“شظايا من السماء” فيلم لعدنان بركة ضمن المسابقة الرسمية ل”فيدادوك”
بقلم : أحمد سيجلماسي
أول فيلم من أفلام المسابقة الرسمية شاهدته وحضرت مناقشته، مباشرة بعد قدومي إلى أكادير زوال يوم الثلاثاء 6 يونيو الجاري،” بدعوة كريمة من إدارة المهرجان الدولي للشريط الوثائقي بقيادة المبدع والسينفيلي الكبير هشام فلاح، كان هو “شظايا من السماء” لمخرجه المغربي عدنان بركة. شدني هذا الفيلم الممتع من بدايته إلى نهايته بتمكن مبدعه من المزج بين العلم (مساهمة الأستاذ الباحث بجامعة ابن زهر عبد الرحمان إبهي) والحكمة الشعبية (مشاركة محمد أوبخا وصوته الخارجي بالخصوص)، التي تترجم خلاصة تجربة حياتية في علاقتها بالكون وظواهره، في قالب فني ممتع تحضر فيه الموسيقى كعنصر جمالي قوي من عناصر التعبير السينمائي. فرغم إيقاع الفيلم، الذي قد يبدو رتيبا أو بطيئا بالنسبة للبعض، لم أشعر بالملل. بل ازدادت متعتي في مشاهد الفيلم الأخيرة خصوصا، التي امتزجت فيها بطريقة لا تخلو من شاعرية صور تعكس عظمة الكون وما تزخر به عوالمه السماوية من كواكب ومجرات (الأرض والقمر…) وشظايا متساقطة منها، بمقاطع موسيقية جميلة وجد معبرة، في تناغم وانسجام تامين بين المرئي والمسموع.
ومما سلط مزيدا من الأضواء على هذا العمل السينمائي المشرف للفيلموغرافيا الوثائقية المغربية المناقشة المثمرة التي تلت عرضه مباشرة بتسيير جيد من هشام فلاح ومشاركة فعالة لمخرجه ومن معه من طاقم الفيلم، الذين أجابوا بأريحية وسخاء على أسئلة الجمهور الذواق الذي امتلأت به جنبات قاعة سينما الصحراء الجميلة. فقد أظهرت هذه المناقشة الممتعة مدى المجهود الكبير المبذول على مدى سنوات (منذ سنة 2015) من طرف كاتبه ومخرجه والعاملين معه للوصول في النهاية (سنة 2023) إلى هذه النسخة من الفيلم (84 دقيقة). كما أظهرت أن الورشات التكوينية، التي راهن عليها مهرجان “فيدادوك” منذ انطلاقته أعطت ولازالت تعطي ثمارها، من خلال إنجاز أفلام مشرفة من قبيل “شظايا من السماء” وغيره من الأفلام.
كان للجمهور أيضا لقاء صباح يوم الأربعاء بنفس القاعة السينمائية مع طاقم فيلم “شظايا من السماء” للحديث بتفاصيل عن شكله وموضوعه وطريقة إنجازه، بتنشيط من إقبال زليلة، الصحافي والناقد السينمائي والأستاذ الجامعي التونسي المعروف، الذي ساهم ولا يزال في تدريب مخرجات ومخرجين شباب في إطار ورشة كتابة الشريط الوثائقي التي ينظمها مهرجان “فيدادوك”، وللتعريف أيضا بمسار المخرج عدنان، خريج المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش (ESAV)، وباهتمامات الأستاذ الجامعي والفاعل الجمعوي في مجال الثقافة العلمية الدكتور عبد الرحمان إبهي صاحب كتاب “المرشد في النيازك” وغيره. من خلال هذا اللقاء تعرف الجمهور الحاضر على مراحل إنجاز الفيلم وطريقة التعاون بين مخرجه وشخصياته الرئيسية (محمد وعبد الرحمان بشكل خاص) واختيار المقاطع الموسيقية الموظفة فيه وصور المشهد الأخير حول تشكل الأرض والقمر وغيرهما من الكواكب وما تثيره الأحجار السماوية (النيازك) من تساؤلات فلسفية ميتافيزيقية وغير ذلك…
كما كان للجمهور لقاء ثاني مع مهندسة الصوت سارة قدوري، على شكل ماستر كلاس، نشطه هشام فلاح، أثيرت فيه العديد من القضايا المرتبطة بالشريط الصوتي للأفلام وكيفية تأثيثه بمختلف الأصوات وتركيبها لتقوم بوظيفتها التعبيرية على الشكل الأكمل. وليكون درسها عمليا عرضت سارة وحللت مقاطع من فيلم “شظايا من السماء”، أشرفت على تركيبها صوتيا، لتظهر من خلال ذلك أن للصوت أهمية قصوى في الأفلام وأدوارا مختلفة. وقبل ذلك عرفت بمسارها المهني منذ دراستها بالمدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش وتخصصها في مجال الصوتيات، بعد أن لاحظت نقصا كبيرا في المتخصصين في هذا الحقل الإبداعي، واشتغالها بعد ذلك في العديد من الأفلام الروائية والوثائقية داخل المغرب وخارجه، بما في ذلك فيلم “شظايا من السماء”. ولم يفتها التذكير بأن مهندس الصوت هو بمثابة أذن المخرج أثناء التصوير، وهذه الأذن عليها أن تكون يقظة لحظة التقاط الأصوات ولحظة انتقاء المناسب منها أثناء عملية المونطاج الصوتي.
ما أثار اهتمامي وغذى فضولي هو سعة صدر المخرج عدنان بركة ومهندسة الصوت سارة قدوري وثقافتهما الواسعة في مجالي تخصصهما وقدرتهما الواضحة على الإقناع من خلال إجابتهما على مختلف أسئلة الحاضرين ومن بينها سؤالين لي حول المقاطع الموسيقية الموظفة في الفيلم (بالنسبة للمخرج بركة) وحول إمكانية الإستغناء عن الصوت في بعض مشاهد الأفلام (بالنسبة للمهندسة قدوري).
وبناء على ما سبق يمكنني الجزم بأن المهرجان الدولي للشريط الوثائقي بأكادير (FIDADOC) أصبح يشكل موعدا سنويا لا يمكن تجاوزه بالنسبة لعشاق السينما الوثائقية بالمغرب (وخارجه)، وخصوصا الشباب منهم وطلبة المعاهد السينمائية والسمعية البصرية الراغبين في التخصص في هذا الجنس الإبداعي الذي يتطلب موهبة خاصة وبذل مجهود لا يستهان به في البحث والتكوين الذاتي والإنفتاح على تجارب الآخرين.
تحية حارة للمشرفين على هذا المهرجان السينمائي الفريد من نوعه بالمغرب، وعلى رأسهم الدينامو هشام فلاح.