ثريا إقبال (3) : الإسلام ساوى بين المرأة و الرجل في الفضائل و التدرج في المقامات العلوية
مغربيات
شكل وجود المرأة في الفضاء الصوفي موضوعا للدرس و التحليل، رغم أن ذكرهن في تاريخ التصوف الإسلامي لم يصل لما بلغه الرجال من أعلام التصوف الإسلامي، و لم يبلغن ما تركه هؤلاء من تراث و مؤلفات، كمٌا وكيفا.. لكن رغم ذلك فقد حظيت المرأة الصوفية المتعبدة الزاهدة بمكانة مهمة، حتى أنها بلغت أعلى درجات الولاية “القطبية“، وهو ما تؤكده الباحثة في التصوف ثريا إقبال مستدلة بما جاء في الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، الذي رأى أهلية المرأة في بلوغ “القطبية” و إن كان يشير لكونه لم يسبق له أن التقى بامرأة “قطب“..
“مغربيات” تواصلت مع الباحثة و الشاعرة ثريا إقبال للحديث عن تواجد النساء في الفضاء الصوفي و عن متصوفات و مربيات و وليات صالحات مررن في تاريخ العالم الإسلامي، سواء في المشرق أو المغرب، ضمن سلسلة حلقات رمضانية..
تؤكد ثريا قبال الباحثة في التصوف و الشاعرة أن المرأة تمتلك كل الإمكانات للتدرج عبر مراتب الروحانية، بل إنها تستطيع أن تصل حتى درجة “القطبية” وهي أعلى مراتب الولاية، شأنها شأن الرجل، وهو ما يؤكده، بحسب الباحثة، الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في كتابه “الفتوحات المكية“، حيث أن التشريع الإلهي أنصف المرأة و اعترف بقدراتها في كل المجالات الإنسانية و الروحية، فاستقراء النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية و أقوال القوم يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن لا مانع تكويني أو كوني من إمكانية وصول المرأة إلى أعلى المراتب سواء في الحياة الاجتماعية أو الروحية؛ فهي بحكم خلقتها وتكوينها قابلة لكل النشاطات العقلية والفعاليات الإنسانية و الارتقاءات الروحية إلى أعلى مراتب الولاية. فالشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي يرى أن النساء والرجال يشتركون في جميع مراتب الولاية حتى “القطبية” (وهي أعلى درجاتها) وان كان يعترف أن ذلك لا يتم إلا بالقوة ( EN PUISSANCE) اذ لم يسبق لامرأة أن اضطلعت بمرتبة القطبية بالفعل. إذ يقول في فتوحاته المكية : ” فكل ما يصح أن يناله الرجل من المقامات والمراتب والصفات يمكن أن يكون لمن شاء الله من النساء“، و في باب آخر، تقول إقبال، يصف “الأنثى“, بإحدى مراتب الوجود وهي مرتبة القابلية والانفعال والتأثر… هي محل الإلقاء والبذر والإستحالات والإيجاد والتكون والظهور “فكل منفعل وقابل للإلقاء والتكون ومحل الظهور والإيجاد فهو أنثى وإن كان ذكرا” يقول الشيخ الأكبر في الفتوحات, بل ويذهب أبعد من ذلك في “فصوص الحكم” مصرحا أن الإنسان وهو لا يشهد الحق إلا متجليا في صور الممكنات بأن المرأة هي أكمل مشهد للحق المشهود لأن الرجل يشهد فيها الحق من حيث هو فاعل منفعل … فالرجل يشهد الحق في المرأة ويعبر من جمالها المقيٌَد إلى الجمال الحق المقيٌِد.
وهنا يعطي الشيخ الأكبر مكانة رفيعة للمرأة، لأن بالمرأة يستطيع الإنسان أن يذهب من المجال الدنيوي إلى المجال السماوي (بواسطة المرأة)، لكونها هي همزة الوصل بين ماهو أدنى و ما هو أعلى، فمن جمال الخلق، عبر المرأة، نعبر إلى جمال الحق.
