مغاربة التيك توك..
ربورتاج : هشام كَنيش
في الفترة القليلة الماضية شهدنا تعطلاً في خدمة بعض منصات التواصل الاجتماعي (الفايسبوك، الانستغرام، الواتساب) لبضع ساعات في العديد من مناطق العالم. وقد كانت تلك الساعات القليلة كافية، في الواقع، للتعرف والتأكيد على العلاقة القوية التي أضحت تربط بين هذه المنصات التكنولوجية الجديدة وروادها، حيث إن الزمن يسير ببطء مخيف وشعر الناس بفراغ مفزع في تلك اللحظة القصيرة، كما لو أن شيئا كان بين الأيدي وضاع فجأة، لتتناسل الأسئلة حول مدة عودته من جديد. ولا شك في أن هذه العلاقة ليست وليدة الأمس، بل إنها انتظمت وتشكلت على امتداد مراحل ومحطات تاريخية عديدة.
مع نهاية الربع الأخير من القرن العشرين، خَبِرَ العالم تحولات عميقة قلبت المنظر المجتمعي بأكمله، وكان لها العديد من الآثارالاقتصادية والاجتماعية والثقافية القوية. يتصل الأمر بثورة تكنولوجية، معلوماتية بالأساس، غيرت طريقة التفكير، والاستهلاك، والبيع والشراء، وتوجيه عمل المقاولات، وأساليب العيش والحياة.. وهي ثورة قادت العالم إلى التحرك والعمل وفق إيقاعات جديدة تلعب فيها “التكنولوجيات الجديدة” دوراً محوريا وحاسماً. ولعلها الإيقاعات التي ستحدث تحولات وتأثيرات عميقة في جميع مناحي الحياة من اقتصاد وبيئة وسياسة واجتماع بشري وثقافة.
منذ بدايات ظهور وبروز هذه “التكنولوجيات الجديدة” في أواخر القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، تم توقع الآثار الكبيرة التيستكون لها في حياة المجتمعات، وذلك بالنظر إلى أدوارها واختراقها المتزايد لمجمل أنشطة الأفراد المهنية والشخصية في الوقت نفسه. لهذا، نجد أن بعض المفاهيم والمصطلحات التي بدأت تفتقد معانيها مثل التنشئة الاجتماعية وميكانيزمات التماسك الاجتماعي، التي تشهد تفككا في جميع المجتمعات اليوم، أخذ مدلولها يتسع وينتعش من جديد ليستوعب معانٍ جديدة داخل الشبكات الاجتماعية الجديدة.
من هنا، نفهم الانتشار والانخراط الواسع في شبكات التواصل على الأنترنت. فبعد كل من غوغل، الفايسبوك، التويتر، اليوتيوب،ظهرت تطبيقات جديدة تحظى بإقبال كبير مثل: الواتساب، الانستغرام، السناب شات، التيليغرام، التيك توك…إلخ.
90 ٪ من المغاربة يتوفرون على هاتف ذكي
حسب تقرير “الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات” الصادر سنة 2019، فإن نسبة التجهيز بالهاتف الذكي عند الأسر المغربية تزايدات حيث بلغ عدد الهواتف الذكية 25,8 مليون وحدة (ما يناهز 90 في المائة)، علما بأن الشباب هم الأكثر تجهيزاً بالهواتف الذكية. هذاإلى جانب تزايد نسبة الأسر المجهزة بالأنترنت (ما يفوق 80 في المائة).
وأما ما يخص استعمال الانترنت، حسب المصدر نفسه، فقد بلغ عدد مستعملي الأنترنت 24,3 مليون فرد، أي بزيادة قدرها 17 في المائة مقارنة بعام 2018.
ويشير التقرير المذكور أيضاً في ما يتعلق باستخدام الأنترنت حسب الفئة المعمرية، إلى أن الفئة العمرية التي يتراوح عمرها بين 19و24 هي الأكثر استعمالاً له بنسبة 91,8 في المائة، وتليها الفئة العمرية بين 25 و39 بنسبة 86,5 في المائة.
ومن خلال الاطلاع على نتائج تقرير “البحث السنوي لجمع مؤشرات تكنولوجيا الإعلام والاتصال لدى الأسر والأفراد” الصادر سنة2016، نجد أن شبكات التواصل الاجتماعي تتصدر المحتوى الذي يقبل عليه رواد الأنترنت بنسبة تصل إلى 80,7 في المائة، تليها الصحافة والإعلام بنسبة 60,8 في المائة، ثم مواقع اللعب والترفيه والرياضات بنسبة 53 في المائة. من جهة أخرى، يكشف التقرير على كون تطبيقات الشبكات الاجتماعية المختلفة تحتل الدرجة الأولى من حيث التحميل بنسبة 30,3 في المائة، ثم تأتي تطبيقات اللعب والترفيه بنسبة تصل إلى 20,2 في المائة.
