المغرب … تقرير يرصد استجابة العدالة الجنائية لحالات العنف ضد النساء

مغربيات

أجمع مشاركون في لقاء تواصلي بمراكش  أن العنف ضد النساء يعد من أكثر الظواهر الاجتماعية تعقيدا و تأثيرا على الحقوق الأساسية للمرأة، حيث يشكل حاجزا رئيسيا أمام تحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين و ضمان الحقوق الإنسانية للنساء، مبرزين أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يتسم بتعدد أبعاده، إذ تتداخل فيه العوامل الاجتماعية، الاقتصادية و الثقافية، مما يستدعي استجابات قانونية و مؤسساتية فعالة و متكاملة لضمان حماية الضحايا و محاسبة الجناة. 

 نظمت جمعية “عدالة من أجل محاكمة عادلة” بشراكة مع جمعيات محلية و بدعم من مركز “جنيف لحوكمة قطاع الأمن” (DCAF) ندوة، أمس الخميس  الماضي بمراكش، قدمت خلالها تقريرا حول تقييم نتائج مؤشر مدى رضا النساء الناجيات من العنف عن استجابة منظومة العدالة الجنائية في جهة مراكش، أسفي، و ذلك بناءا على معطيات تم جمعها خلال سنتي 2023 و 2034.

و أوضحت رئيسة جمعية “عدالة من أجل محاكمة عادية” جميلة السيوري أن التقرير الذي أنجز يستند على استبيانات و مقابلات ميدانية أجريت مع الناجيات من العنف في مدن مختلفة، حيث تم قياس مدى فعالية الخدمات المقدمة من قبل الجهات المختصة بما في ذلك الشركة، الدرك الملكي، و الهيئات القضائية و خلايا التكفل بنساء معنفات و مهنيي الصحة، إلى جانب تقييم جودة الدعم النفسي و الاجتماعي و القانوني. 

تحسن ملحوظ في التفاعل مع الناجيات

و قالت إن التقرير شمل استجواب 124 من النساء الناجيات من العنف في ثلاث مدن مختلفة وهي بن جرير، قلعة السراغنة و الصويرة و ذلك ما بين سنتي 2023 و 2024، من بينهن متزوجات، مطلقات و أرامل و عازبات و منفصلات عن الشريك، تتراوح أعمارهن بين 17 و 60 سنة. 

و أشارت، بالاستناد إلى تقرير المؤشر على أن معدل الرضا العام بلغ 58،92 في المائة سنة 2023 لينخفض إلى 53،99 في المائة سنة 2024، مما يشير إلى وجود تفاوت في جودة الخدمات المقدمة، و استمرار بعض التحديات التي تواجه الناجيات عند لجوئه إلى العدالة. 

و لفتت إلى أن مؤشر الرضا لدى الناجيات شمل عدة جوانب منها طريقة الاستقبال و التعامل التي حققت نسبة رضا بلغت 78،74 في المائة سنة 2024، مما يدل على تحسن واضح في كيفية استقبال الناجيات و معاملتهن باحترام، كما سجل وضوح لغة التواصل نسبة بلغت 79،02 في المائة، مما يعكس استخدام لغة ملائمة مثل الدراجة المغربية و الأمازيغية لضمان استيعاب الناجيات لمعلوماتها القانونية.

و بشأن الجوانب و الخدمات التي تحتاج إلى تحسن أشارت إلى أهمية المتابعة و الدعم النفسي الذي لايزال عند مستوى 43،66 في المائة، مما يشير إلى قصور في تقديم خدمات الدعم النفسي المستدامة، كما سجلت الإحالة إلى المصالح الصحية نسبة 40،86 في المائة فقك، وهو ما يعكس ضعفا في توفير العلاجات الطبية و النفسية الضرورية للناجيات المعرضات للخطر.

وحول إمكانية الولوج إلى الخدمات خارج أوقات العمل الرسمية، أشارت إلى أن نسبة الرضا بلغت 46،51 في المائة، مما يشير إلى غياب خدمات الطوارئ أو المداومة الكافية لتلبية احتياجات الناجيات في أي وقت. 

و خلصت إلى أن التقرير كشف عن تحسن ملحوظ في بعض الجوانب مثل الاستقبال و التفاعل مع الناجيات، لكن التحديات ما تزال قائمة في مجالات الدعم النفسي و الحماية و التوجيه إلى الخدمات الأساسية، حيث يبقى تعزيز استجابة العدالة الجنائية و التكفل المتكامل الناجيات ضرورة ملحة لحصولهن على حقوقهن و للحد من ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي. 

و لاستجابة العدالة الجنائية لحالات العنف ضد النساء، أكدت أن التقرير أوصى بتعزيز خدمات الدعم النفسي و الاجتماعي للناجيات عبر توفير مختصين نفسيين داخل مراكز الشرطة و المحاكم، و تحسين آليات التوجيه إلى المصالح الصحية و الملاجئ لضمان توفير الرعاية الكاملة للناجيات الأكثر عرضة للخطر، و كذلك إعادة النظر في متطلبات الإثبات القانونية لتسهيل عملية التقاضي دون إثقال كاهل الناجيات بإجراءات معقدة، و تعزيز برامج التوعية و التدريب لموظفي العدالة و الأمن لضمان تعامل أكثر احترافية و إنسانية مع الناجيات. 

