أية حماية لحقوق النساء في عصر الذكاء الاصطناعي؟

رغم أن العولمة التكنولوجية سهلت إلى حد كبير ثورة حقوق الإنسان و فتحت فضاء جديدا لممارسة الحريات، فإنها بالموازاة مع ذلك تطرح مجموعة من التحديات بالنظر إلى مخاطر الاستعمال الواسع لهذا الفضاء، و استثماره من طرف البعض في أشياء سلبية أدت لظهور مجموعة من القضايا الدولية التي يجب أن يجد لها المجتمع الدولي حلولا مثل الأمن الالكتروني و الجريمة الالكترونية بل إن الأنترنيت أصبح يستعمل ضد الأمن القومي للدول ضد سيادتها.

الأكيد أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل كبير على حقوق الإنسان عامة و حقوق النساء بشكل خاص مما يجعلنا نطرح الجواب على ملحاح السؤال:

أية حماية لحقوق النساء في عصر الذكاء الاصطناعي ؟ و هل الآليات الدولية الحالية كفيلة بضمان هذه الحقوق في عصر الذكاء الاصطناعي أم يتعين مراجعتها وفق ما تقتضيه التحديات الراهنة؟ ثم كيف يمكن مواجهة هذه التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي لحماية وضمان حقوق النساء؟

هذه الورقة هي بمثابة نداء للتفكير في وضع استراتيجيات مستقبلية استشرافية كفيلة بضمان الحماية القانونية لحقوق النساء في عصر الدكاء الاصطناعي :

حقوق النساء وتحديات الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي يتطور بسرعة و هذا سينعكس بشكل كبير على حياة الأفراد في العقد القادم. وسيخلق فرصا جديدة في مجالات الصحة والتعليم لكن يعمل بالمقابل على تعزيز التمييز و الفوارق بين الفئات الاجتماعية و بين النساء و الرجال، كما سيساهم في تنامي مظاهر جديدة من العنف التي اصبحنا نراها في الفضاء الالكتروني،

و هنا يطرح تحد أساسي و هو ضرورة تحقيق التوازن بين حماية حقوق النساء و تحقيق التنمية الاقتصادية التي ترتكز على ثورة الذكاء الاصطناعي و الذي يعتبر الأنترنيت وقوده يرهن الى حد كبير تمتع الافراد بحقوقهم الواردة في الإعلان العالمي لحقو الإنسان و العهدين الدوليين و إعلان الحق في التنمية إلى غير ذلك من المواثيق الدولية لحقوق الانسان، هذا ما يؤكده ميثاق حقوق الانسان و المبادئ على الأنترنيت.

ويشمل عشر مبادئ لحقوق الإنسان في الفضاء الالكتروني أولها الحق في الوصول للأنترنيت للجميع باعتباره يمكن الجميع من الوصول إلى الحقوق الأساسية من حرية تعبير ومساواة وتعليم الخ، بدءا بالهواتف الذكية مرورا بالأقمار الاصطناعية و صولا الى الروبوتات القادرة على تطوير نفسها بنفسها، كلها تعتمد على الانترنيت الذي تعتبره هيئة الأمم المتحدة حقا من حقوق الإنسان الأساسية وفي نفس الوقت هو وقود الذكاء الاصطناعي.

حسب تقرير هيئة الأمم المتحدة حول شبكة الأنترنت الصادر في 3 يونيو2011 :

«وبالنظر إلى أن الأنترنت أصبحت أداة لا غنى عنها لتحقيق عدد من مبادئ حقوق الإنسان، ومكافحة عدم المساواة، وتسريع التنمية والتقدم الإنساني، ينبغي ضمان حصول الجميع على خدمة شبكة الإنترنت وأن يكون من أولويات جميع الدول».

الفقرة الثالثة من المادة الثانية من هذا الميثاق تنص علىالحقّ في عدم التمييز في الوصول إلى الإنترنت واستخدامه و حوكمته : و يتضمن هذا الحق في المساواة في الوصول إلى الأنترنت لأن ذلك يضمن المساواة في باقي الحقوق الأساسية.

المجموعات المهمشة

يجب معالجة الحاجات الخاصة لأي فرد في استخدام الانترنت حيث أنها تُشكِّل جزءاً من حقّ هؤلاء الأفراد في الكرامة والمشاركة في الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة واحترام الحقوق الإنسانيّة.

لكن السؤال المطروح هنا كيف يمكن للدولة ضمان هذا الحق على وجه الخصوص للنساء ؟

عدد الافراد المنخرطين في الأنترنيت الذي يصل في المغرب مثلا إلى58 في المئة و أكثر من 90 في المئة تستعمل الأنترنيت في تبادل المعلومات و الصور و ليس للتعلم.هناك أيضا مشكل الأمية و اللغة

الحقوق الاقتصادية :

التمكين الاقتصادي رهين بالتمكين التكنولوجي.