تفيد كل المعطيات سالفة الذكر، إذن، أن الحياة صارت تدور أكثر فأكثر في نطاق العالم الرقمي في زمن “المجتمع الشبكي“ حسب توصيف “مانويل كاستلز” صاحب “نظرية عصر الإعلام“ (1998)، والدور الذي أضحت تضطلع به مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي مؤشر دال على ذلك.
مغاربة التيك توك
يعتبر “التيك توك” (Tik Tok) من ضمن تطبيقات التكنولوجيات الحديثة الآخذة في الاستعمال والانتشار شيئا فشيئا في المجتمع المغربي، ويصبح من أكثرها إغراءاً للرواد والمستعملين من الجنسين معا ومن مختلف الفئات والشرائح.
من المعلوم أنه تم إطلاق تطبيق الهاتف المحمول “التيك توك”، المعروف أيضًا باسم “دويين”Douyin) )، في سبتمبر 2016 بواسطة Byte-Dance، وهي شركة صينية متخصصة في التقنيات الجديدة. لم يكن الوصول إليه متاحًا لأول مرة خارج الصين حتى حلول سنة 2017.
وعلى وجه التحديد، فإن التيك توك عبارة عن شبكة اجتماعية تُمكن مستخدميها من مشاركة محتوى الفيديو وتحريكه، كما أنها تمنح عدة خيارات، مثل خيار المرور إلى ما لا نهاية من مقاطع الفيديو التي تمتاز بروح الدعابة والإبداع. أضف إلى ذلك أن مستعمليه يجدون عدة مضامين ومحتويات تقدم لهم أفكاراً متعددة قد تكون ملهمة ومبتكرة ومحفزة، كما يمكنهم إنشاء مقاطع الفيديو أو استخدام قوالب جاهزة متاحة فيه. وبالجملة الواحدة، يمكن القول على أن التيك توك منصة تحفل بالخصائص والمميزات، وسريعة الانتشار وكثيرة الاستعمال بالشكل الذي يخدم رغبات الرواد والمستعملين الكثر.
لذلك وفي ضوء هذا الإقبال والاستعمال المتناميين لتطبيق “التيك توك”،“مغربيات” اقتربت من بعض مستعمليه من الشباب لفهم أشكال الإقبال والاستعمال المتصلة به، والكشف عن تداعياته وتأثيراته النفسية والاجتماعية المختلفة، إلى جانب التحديات التي يطرحها، خصوصاً من الناحية القانونية. ولأجل هذا الغرض، قمنا باستقاء مجموعة من الشهادات من قبل بعض رواد ومستعملي هذاالتطبيق من الجنسين معاً ومن فئات عمرية متفاوتة، بالإضافة إلى الانفتاح عن وجهات النظر المتخصصة في الموضوع للمزيد من الفهم.
“س. ع طالب 21 سنة” :
“بالنسبة لي التكنولوجيات الجديدة أثرات فالمجتمع المغربي و كيفما عندها إيجابيات اللي سهلات لينا فيه الحياة اليومية ديالنا كاينةسلبيات، و خصوصا على الشباب و الفئة الناشئة حيت بعدات الناس على الواقع و رجعات الحياة كتمحور على الواقع الافتراضي…بالنسبة لتطبيق التيك توك أنا معنديش فالهاتف لكن كنشوف بعض الأحيان فيديوهات التيكتوك فباقي وسائل التواصل الاجتماعي فحال إنستغرام وفيسبوك..نقدر نقول بلي عرفت التيك توك هاذي 4 أو 3 سنوات كنت كانشوف الأجانب كيبينو المواهب ديالهم كالرقص والغناء و بعض المواهب الأخرى.. فالمغرب كاين لي كا يصنع محتوى تافه لا معنى له، وكاين العكس، لكن الأغلبية تافهة…كنفضل التطبيقات الأخرى على التيكتوك حيت أصلا داكشي لي فيه كنلقاه ف التطبيقات الأخرى وبعض influenceurs ليكانتابعوم خصوصا ف انستاغرام…بالنسبة للإيجابيات نقدر نقول لك بحال اللي عندو شي موهبة وباغي يوريها للناس كايدرها تمافي التيك توك وتايشوفها الناس كايكونو بزاف ديال المشاهدات كا يقدر يتشهر بيهم ومن تماك يقدر ياخذ الدخل ديالو يعنيفلوس..وفي السلبيات نقول لك هنا في المغرب تتشوف بلي المغاربة تا يعملو شي حاجة تافهة يديرو شي أغنية وشي رقصات غريبة…”
تشير الأرقام والإحصائيات إلى أن تطبيق التيك توك تخطى عدد مستخدميه النشطين مليار شخص شهريا، ويعني ذلك أن واحداً منأصل كل سبعة أشخاص من سكان كوكب الأرض يشاهد على نحو منتظم مقاطع فيديو قصيرة على هذا التطبيق. كما أن عددتنزيلاته على الهواتف عبر أنحاء العالم وصل إلى 2 مليار عملية تنزيل في متم شهر يوليوز الماضي. وهو بهذه الأرقام الضخمةوالهائلة يدخل في منافسة قوية مع باقي التطبيقات التكنولوجية.
