اتحاد العمل النسائي يحتفي بالناشط الحقوقي محمد فكري و كتابه “أمهات و أصفاد”
مغربيات
نظم اتحاد العمل النسائي فرع مراكش لقاءا تواصليا، أمس السبت 30 نونبر، تم خلاله تقديم كتاب “أمهات و أصفاد” للناشط الحقوقي و الكاتب محمد فكري.
و ذكرت رئيسة اتحاد العمل النسائي فرع مراكش سعيدة الوادي، أن هذا اللقاء يندرج في إطار الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النساء، حيث خصص لتقديم كتاب المناضل اليساري محمد فكري “أمهات و أصفاد” و الذي يوثق لفترة من تاريخ المغرب السياسي المعروفة بسنوات الجمر و الرصاص.
و أضافت أن الكاتب أسهم من خلال مؤلفه في حفظ ذاكرة النساء اللواتي تجرعت مرارة اعتقال أبنائهن و بناتهن، خلال رحلة البحث و تقصي أخبارهم، إما بسبب الاختفاء القسري أو الاعتقال أثناء المداهمات الليلية للبيوت، و بالتالي فهو يشكل اعترافا و تقديريا لما اسدته هؤلاء النساء في سبيل حرية أبنائهن، الذين حوكموا وعذبوا في السجون، في سنوات الرصاص.
و بدورها اعتبرت الناشطة و عضوة اتحاد العمل النسائي نعيمة أقداد أن كتاب “أمهات و أصفاد” لمحمد فكري وثيقة تاريخية جد مهمة في التاريخ السياسي المغربي كتبها بشجاعة أدبية و مواطنة صادقة.
و أضافت أن الكتاب هو نبش في ذاكرة المناضلين و المناضلات بل كل أحرار المغرب و جميع عائلات المعتقلين السياسيين و تحديدا نساء العائلة اللواتي يعتبرن في النسيج الاجتماعي رمزا للصبر و القوة، متحملات في ذلك ما لا يحتمل من فقد و انتظار، و سطرن أروع معاني التضحية في معركة البحث عن حقيقة مصير بأبنائهن عند أبواب مخافر الشرطة و السجون و أمام أبواب الوزارات (وزارة العدل) و وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، و المندوبية السامية للسجون و غيرها.
و نوهت بالمجهود الذي بذله الكاتب لإخراج هذه الوثيقة إلى الوجود، و التي أعادت الاعتبار لأمهات ضحين براحتها و خضن معركة طاحنة من أجل الكشف عن مصير أبنائهن المعتقلين و المغيبين قسرا.
و من جهتها قدمت الناشطة الحقوقية و الباحثة في قضايا النوع لطيفة البوحسيني قراءة مفصلة لكتاب “أمهات و أصفاد” الذي تكلفت بصياغة تقديمه، مبرزة أن مؤلف الكتاب محمد فكري وهو مناضل يساري و معتقل سياسي سابق ( قضى عشر سنوات في السجن)، أراد الحفاظ على ذاكرة عائلات المعتقلين السياسيين و تحديدا نساء العائلة، خاصة نساء الهامش الفقيرات و المعوزات و المتحدرات من المناطق النائية، معتبرة أن ذلك شكل وعيا حادا و حسا مرهفا و حرصا يقظا لديه على ما بذلته هؤلاء النساء من تضحيات تستحق التذكير بها للأجيال اللاحقة، فهن ساهمن في ملف حقوقي يعد بالغ الأهمية يتعلق بالتضييق على الحريات و الاعتقال و الاختفاء القسري و المحاكمات و الإضراب عن الطعام.
و أضافت أن كتاب ” أمهات و أصفاد” ليس عرفانا لما أسدته نساء مغربيات من تضحيات خلال مسيرة نضالية لجيل من شباب متطلع لمغرب الكرامة و المواساة و الديمقراطية لا مغرب السخرة و المهانة فقط، بل هو توثيق للحظة من لحظات تاريخ الصراع السياسي المغربي لبناء دولة الحق و القانون و المواطنة و الديمقراطية، والتي شاركت فيها النساء سواء مناضلات سياسيات أو كأمهات و شقيقات و صديقات و قريبات للمعتقلين السياسي
و لأن مضمون الكتاب يتقاطع بشكل كبير مع الحملة الأممية لمناهضة العنف، فقد أشارت البوحسيني إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعي وهو العنف الذي يستهدف المرأة بصفتها كذلك، أي لكونها امرأة، بمعنى أنه يستهدفها بناءا على هويتها كانتماء جنسي، أي كأنثى، هو عنف مبني على نسق ثقافي متكامل ينطلق من اعتبار المرأة كائن ضعيف قابل للسيطرة و الهيمنة، أي كائن تمارس عليه مختلف أشكال السلطة، المادي منها و المعنوي، و النفسي منها و الجسدي، إضافة إلى اللغوي و الرمزي و الاقتصادي وغيره.