العنف ظاهرة مقلقة 

يعد العنف ضد النساء و الفتيات في المغرب من الظواهر الاجتماعية المقلقة التي تهدد الحقوق الأساسية و تعيق تحقيق المساواة بين الجنسين، و في هذا الصدد قد أكد الحاضرون/ت على أن الاستراتيجية الحكومية تبقى غبر قادرة على تلبية احتياجات النساء ضحايا العنف و لا تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة البنيوية للعنف، حيث اقتصر القانون 103-13 على تعديل بعض مواد التشريع الجنائي دون الاستجابة للمعايير الدولية، رغم الملاحظات و الاقتراحات العديدة من المنظمات غير الحكومية و المؤسسات الوطنية. 

و بشأن ولوج النساء إلى العدالة قالت جميلة السيوري إن هناك عدة عوامل تعيق وصول النساء إلى العدالة منها العراقيل المالية مثل انعدام المساعدة القضائية خارج القضايا الجنائية و تكاليف التنقل، و الإجراءات القانونية المعقدة و الثقيلة و كذلك العراقيل القانونية مثل تحميل الضحية عبء الإثبات، و اشتراط شهادة طبية  تتضمن 21 يوما على الأقل من العجز لتسجيل الشكوى المتعلقة بالعنف الجسدي. 

وحول العراقيل اللوجستية أشارت إلى أن النساء القرويات تواجهن صعوبات أثناء التنقل إلى المدينة و النساء في وضعية إعاقة، بالإضافة إلى العراقيل اللغوية، حيث يطرح استخدام اللغة العربية حصريا مشكلة للمتقاضيات اللواتي لا يتقن هذه اللغة، كما أن اللغة القانونية غالبا ما تكون غير مفهومة بالنسبة للضحايا.  وخلصت إلى أن الدراسة التي أنجزها مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن و جمعية عدالة حول “استجابة القطاع القضائي للعنف ضد النساء في المغرب” فعالية محدودة لاستجابة قطاع العدالة لحالات العنف ضد النساء، وهي دون المستوى المطلوب في ضوء الالتزامات القانونية و السياسية و المؤسساتية و الدولية للمغرب. 

و بشأن عدم التبليغ عن الحوادث لفتت إلى أن النظام القضائي المغربي لا يسجل معظم حوادث العنف ضد النساء، إذ سيبلغ معدل تقديم الشكايات 10،4 في المائة و 3 في المائة فقط في حالات العنف الجنسي.

و أشارت إلى أنه عندما يتم التبليغ عن هذه الحوادث لدى السلطات المختصة، يتم حفظ معظم الشكايات المقدمة أو أنها تنتهي بالبراءة، حيث يصل تبخر الشكايات إلى 89،4 في المائة، و غالبا ما تكون الأحكام لتي يصدرها القضاء أقل مما يتطلبه القانون، حيث يبغ معدل الإدانة 60،5 في المائة، و معظمها لا يؤدي إلى عقوبات سالبة للحرية. 

تحديات تحول دون إنصاف النساء ضحايا العنف 

من بين الصعوبات و التحديات التي تعترض النساء ضحايا العنف، أكد المتدخلون على أن هناك التعاطي الروتيني للقضاء و مختلف الآليات أساسا خلايا التكفل بالنساء و أطفالهن، مع استمرار تدخل الشرطة الإدارية و القضائية بشكل تلقائي تحت غطاء غياب تعليمات النيابة العامة. 

و أشاروا إلى الضغط على النساء المعنفات بمختلف الوسائل لحثهن على التراجع عن المطالبة بحقوقهن و التنازل عن شكواهن، و استبعاد الشهادة الطبية و إفراغها من أهميتها بوصفها قرينة على حدوث العنف ووسيلة إثبات، و كذا بطء المساطر و الإجراءات و تعقيدها. 

و و انتقدوا غياب حماية المرأة و الأطفال داخل البيت و عدم التدخل من قبل الشرطة في حالة التلبس بالجريمة، و ذلك بحجة حرمة المسكن، و ضرورة انتظار أوامر النيابة العامة، مما يتيح فرصة محو الجريمة، و يشجع على حالة العود.

كما طالبوا بالحد من التطبيع المجتمعي مع العنف، مما يقلص من حالات التبليغ لدى الجيران و الشهود و من تحمسهم لتقديم شهاداتهم عند الاقتضاء، وكذا الحد من المفاهيم و المعتقدات و السلوكيات السلبية تجاه النساء و الفتيات الناجيات من العنف و توفير الموارد المالية لتمويل و توفير موازنات ضمن المؤسسات الحكومية للوقاية من العنف.  

About Post Author