“ه. ب تلميذة 18 سنة” :
“أنا اكتشافت التيكتوك في 2018، كايجيني بحال بحال ماشي شي مميزات فيه بزاف من غير مكنقنطش فيه…اللي كا يعبجني هو أنه مختص في الفيديوات ماشي ممل، ولكل كا يضيع الوقت كثر من التطبيقات الأخرى حيت فيديو تا يجبد لك لاخور..مكتنجاوزش ساعة في النهار فيه…وما أتابعه أكثر هو الأكل، والمايكاب، والكوبلات les couples…”
“ل. ب مستخدمة 25 سنة” :
“أنا عرفت التيكتوك في 2019..اللي كنعرف عليه كينزلو فيه فيديوات ديال الشطيح.هادشي باش تعرف لي..اللي كا يميزو على باقي التطبيقات أنه كتقدر تحكم في الفيديو وتعدل فيهم شي حاجات باش يبقاو يطلعو ليك الفيديوات الزوينين..الصراحة عادي كايجيني..الإيجابيات دياولو أن بزاف د الناس عندهم موهبة فنشر الفيديوات ولا شي ابتكار جديد..السلبيات ديالو خرج على أغلب الناس حيت يحساب لهم غير د الشطيح هو…مكنتفرجي فيه بزاف لاشفت شي 10 الدقايق..كا يعجبني نشوف تقريبا كولشي ومامتبعة حتى واحد…”
“ن. ب استاذ 24 سنة” :
“لقد تعرفت على تطبيق التيكتوك ما بين سنة 2018 و2019. يعد تطبيق التيكتوك من بين أهم برامج التواصل الاجتماعي كالفايسبوك واليوتيوب والانستغرام…إلخ. إنه يختلف عليها من حيث طريقة النشر إذ يشتغل بتقنية الفيديو القصير، حيث إن مدة الفيديو قصيرة ومحددة كانت في بداياتها تحدد في أقل من دقيقة واحدة أما إلى حدود اللحظة أصبحت تمتد مدة الفيديو إلى ثلاث دقائق، ويختلف محتوى فيديوهات التيك توك حيث نجد تنوع من حيث المحتوى، إلا أنه يغلب عليه المقاطع المضحكة الكوميدية والمقاطع الموسيقية..
من الأشياء التي تلقى إعجابي بتطبيق التيك توك نجد أولا المدة القصيرة للفيديو وبحيث تكون الفكرة مختزلة وسريعة المرور مما لا يشعرك بالملل. ثانيا من حيث تنوع المحتوى حيث يشتمل التيك توك على أصناف عديدة من المحتويات : الموسيقى، التمثيل، الكوميديا،الوثائقيات، المعلومات العامة.. كما أن التيك توك يسمح بإعادة نشر المقاطع الإذاعية والتلفزية وتحريكها…
أقوم بتنزيل وإزالة تطبيق التيك توك من حين لآخر بحيث أنني لا أستعمله بشكل دائم ومستقر، وقد تختلف مدة الاستعمال، إلا أنها تتراوح ما بين نصف ساعة إلى ساعة ونصف كحد أقصى..عديدة هي المحتويات التي أشاهدها على التيك توك في الغالب ما تكون عامة ومتنوعة أي أنه أميل إلى المقاطع الكوميدية كا“البرانك” (الكاميرا الخفية) وكذا المقاطع الموسيقية والرياضية وبعض المقاطع الساخرة لشخصيات مشهورة والمقاطع العالمية بطبيعة الحال..في الحقيقة لا أتابع أي حساب“.
“ف. ع موظفة 25 سنة” :
“أنا تعرفت على التيك توك شي 3 سنين دبا..أنا كنفضل الانستغرام عليه حيتاش أصلا مكايعجنيش بزاف..المهم كاينة شي تطبيقات حسن منو بحال الانستغرام والفايس حيتاش هو الحاجة اللي زوينة فيه هو كتشهري بيه وكدوزي بيه واحد الوقت ولكانت عندك شي هواية تتعطيها فيه. والسلبيات اللي فيه هو أنه كا يضيع الوقت وأن كاين اللي معارفش يستعملو غير تا يشوه راسو بيه..أنا معنديش أصلا فالتيلفون يعني غير إيلا دخلت الانستغرام تا يطلعو ليا شي فيديوات ديال شي ناس تايديروه..تايعجبني نتفرج فهذوك الفيديوات ديال اللبس والماكياج والماسكات وهذوك المعلومات ديال ثقافة عامة…ومعندي حتى شي صفحة اللي تنتبعها ديما“.
