في الانتحار، ونوبات الفزع والقلق، بالإضافة إلى التأثير السلبي على ممارسة حرية الرأي والتعبير والتمتع بحقوق الإنسان الأخرى.
حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط سنة 2020، فإن أكثر من نصف ضحايا العنف الجسدي أو الجنسي في سياق نشاطهن المهني صرحن بانخفاض في مردودية عملهن% 53، وحوالي% 40 منهن اضطررن إلى تغيير عملهن، بينما غادرت% 7 من الضحايا سوق الشغل كليا وبالتالي نقص الانتاجية.
بات من الضروري مواجهة ظاهرة العنف الإلكتروني ضد النساء، باتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير الوقائية وذلك بقيام الأجهزة الأمنية بوضع رقابة قانونية تساهم في الحد من تلك الظاهرة وآثارها الاجتماعية للأسرة والمجتمع، تنظيم دورات للفتيات والنساء على حسن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واستثمار الفوائد العلمية والثقافية والاجتماعية، توعية الشابات بمخاطر التكنولوجية الحديثة وعدم الإنجراف لمثل هذا العنف، فهذا الموضوع يسائلنا لتوفير تعبئة مجتمعية أولا ثم التكوين والتأهيل والرصد واليقظة لأن أشكال هذا العنف تتطور بشكل ملحوظ.
وهذا ما يدفع إلى طرح تساؤل جوهري، ماهي الآليات والوسائل لإضعاف هذه الممارسات في ظل التشريعات والقوانين الوطنية والدولية تحت التطور المهول الذي تعرفه التكنولوجيا خاصة بما يتعلق بحماية الحقوق والحريات؟