66 سنة من الدبلوماسية المغربية : ذكرى بوشاح الاحترافية والانفتاح والعقلانية
وليد الرايس
تمثل السياسة الخارجية للدول عامة وللمغرب بصفة خاصة، إحدى الآليات الهامة لضبط وتطوير مصالح الدولة الوطنية على صعيد العلاقات الدولية من جانب، وعلاقاتها مع وحدات النظام السياسي الدولي من جانب آخر، باعتبارها مجموع السلوكيات السياسية الهادفة والناجمة عن عملية التفاعل المتعلقة بصنع القرار الخارجي للوحدة الدولية. وهي بذلك انعكاس لحصيلة معطيات وتراكمات سياسية وتاريخية وجغرافية.
وتكتسي ديناميات الاستمرارية والتغيير التي عرفها المغرب في تفاعله مع محيطه الدولي بشكل عام والمجاور– دول الجوار– على وجه التخصيص، أهمية بالغة ليس فقط من حيث الراهنية والجدة التي تتميز بهما، وإنما بسبب ما عرفته السياسة الخارجية المغربية في السنوات الأخيرة من تغيرات وتحولات، وذلك في ظل متغيرات دولية و إقليمية طارئة ومعقدة، عرفت تبدل الأولويات وتنامي المخاطر العابرة للحدود، وتحول أركان النظام الدولي مع صعود عدد من القوى الدولية الكبرى، وحدوث تغير على مستوى موازين القوى الدولية والإقليمية، لم يكن المغرب في منأى من دائرة تأثيراتها، فضلا عن طبيعة التماس الجغرافي وامتداداته، وتغير خريطة المصالح القومية لدول الجوار ، وتوجهات النظم السياسية وطبيعة التحالفات الإقليمية.
ففي ظل كل هذه المتغيرات التي ألقت بآثارها الثقيلة على السلوك الخارجي للمغرب وتجلياته تبعاً للتفاعلات السائدة في إطار دينامية النسق الدولي، لا سيما بعد سنة 2011 وما ألحقته من تغيير على البيئة المجاورة للمغرب والتي باتت محكومة بنسب كبيرة من عدم اليقين والارتياب؛ كان لهذا الوضع ذاته الأثر الهام على محاولة المملكة استدراك وضعية سياستها الخارجية ، ظهرت معه مدارك وتصورات حول وضع فهم مختلف لخياراته وتوازن علاقاته بدول الجوار على تعددهم، إذ خطا خطوات كبيرة في مجال السياسة الخارجية عبر تنويع قاعدة حلفائه وعدم الارتهان إلى القوى الكبرى التقليدية ونهج سبل الانفتاح الدبلوماسي على محاور خارجية متنوعة، مالئا الكثير من الفراغات الكبرى التي شابت أداءه الدبلوماسي طيلة 66 سنة، وذلك عبر مواصلة تنفيذ الرؤية الملكية الاستراتيجية للسياسة الخارجية المغربية ومبادئها المحورية والتمسك بالثوابت ، وتعزيز إشعاع المملكة على الصعيد الدولي عبر التركيز على ثلاث مرتكزات أساسية، تتمثل في استقلالية وسيادة القرار المغربي، والواقعية و البراغماتية في تحركاته تجاه دول الجوار و التعاطي مع التطورات الدولية، ثم التحيز للمصلحة الوطنية.
ويأتي تخليد الذكرى الـ 66 لليوم الوطني للدبلوماسية المغربية، في الوقت الذي تحقق فيه هذه الأخيرة إنجازات بارزة، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حيث بصمت الدبلوماسية على سجل نشاطات غير مسبوقة تميزت بالاشتغال على عدة واجهات دولية وإقليمية، وشحت الأداء الدبلوماسي المغربي وشاح الاحترافية والانفتاح والعقلانية، في مرحلة تميزت بعمقها التاريخي وتحدياتها الكبرى جراء التحولات المثيرة في طبيعة ومضامين العلاقات بين دول الجوار والتفاعلات معها، وهو ما تكلل بالاعتراف الأمريكي بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه، ورسالة بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية التي تلخص مضمونها في كون “المبادرة المغربية للحكم الذاتي تعتبر الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية“.
وفي ضوء هذه المعطيات يمكن القول أن المغرب نجح في ظل الامتحان الدبلوماسي الذي شهدته السنوات الفارطة عبر صلابة ومتانة خياراته العقلانية، مقابل سعار التنافس في المنطقة وإكراهات التموقع الاستراتيجي له وتحفظ وارتياب بعض القوى الحليفة له تقليديا. جهد دبلوماسي ساعد على جلاء ذلك القدر من التشويش حول توجهات المغرب الجديدة في السياسة الخارجية الذي زاد قوة وحضورا طيلة الـ66 سنة.