لا يقتصر استعمال التيك توك على فئة الشباب فقط، بل حتى من تفوق أعمارهم الثلاثين، يقبلون بشكل كبير على هذا التطبيق باعتباره متاحا بشكل كبير على الهاتف الذكي الذي بين أيديهم..
إن المنصات الرقمية صارت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، و للأمر تداعيات كثيرة ومتعددة، فضلاً عن مجموع التحديات التي يطرحها بالنسبة للفرد والمجتمع على السواء. يمكن استنتاج كذلك بأننا إزاء مجال غفل في عدد من أبعاده، حيث ما نزال نخطو خطواتنا الأولى نحوه. وهو الأمر الذي يدعونا إلى بذل مجهود كبير من أجل فهم واستيعاب تحولاته، وحتى مخاطره بالنسبة للأجيال الحالية واللاحقة لها. لأنه في مقابل التزايد المتنامي لاستخدام منصات التواصل الجديدة في المجتمع المغربي، بمختلف أنواعها وأشكالها، نسجل نقصاً على مستوى متابعة مثل هذه المواضيع المستجدة، خصوصاُ من زاوية نظر العلوم الإنسانية والاجتماعية.
“س. ع موظف 45 سنة” :
“أودي معنديش فالتلفون ممنزلوش كاع عندي..ومتنعرف حتى كيفاش تا يشتغل هاذ التيك توك..تانسمعهم تا يهضرو عليه وليني أنامعمرني تعرفت عليه ولا شفت شنو فيه..أنا تنخدم غير بالفايسبوك واليوتوب وغوغل“.
“ن. إ 48 سنة مقاول” :
“عرفت التيك توك سنة 2019. أعرف انه تطبيق للفيديوهات ولا أعرف الفرق بينه وبين باقي التطبيقات..لا أعرف إيجابياته وسلبياته لأنني لا أنزله على هاتفي ولا أتعامل معه ولا أتابعه إطلاقا..لا أتابع أي محتوى ولا أعرف أي مؤثرين على هذا التطبيق“.
“ل. أ 33 سنة معلمة” :
“أنا بالنسبة ليا هاذ التيك توك متنعرفوش. معرفتو حتى ولاو تا يصيفطو ليا الإخوان شي فيديو ولا شي نكتة فيها هاذ اللوغو ديال التيك توك. أما أنا مكنعرفوش مندخلش ليه ممنزلاهش عندي فالبورطابل صافي هادشي اللي كاين..واللي تنسمع عليه بأن ما فيه مايدار لأن المواضيع اللي تتثار فيه خارجة على النطاق الأخلاقي شوية..المهم اللي كان تايتلاح فيه ماشي بحال التطبيقات الأخرى“.
“م. ع 42 سنة تقني” :
“تنظن بأن التيك توك ديال الشينوة يمكن لأن أنا كنت شفت العام لاخر شي فيديوات هذوك اللي تايبقاو يديرو التحدي تا ينزل منالطوموبيل وتايدير اللايف وغاديا الطوموبيلا وغادي هو تا يشطح وكا يغني كانو لقطات بحال هكا تا يديروهم فالتيك توك هي باشبداو“.
“خ. ب 44 سنة موظفة” :
“بالنسبة للتيك توك أنا تعرفت عليه من عند بنياتي الصغار يعني هاذي شي عامين تنشوفهم وتنسمعهم تا يقولو هاذ التيك توك، ولكنباش نقول لك أنا تندخل لهاذ التطبيق نهائيا..أنا غالبا تنستعمل الواتساب والفايس..التيك توك معندي عليه أدنى فكرة ربما تايديروفيه شي حوايج بحال الرقص والتمثيل ولكن أنا مكنفترجش فيها..وبالنسبة للوقت اللي تنقضي فهاذ التطبيقات بحال الفايسمكتعداش 10 أو 15 دقيقة تنمل وكنخرج معنديش بزاف مع الأجهزة الإلكترونية غير الاستعمالات ديال العمل وصافي“.
“ع. م 52 سنة مهندس” :
“التيك توك تقريبا دبا شي عام باش تعرفت عليه ما كا يميزو حتى شي حاجة على التطبيقات الأخرى مكتعجيني حتى حاجة فيهغير مجرد مضيعة للوقت وصافي، والوقت اللي تنقضي فيه على حساب كل مرة وصافي بعض المرات نصف ساعة وبعض مراتساعة على حساب..حتى واحد ما مهم فهذاك التيك توك كل من هو حمق ومسطي وما لقى ما يدار يتلاح فذاك التيك توك“.