و أبرزت أن هذا العنف لا يقع فقط في الفضاء العام و لا يقترف من أشخاص غرباء لا تربطهم أية صلة بالمرأة فحسب، بل قد تحدث وقائعه كذلك في فضاء حميمي، بين الجدران و لاتراه العيون و من طرف الأقرباء و الأشخاص الذين تربطهم مع الضحية علاقة حميمية و مشاعر نفسية و تاريخ مشترك و تفاصيل حياة يومية.
و اعتبرت أن إخراج العنف من الفضاء الحميمي الخاص إلى الفضاء العام شكل لحظة مفصلية للتصدي له، لعبت فيه المنظمات النسائية دورا لا يستهان به، حيث كان للحركة النسائية المغربية دور في الاعتراف به حكوميا على مستوى المغرب، و وضع السياسات و التشريعات للقضاء عليه.
و من جهته أكد محمد فكري صاحب الكتاب أنه أراد تسليط الضوء على نوع من نساء عائلات المعتقلين السياسيين وهن النساء المهمشات و اللواتي لم يتحدث عنهن أحد، جاء رغبة منه في حفظ هذه الذاكرة الجمعية.
و أكد أن هؤلاء النساء لم يسبق لهن أن خرجن أو اقتحمن بعض الفضاءات كمخافر الشرطة و المحاكم و السجون و المستشفيات قبل أن يتم اعتقال أبنائهن، دون أن يكن على علم بانتماءاتهم السياسية السرية.
و أشار إلى أنه شعر أن من واجبه أن يسلط الضوء على هؤلاء النساء حتى لا يطويهن النسيان، و أن يكشف عن رحلة المعاناة التي خضنها من أجل حرية أبنائهن، حيث رحلت العديد منهن دون أن تعانق من جيد فلذة كبدها.
و بدورها قدمت الناشطة الحقوقية أمينة بيان شهادة مؤثرة عن رحلة جدتها التي انتظرت خروج ابنها من المعتقل و عودة ابنتها من المنفى الاختياري الذي لجأت إليه حتى لا يلقى عليه القبض و تلقى نفس مصير شقيقها.
و ذكرت أنها كانت ترافق جدتها و هي لا تزال بعد طفلة لا يتجاوز عمرها 13 سنة، حين كانت تذهب لزيارته بشكل دوري في المعتقل، سواء بسجن لعلو بالرباط أو السجن المركزي بمدينة القنيطرة.
و أكدت أنها لم تكن تعلم أن جدتها تلك المرأة البسيطة تتمتع بتلك القوة التي كانت تراها عليها كلما رافقتها في إحدى الزيارات، حيث كانت تنتفض في وجه الحراس في المعتقل، و هي تصرخ في وجههم أن ابنها معتقل سياسي اعتقل من أجل الدفاع عن مغرب الكرامة، و ليس بقاتل أو سارق.
و لفتت إلى أن بيت الجدة كان دائما فضاءا للتجمعات و النقاش الهادر و الساخن، و أنها تربت في أجواء تسودها روح القيم التي تدافع عن الكرامة و المساواة من أجل مغرب أفضل.
و عبرت عن استيائها لكون تلك الأم المكلومة انتظرت عودة ابن محكوم بثلاثين سنة سجنا نافذا، لكنها فارقت الحياة دون أن تعانقه، حيث غادر السجن بعد أن قضى به 15 سنة.
وتخلل اللقاء لحظة شعرية فارقة، حيث ألقت كل من الشاعرتين فوزية رفيق الحيضوري و مليكة العلوي، قصائد تتناول قضايا تزويج الطفلات و مساندة الشعب الفلسطيني الصامد تحت القصف و الإبادة الجماعية.
و في ختام اللقاء تم تقديم هدايا رمزية تقديرية للمحتفى به محمد فكري، عرفانا و تقديرا للمجهود الذي بذله من أجل أن تبقى الذاكرة النسوية لعائلات المعتقلين السياسيين نابضة بالحياة.
و قام الفنان عزيز باعلي بتنشيط اللقاء بباقة من الأغاني الملتزمة من أشعار الشاعرين الفلسطينيين محمود درويش و توفيق زياد بقيثارته التي أضفت أنسا و دفئا على المكان.
جانب من الحضور
أمينة بيان أثناء تقديم شهادتها
الشاعرة فوزية رفيق الحيضوري