هشام العسري : في جل أعمالي المرأة قوية قادرة على تجاوز المحن
هشام العسري مخرج لا يشبه إلا نفسه. منذ اقتحامه مواضيع سياسية و دخوله لعوالم رأى فيها البعض أنها دوائر خطرة، لأنها تتطلب معالجة فنية رفيعة تليق بحرارة الموضوع، خاصة حين يتعلق الأمر بانتفاضة “كوميرة” لسنة 1981 التي تناولها في فيلمه “هم كلاب“، وهو مثير لانتقادات الكثيرين. عن حضور المرأة في أعماله، “مغربيات” التقت هشام العسري، حين حل ضيفا على الورشة التفاعلية التي نظمتها الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري حول “تمثلات المرأة في الأفلام السينمائية و الأعمال التلفزية” خلال المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، وسألته عن رأيه في الموضوع..
مغربيات : الملاحظ أنه في بعض أعمالك نجد تيمة “المرأة” حاضرة بقوة. ما سبب هذا لاهتمام بالمرأة على وجه الخصوص؟
أعتقد أنني عندما أقوم بأي عمل أقوم به من باب التحدي أولا. أختار دائما شخصيات نسائية لكن بعيدا عن الضعيفات، المستسلمات، و الخانعات، بحيث أنه في جل أعمالي أتناول المرأة المكافحة، الصامدة، التي مرت بمحن لكنها استطاعت أن تتجاوزها بكل قوة وشجاعة، لأنني أرى أن هذا النوع من النساء موجود في مجتمعنا، و أنا كمخرج أفلام، ينبغي أن أتناول هذه القضايا دون أن أعبر عن التباهي بالفهم العميق للأشياء، لكني، في المقابل، سأمرر رسائل بطريقة إبداعية فيها فن جميل. عندما أتناول فترة سنوات الرصاص، مثلا، فإنني أركز على هؤلاء النسوه اللواتي أُعتقل أزواجهن و عانين في تربية الأبناء، لكنهن واجهن الحياة بصمود وكبرياء أيضا.
لكن لماذا تحديدا هذا التعاطف مع النساء ؟
لا أعتقد أن المسألة ترتبط بتعاطف مع المرأة، بالعكس أنا أومن بأن المرأة هي محور المجتمع المغربي. هي الأم التي تربي و تكافح، بالنسبة لي والدتي هي من قامت بتربيتي و هي من لقنتني اللغة الفرنسية واللغة العربية عن طريق قصص الأطفال المصورة و علمتني العديد من الأشياء.
في الواقع عندما أتناول شخصية في فيلم ما، فأنا لا أنظر لها إن كانت امرأة أم رجل، ما يهمني بالأساس هو موقع الشخصية في القصة، وما يمكن أن تثيره هذه الشخصية، فالمشاعر الإنسانية واحدة سواء كانت الشخصية رجلا أم امرأة.
هناك من يعتبر أن إدراج خطابات في بعض الأفلام التي ربما تروج لصورة نمطية للمرأة ينبغي القطع معها، وترويج خطاب أكثر حداثة وانفتاحا بعيدا عن النكوصية، و بالتالي سيجد المخرج نفسه تماما مثل المثقف الذي يعيش في برج عاجي بعيدا عن الواقع. هل تتفق مع هذا الرأي؟
أرى أنه يمكن معالجة الموضوع سينمائيا من زاوية أخرى. مثلا إذا كنت أريد أن أجسد شخصية رجل مهووس بالنساء، فيجب أن أضع في المقابل رجلا آخر بوجهة نظر أخرى، و خلال تسلسل الأحداث أسجل تطور الرجل المهووس و تأثره مثلا بوجهة النظر الأخرى، ومن هنا أكون قد عالجت الإشكال المطروح. لهذا فالمفروض في كاتب السيناريو أن يكتب بوعي، حتى لا يُخرج بشكل لا إرادي الصور النمطية التي ترسخت في لاوعيه منذ التنشئة و تمريرها في الفيلم عبر رسائل تكرس هذه النكوصية التي تغزو المجتمع.
هل هذا المشكل يقتصر على كاتب السيناريو فقط أم أنه يواجه حتى المخرج؟
إذا كان السيناريست يصور المرأة بصورة نمطية في السيناريو فأكيد أن المخرج بدوره سيصورها بنفس الطريقة، بالضبط كما جاءت في النص المكتوب، و بالتالي على المخرج أو كاتب السيناريو أن يدرس بشكل دقيق كل ما يصدر أو يصور بالكاميرا، قبل أن يحوله للفيلم، لأن ذلك من شأنه أن يمرر الكثير من الرسائل التي تكرس الصورة النمطية للمرأة. يجب أن نعرف بأن خطاب النسوية أو الخطاب التواق لتحرير المجتمع من التمثلات النمطية للمرأة، لا يكون دائما مفهوما من طرف الجمهور، و بالتالي إذا كانت فئة قادرة على استيعاب هذا الخطاب فهناك فئة أخرى لا يمكنها فهم هذه اللغة.
كيف تفسر ضعف نسبة المخرجات من حيث عددهن الطويل مقارنة بوزنهن السينمائي المهم من حيث الحصول على الجوائز؟
شيء جميل طبعا، هذا يعني أن النساء المخرجات هن اليوم في الطليعة، وهذا طبعا يسعدني جدا. يجب أن نفهم شيئا أساسيا وهو أنه عندما تكون فنانا أو مخرجا فإنه لا يطلب منك أن تأتي لتأخذ مكانا على كرسي يكون مهيئا لك. علينا أن نعي بأن الفنان بشكل عام هو كائن يخوض صراعا و معارك لا حصر لها، مع نفسه و مع أفكاره ومع محيطه و المجتمع، وهناك الموهوب وهناك غير الموهوب، المتمكن من أدوات اشتغاله وغير المتمكن..بالنسبة لي لا أقيم الأعمال بناءا على كون المخرج امرأة أو رجل، بالنسبة لي هناك مخرجون جيدون وهناك أقل من جيدين، ثم هناك أفلاما حيدة و أفلاما غير جيدة.
كيف ترى السينما النسائية في المغرب، أي السينما التي تخرجها نساء؟
بالنسبة لي لا أنظر إلى المسألة بهذا الشكل. لا يهمني إن كان المخرج امرأة أو رجلا كما قلت. ما يعنيني هو الفيلم في حد ذاته، هل هو جيد أو لا، بغض النظر عن من أخرجه. لكن ذلك لا يمنع بأن نعترف بأن هناك نساء أصبحن اليوم يقتحمن عالم الإخراج و الإنتاج كذلك ثم كتابة السيناريو وهن قادمات بقوة ويفرضن أنفسهن في السينما. صحيح أن هناك صورا نمطية نحتاج لمحوها مثل “المرا حاشاك” ، لكن ذلك ليس من مهام السينمائي وحده، بل هو عمل المربي و المعلم و كل أفراد المجتمع، كل من موقعه.