“أ. س 40 سنة ربة بيت” :
“أنا من خلال الملاحظة على حساب ولادي فهو سلبي بزاف والمواضيع اللي كايكونو فيه تنظن سلبيين وتا يأثرو على الدراريالصغار..أما أنا فمكنتعاملش معاه غير الدراري تنشوفهم تايدخلو تايشوفو ذيك الأفلام القصيرة والمقالب وذاك التخربيق وتا يبقاو يضحكو وخا تخليهم النهار كلو ساعات راهم شادينو، يعني ولاو مدمنين على داكشي وأنا خلاص مكندخلش لداكشي نهائيا“.
رأي ذ. مصطفى الشكدالي متخصص في علم النفس الاجتماعي :
مغربيات : الملاحظ أن العديد من المغاربة أصبحوا يقبلون على تطبيقات “فيسبوك”، “واتساب” و”تيك توك” و غيرها. كيف تفسرون هذا الأمر؟
لا بد من الإشارة إلى ظهور هذه التكنولوجيا التفاعلية، حيث إنها بدأت مع بداية الألفية الثانية. وظهرت هذه التكنولوجيا التفاعلية بظهور ما يسمى ب 2.0، بمعنى أنه أصبح بإمكان الناس أن يتفاعلوا عن بعد، ولكن هذا البعد يجب أن ننظر إليه كذلك على أساس أنه قرب، بمعنى أنه قرّب المسافات. وحينما نقول الافتراضي فإن هذا المصطلح غير دقيق، حتى لو كنا نستعمله باللغة الفرنسية (le virtuel) مقابل الافتراضي باللغة العربية ليس على أساس أنه مفترض وأنه غير واقعي. ولكن الواقع اليومي الذي أصبحنا نعيشه أصبح بمقدورنا أن نعيشه كذلك عن بعد، وبالتالي فإن هذه التطبيقات التكنولوجية هي تقريب البعيد، وفي بعض الحالات قد نقول كذلك إبعاد القريب على أساس أن الناس ينخرطون مع أناس آخرين عن بعد ولا يهتمون بمن هم في محيطهم…
كيف تنظرون إلى التحولات المجتمعية بعد دخول هذه التطبيقات؟
إن هذا الواقع الجديد جعل لنا حياة موازية للحياة الواقعية التي نعيش، بل أكثر من ذلك حتى الحياة التي نعيش أصبحت مؤثثة بماهو رقمي، لدرجة أن كل المداخلات التي أقوم بها مع الآخرين تصبح جزءاً لا يتجزأ من اليومي، بل إن اليومي والرقمي لم يعد بينهما فرق على أساس أننا نعيشه كذلك في يومنا. وبالتالي حينما نقر بذلك، فهذا معناه أن أسس التواصل الاجتماعي تغيرت جملة وتفصيلا. مع الأسف الشديد بالنسبة لمجتمعاتنا خاصة بالنسبة للمجتمع العلمي (أتحدث عن الأساتذة الباحثين في العلوم الإنسانية) هناك تأخر كبير على هذا المستوى. أقولها بكل تواضع، أنا وبعض الأساتذة من دخلوا إلى هذا العالم، وسبق لي أن كتبت كتابا مشتركا مع الأستاذ عبد الحق محتاج تحت عنوان “المجتمع والافتراضي“، ثم بعد ذلك قدمت رسالة أطروحة ثانية، نظرا لأهمية هذا الموضوع حول تشكل الهوية الرقمية لدى الشباب ولدى المنخرطين بصفة عامة ودور هذا العالم الرقمي على مستوى التنشئة الاجتماعية، وطبعا تناولت مجموعة من المواقع والتطبيقات، بما فيها التيك توك…
هل يمكن الحديث عن مجتمع رقمي ؟
من وجهة نظري أنا لا أسميه ”المجتمع الرقمي”، بل “المجتمع المرقمن” (بفعل فاعل). والمقصود بالمجتمع المرقمن أن هذا المجتمع ليس بالضرورة مجتمعاً محلياً، بل هو المجتمع الذي يتفاعل فيه عن طريق الرقمنة. لماذا هذه التسمية؟ لأن هذه التفاعلات داخل منصات التواصل الاجتماعي تخضع لما يسمى بالخوارزميات (تسمى أيضا الإعدادات)، بمعنى أن هناك تطبيقات هي التي تحتم عليك،بصيغة أو بأخرى، أن تقوم بنوع من التعامل وأن تحدد لك نوعا من السلوك.