وتشير الباحثة إلى أن الإسلام ساوى بين الرجل و المرأة في طلب العلم، حيث حرص على تعليم المرأة نظرا لدورها الهام في التربية و تنشئة الأجيال، لاسيما في السنوات الأولى من الطفولة، ولم يفرق في ذلك بين الذكر والأنثى؛ لذا جاء الأمر الإلهي صريحا واضحا حاثا على ضرورة التعلم و التعليم بالنسبة للإثنين: ” اقرأ باسم ربك الذي خلق” (سورة العلق)؛ و ذلك ما أكده الحديث النبوي الشريف “طلب العلم فريضة على كل مسلم“.
فإذا كان الإسلام يساوي، تقول ثريا إقبال، بين المرأة و الرجل على الصعيد الإنساني لأنهما سواء في الكرامة الإنسانية وحاجاتها ومتطلباتها، فإنه حين ينظر للمرأة بوصفها أنثى ، ينظر في مقابل ذلك إلى الرجل باعتباره ذكرا، فيفرض على كل منهما من الواجبات، ويعطي لكل منها من الحقوق، وفقا لمقتضيات طبيعته .
أما في المجال المرتبط بإنسانية الإنسان فلا فرق بين المرأة والرجل، لأنهما في نظر الإسلام إنسان على السواء، لأنه نظر إلى المرأة نظرة إنسانية على قدم المساواة مع الرجل ؛و لا شك أن الموقف الحضاري لكل مجتمع من المرأة هو المرآة التي تنعكس مدى دور المرأة في تاريخ ذلك المجتمع، وطبيعة موقفها من الأحداث؛ فقضية المرأة جزء لا يتجزأ من مسيرة التنمية و التقدم لكل مجتمع من المجتمعات ؛ فالمرأة في مجتمع يؤمن بإنسانيتها تمارس دورها الاجتماعي بوصفها إنسانا كاملا، فتساهم مع الرجل في مختلف الحقول الإنسانية، وتقدم أروع النماذج نتيجة للاعتراف بمساواتها مع الرجل على الصعيد الإنساني.
وإن المرأة من حيث كونها إنسانا مساويا للرجل مسؤولية كاملة و تضطلع بدور رائد في كل مناحي الحياة، كما أنها عنصر فعال في حركة التغيير والإصلاح الاجتماعي، فعلاوة على كون نصف المجتمع من النساء، فإن هؤلاء هن من يتربى رجال و نساء الغد على أيديهن، و كل إصلاح اجتماعي رهين بنجاعة التربية العائلية،و كل تحول حقيقي في صلب المجتمع يمر بالأسرة، و بعنصرها الرئيسي أي المرأة، التي إذا ما أقامت في المقام الذي يليق بها و تم الاعتراف بإنسانيتها الكاملة، إلا و شاركت مشاركة فعالة في التنمية و الإصلاح وبناء المجتمع.
و بالنسبة للمساواة في العمل الصالح، فترى إقبال، أن صلاح المجتمع أمانة في أيدي كل أفراده من نساء و رجال، و كل منهما مسؤول عن المساهمة في بناء صرحه من خلال صالح عمله ، و كل منهما يجازى على ذلك حسب مسؤوليته و إخلاصه وتفانيه و صدقه، مستدلة بقوله “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة“( سورة النحل)
و توضح الباحثة بكون الإسلام ساوى بين المرأة و الرجل في الفضائل و قيم الإحسان و التدرج في المقامات العلوية، حيث إن تعاليمه جاءت شاملة للرجل والمرأة عقيدة وعبادة ومعاملة، وأمرا ونهيا، وحقوقا وواجبات، وجعل معيار التفاضل التقوى والعمل الصالح وليس الذكورة والأنوثة لذا يمكن للمرأة أن تكون نموذجا لصلاح و أن ترتقي في مدارج الولاية و التربية السلوكية مصداقا لقوله تعالى “ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب” (سورة غافر).