مجموعة من تقارير المؤسسات الدولية المبنية على المقاربة الاستشرافية تؤكد اختفاء مجموعة من الوظائف و ظهور وطائف جديدة تتطلب مستوى تعليمي عال، الإجازة على الأقل و مهارات معينة أهمها القدرة على الإبداع والابتكار، و عموما تتراوح التقديرات بين 20 و 25٪ فيما يخص الوظائف الحالية المعرضة لمخاطر في 2030 حسب البلد فيما يخص بلدان شرق آسيا وشمال أوروبا ذات مستويات التعليم المرتفعة نسبياً ، ستصل إلى أكثر من 40٪ في اقتصادات أوروبا الشرقية حيث لا يزال الإنتاج الصناعي.

و بالنظر إلى نسبة الأمية التكنولوجية و نسبة النساء اللائي لا يجدن القراءة و الكتابة و التي تبقى جد مرتفعة في دول الجنوب العالمي أكثر بكثير منها في باقي الدول.

و من بين الحلول البديلة نجد ألية تعرف ب “universal based income” أي منح أجر شهري يتراوح ما بين 600 و 700 دولار في الشهر تكفل العيش الكريم دون أن يقوم الفرد بأي عمل مقابل ذلك الأجر. و هذه هي إحدى الآليات التي اعتمدتها بعض الدول لتدبير الشهور الأولى من الجائحة بعد تجربتها منذ سنوات في بعض الدول كمشاريع نمودجية في كل من الصين و الولايات المتحدة الامريكية و فنلندا و بعض الدول الافريقية مثل غانا و كينيا.

الحق في المساواة وعدم التمييز:

بقدر ما يساهم الذكاء الاصطناعي في الاستفادة من الأنترنيت و المحتوى الذي يشمله و يسهل التواصل بقدر ما يعزز التحيز لآراء دون أخرى و يشجع على الاستقطاب و التحيز والتمييز ضد بعض الفئات الهشة.

إن العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تعرف تاء التأنيث لأن البرمجة التي يقوم بها غالبا الذكور باعتبار نسبة الخبراء الذكور في مجال الذكاء الاصطناعي تفوق نسبة الإناث، و هذا ما يفسر أيضا تأثير الصور النمطية على صانعي الروبوتات الذين يفضلون صناعة الربوت على شكل امرأة و حمل غالبية الروبوتات أسماء نساء و حتى الصوت الذي يستعمل في أنظمة الذكاء الاصطناعي بدءا من “GOOGLE” و”SIRI” في هواتف الآبل “APPLE”.

الآليات الدولية لحماية حقوق النساء من مخاطر الذكاء الاصطناعي

بقدر ما تساخم تكنولوجيا الذكاءالاصطناعي حلولا لتحقيق التنمية الاقتصادية و تسريع وثيرتها، بقدر ما تهدد حقوق الإنسان بشكل عام و حثوث الفئات الهشة مثل النساء يشكل خاص. لذالك انخرط المجتمع الدولي بقوة قي وضع ما يلزم من آليات لمواجهة هذه المخاطر نذكر من بينها :

إعلان تورونتو لحماية الحق في المساواة و عدم التمييز في أنظمة التعلم الآلي الصادر في 16 مايو 2018: الذي يؤكد في ديباجته على إمكانية استثمار أجهزة الذكاء الاصطناعي لحماية حقوق الانسان و ضمانها لكافة الأفراد.

المجلس الاوروبي، اللجنة الأوروبية لفعالية العدالة (Council of Europe European Commission for the efficiency of justice CEPEJ)

انشأ مجموعة من الخبراء المتعددة التخصاصات لوضع قواعد لاستخدام الخوارزميات وفق القواعد الاخلاقية في نظام العدالة.

اعتمد الاتحاد الأوروبي إطارًا جديدًا لحماية البيانات الشخصية يعرف اختصارا ب (General Data Protection Regulation GDPR)، و الهدف منه تعزيز حماية البيانات الشخصية في كل القطاعات بما في ذلك مجال الصحة و الخدمات المصرفية و غيرها.

مشروع التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الذي ستعرضه اليونسكو للتصويت في الجمعية العامة و التي ستنعقد خلال هذا الشهر. و قد أدرجت  اليونسكو ضمن هذا المشروع العديد من التدابير و الإجراءات التي ينبغي على الدول اتحادها لحماية حقوق النساء من مخاطر الذكاء الاصطناعي، و أدرجت المساواة و مناهضة التمييز المبني على النوع ضمن المبادئ و القيم الإنسانية، التي أكد مشروع التوصية على ضرورة احترامها من طرف الخبراء الذين يطورون أنظمة الذكاء الاصطناعي، و من طرف المستعملين لها سواء كانوا حكومات أو منظمات دولية أو جمعيات المجتمع المدني أو شركات أو أفراد و في كافة المجالات .

الأمر لا يتعلق فقط باحترام حقوق النساء بل بالمحافظة على القيم الانسانية في عصر الذكاء الاصطناعي.

لذلك، إضافة إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني يفرض الذكاء الاصطناعي ضرورة إعادة التفكير في السياسات العمومية و التشريعات داخل كل دولة ووضع الاستراتيجيات الكفيلة بضمان حقوق النساء في عصر الذكاء الاصطناعيو الارتقاء بالوعي الاجتماعي لضمان انخراط الجميع في تعزيز الاستفادة بشكل متساوي من ايجابيات هذه التكنولوجيا و التقليل من مخاطرها.

About Post Author