يجب ألا ننسى أننا على وجه الكرة الأرضية ما يقارب 8 مليار، وأن 80 في المائة يستعملون العالم الرقمي. هو إذن المجتمع المرقمن الذي يتيح إعادة تشكل الثقافات المحلية، بما في ذلك حتى الجوانب المرتبطة بالأفراد في سيكولوجيتهم، وفي تفاعلاتهم، وفي علاقاتهم بذواتهم، وفي فونطازماتهم. يتيح إعادة تشكلها انطلاقا من الخوارزميات المحددة سلفاً. وبالتالي، فإن المجتمع المرقمن هو مجتمع يدفع بالفرد إلى أن يخضع كل الإرث الثقافي الذي يحمل إلى هذه الخوارزميات وإعادة التشكل الثقافي وإعادة التشكل السيكولوجي وإعادة التشكل الاجتماعي. وطبعا حينما تركز على أشياء مثل الحميمية، الفردانية، النرجسية كذلك..
يتوفر تطبيق “التيك توك” على خاصية مميزة، باعتبار أن المقبلين عليه من فئات عمرية واجتماعية مختلفة، كيف تفسرون هذا الأمر؟
بالنسبة لتطبيق التيك توك، فإن الخاصية الأساسية هو أنه يدفع بمرتاديه أو مستعمليه إلى التركيز على الذات، ولكن بطريقة معينة.بمعنى أنه يبيح للفرد بتقديم ذاته عن طريق الرقص المصاحب بموسيقى معينة. في إطار البحوث التي قَدّمتُ حاولت أن أتحدث عن استراتيجيات تقديم الذات من خلال التيك توك ومن خلال الانستغرام والتطبيقات الأخرى، ولكن خاصية التيك توك هو أنها فيديوهات قصيرة فيها رقص، بمعنى أن الجسد حاضر. والمهم هو أن التيكنولوجيا الرقمية بصفة عامة والتيك توك بصفة خاصة لكي تكونحاضرا يجب عليك أن تتحرك، أن ترقص وأن تقدم شيئا ما..يجب أن تقدم فيديو فيه حركية مصحوب بموسيقى..
إن الخوارزميات التي ينبني عليها هذا التطبيق هي خوارزميات تدفع بالفرد أن يركز على ذاته وعلى جسده وأن يقدمه في حلة هيأصلا مبرمجة سلفا بمعنى أن يقدم نفسه خاصة عن طريق الرقص أو ربما في وضعيات متعددة بما فيها حميمية الجسد، وما يسمى في علم النفس بالخروج من الحميمية (l’intimité) إلى البوح بالحميمية (extimité)عن طريق تقديم هذا الجسد، لأن الغرض الأساسي هو أن يصبح مرئيا على نطاق واسع. لذلك نتحدث عن عدد المشاهدات والمتابعات والإعجابات وما إلى ذلك. وبالتالي يمكن أن نقول بخصوص التيك توك في مجتمعنا لا يمكن أن نقول أنه حرر الفرد، ولكن أخرجه مما يمكن أن نسميه بدواخله الفونطازمية الذاتية وتصوراته التي تظل حبيسة ربما تخيلاته وأخرجها إلى هذا العالم، ليس لأنه تحرر منها ولكن ليسجنها في تطبيقات أخرى ويقدم ذاته بهذه الطريقة.
التيك توك، إذن، هو تقديم للذات بطريقة فيها نوع من الحركية والرقص، وفي ذلك تغيير كبير. لذلك قد نجد هناك من يندد بكل ذلك، و لكن المجتمع المرقمن من خصائصه نجد إعادة تشكل كل ما يمكن أن يدخل في التصورات الثقافية طبعا لأننا سنرى بأن هناك من يأتي بتصورات أصلها ثقافي اجتماعي ضارب ربما التاريخ ويقدمها بطريقة معنية لأن التطبيقات والخوارزميات هي التي تتحكم في ذلك…
ماهي التأثيرات النفسية و الاجتماعية لهذه التطبيقات ؟
طبعا بخصوص التأثيرات النفسية والاجتماعية، فإن هذه الفضاءات المرقمنة ليست معزولة عن التنشئة الاجتماعية وتكوين الهوية،على اعتبار أنها فضاءات تفاعلية، لأنني حينما أقدم نفسي في الانستغرام أو الفايسبوك فإنني أقدمه للآخرين وأن هناك تفاعل.لهذا، نتحدث عما يسمى ب « l’identité agissante » أي الهوية التفاعلية، بالإضافة إلى ما نسميه كذلك بالهوية المحسوبة « l’identité calculée ». هذه الهوية المحسوبة التي تشتمل على عدد الإعجابات وتعطينا صورة متكاملة. ما أريد أن أقوله بخصوص التيك توك، وطبعا حتى في مستويات أخرى بالنسبة للانستغرام والفايسبوك والسنابشات وغيرها، هو أنه بفعل التفاعلا ليومي (لأن هناك ساعات كثيرة يقضيها الفرد أمام هذه التطبيقات) يحصل تشكل على مستوى النظرة إلى العالم، بمعنى أن النظرة إلى العالم تتغير في الواقع الفعلي الذي نعيشه ونتعايش فيه.
في بعض الحالات نرى ونلاحظ حتى على المستوى الواقعي سلوكات شبيهة بالسلوكات التي نراها في التيك توك لنرتاد مقاهي معنية و نرى الملابس وكيف أن الجسد يظهر بطريقة معينة بمعنى أنها تساهم في تشكل (وأنا هنا ليس لي حكم قيمة) أريد أن أقول إن التداعيات النفسية هي أن هناك تغيير على مستوى السلوك التفاعلي اليومي. وحينما أقول التفاعلي اليومي، فأنا لا أقصي الجانب الرقمي المرقمن، لأنه يدخل في هذا السلوك التفاعلي اليومي ويصبح جزءا لا يتجزأ من اليومي الواقعي، بمعنى أنه ليس هناك الآن فارق بين ما يقع العالم الرقمي وما يقع في الواقع، على أساس أن هناك على المستوى الرقمي إعادة تشكل الواقعي وعلى مستوى الواقعي هناك إعادة تشكل الرقمي ليصبح جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية التي نعيش…
وعلى مستوى التداعيات النفسية، نلاحظ سلوكات أصلها وجذعها موجود في خوارزميات الرقمنة. وهنا يمكن أن تلاحظ معي أن هذه القضية تظهر على مستوى سلوكات الاستهلاك وفي سلوكات العلائقي، بل أكثر من ذلك نلاحظ حتى على مستوى اللغة التي نستعمل في اليومي أصبحت هي لغة تأتينا هي كذلك من التيك توك ومن الانستغرام، بمعنى أصبحت مزيجاً، وهذا في حد ذاته باعث للدراسات ربما الميدانية. وحينما أقول الميدانية لا أقصد الميدان بالطريقة التقليدية، أتحدث عن الميدان بمعنى أن هذه التطبيقات نفسها هي ميدان حيث يمكن أن أقوم بدراسة مجموعة من القضايا لنعرف كيف يتصور الفرد نفسه في هذا العالم الرقمي، وما هي الانعكاسات على المستوى السيكولوجي والعلائقي في العالم الواقعي الرقمي الذي أصبحنا نتعايش معه…
رأي ذ. الحسين بنعياش متخصص في الإعلام :
مغربيات : هل يمكن اعتبار منصات التواصل الإجتماعي منفلتة من الضبط القانوني كما يشاع، أم أنها خاضعة لضوابط قانونية معينة؟
قبل الجواب عن سؤالكم، أريد أن أ شكركم على اختيار هذا الموضوع والانتباه إليه. وفي تقديري، يعبر هذا الانتباه عن خطوة هامة وأساسية في أفق بلورة تصور دقيق وشامل لموضوع كبير، مثل منصات التواصل الاجتماعي ومعرفة آثارها وتداعايتها المختلفة في المجتمع المغربي.هي خطوة مهمة جدا أيضاً، لأننا نعيش اليوم في إطار وضعية واسعة من الانتقالات، من ضمنها الانتقال الرقمي من خلال التعامل مع الرقمي كوسيلة حيوية في حياتنا اليومية.
إن الانطباع السائد هو أن الاستعمال الكثيف والواسع لمنصات التواصل الاجتماعي، وتعميم ودمقرطة الهاتف النقال والأنترنت والأدوات الأخرى. ذلك ما تؤكده الأرقام التي تصدرها الهيئات المتخصصة، مثلاً المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات .
هناك جانب ثانٍ أثارني؛ ألا وهو المتعلق بتأثير المنصات الرقمية على العلاقات الإنسانية. ففي مناسبة مثل العيد، كنا ننتقل عند أهلنا ونتواصل مع باقي الأسرة عبر الهاتف لنبارك لهم العيد وما إلى ذلك. أما الآن فصرنا نبارك باستخدام المنصات الرقمية (الواتساب، التيك توك…). لذلك فعوض اللقاءات المباشرة يمكن اقتسام مقطع فيديو من بيتك، بالشكل الذي سيخلق بالتأكيد سلوكات أخرى لا نعرف تطوراتها ومآلاتها. وهذا وحده موضوع كبير يحتاج إلى مزيد من التفصيل والتدقيق. باختصار، يمكن القول إن علاقاتنا صارت تتغير شيئا فشيئا بحكم تعاملاتنا واستعمالاتنا المختلفة لمنصات التواصل الرقمية.
الملاحظ أيضاً أن هذه المنصات خلقت نوعا من اللامبالاة، بحيث يتم تناقل مضامين التيك توك ومحتوياته، كيفما كان هذا المحتوى، سلبي، إيجابي، مأساوي، بنوع من الضحك وبنوع من “الشماتة” أحياناً. ويمكن أن أسوق مثالا واقعيا في هذا الباب: يتعلق الأمر بحادثة سير أمام مقهى حيث لاحظت أنه لم يقدم أحد على الذهاب ورؤية ما يحصل هناك لأنهم يمسكون بالهواتف ويبحرون في عوالمها، بل أكثر من ذلك كان من يصور مشهد الحادثة من المقهى، دون أن يبادر أحد إلى معرفة ما يحصل، وهل هناك شخص في حاجة إلى المساعدة في تلك الوضعية.
ماذا عن تطبيق التيك توك؟
وبخصوص التيك توك، نجد أن من خصائصه الجانب المتعلق بالمتعة، لأنه قد يغنينا، مثلاً، عن الذهاب إلى المسرح، حيث يكفي أخذ مقاطع من مسرحيات معينة ومصاحبتها بمقاطع أغاني، ثم تمريرها ونشرها، ونعلق عليها، كما يمكن التدخل فيه. وهذه خاصية التيك توك؛ أنه يسمح للمستخدم بالمشاركة في صنع هذه المقاطع عبر التدخل وتعديلها وإعادة تحريكها…
وأما ما يتعلق بالشريحة الواسعة لمستخدمي التيك توك، فهي الشباب بالدرجة الأولى. ففي فرنسا، على سبيل المثال، حسب آخر إحصائيات، فإن الشريحة الكبيرة المستعملة للتيك توك هي التي يتراوح عمر أفرادها بين 11 و14 سنة.
ماهي أبرز دواعي وأسباب هذا الضبط والتقنين أمام مجموعة من التحديات التي يطرحها استعمالها؟
بعد إقدامي على استطلاع بسيط سألت فيه بعض الأفراد عن رأيهم في التيك توك، أجمعوا على أنه منصة للاستمتاع فقط “التقشاب والتكركير”، ثم سألتهم هل لديهم فكرة عما إذا كانت هناك رقابة على الموضوع أم لا؟ أجابوا بالنفي واعتبروا أن التيك توك مجرد فضاءً للتسلية وتجزية الوقت، وأنه خارج عن كل تقنين ورقابة.
وهذا في اعتقادي ينم عن أمر خطير، و أضرب هنا مثال “شاب الطرام” بالبيضاء وحدث التحرش بطنجة، لأن هناك رقابة على هذا الموضوع من جانب القانون الجنائي، من خلال مثلا متابعة تحريض الناس على التشهير، وفي حالة المساس بأعراضهم، وحماية المعطيات الشخصية وغير ذلك من القوانين.
وجدير بالذكر أن هناك إشارات بالاهتمام بتقنين هذا المجال، منها ندوة دولية نظمت بالمغرب، وندوة دولية بأبيدجان حول تقنين المنصات الرقمية”، ما يعطي الانطباع أن هناك إحساس واستشعار بوجود حاجة لتقنين هذه المضامين والمحتويات الرقمية؛ تقنين واضح وحقيقي يعلم به الجميع ولا يتضرر منه أحد.
هل ترون أن هناك اهتمام من قبل المشرع المغربي بتقنين استعمال هذا التطبيق؟
وبالفعل، فالملاحظ مؤخراً أن هناك هوساً وانشغالاً لدى المشرع للاشتغال على هذا الموضوع والانكباب عليه، لكن بأي طريقة ووفق أي منظور؟ هل نحسم الأمر ضمن القانون الجنائي؟ أم قانون الصحافة؟ هذه أسئلة ستظل مفتوحة على التفكير والنقاش، علماً بأن القوانين الموجودة تعطي بعض عناصر الضبط والتقنين (لا ينبغي أن ننسى بعض الاجتهادات القضائية كذلك)، لكن كل ذلك غير منظم بالشكل الكافي كما هو الحال، على سبيل المثال، بالنسبة للصحافة عن طريق المجلس الوطني للصحافة.
وفي نظري يجب أن تكون هناك قوانين واضحة وجهاز مكلف بهذا الموضوع يضع ضوابط ويقنن هذا المجال. وفي تقديري، فإن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري هي المؤسسة المؤهلة لمثل هذا العمل كما هو الوضع في دول أخرى.
وأخيرا و ليس آخرا، إلى جانب التحسيس والتوعية بطرق استخدام منصات التواصل التكنولوجية، يجب أن تكون هناك مواكبة بالضبط والتقنين.