ثريا إقبال (2) : المغرب عرف العديد من الوليات الصالحات و العالمات العابدات
مغربيات
شكل وجود المرأة في الفضاء الصوفي موضوعا للدرس و التحليل، رغم أن ذكرهن في تاريخ التصوف الإسلامي لم يصل لما بلغه الرجال من أعلام التصوف الإسلامي، و لم يبلغن ما تركه هؤلاء من تراث و مؤلفات، كمٌا وكيفا.. لكن رغم ذلك فقد حظيت المرأة الصوفية المتعبدة الزاهدة بمكانة مهمة، حتى أنها بلغت أعلى درجات الولاية “القطبية“، وهو ما تؤكده الباحثة في التصوف ثريا إقبال مستدلة بما جاء في الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، الذي رأى أهلية المرأة في بلوغ “القطبية” و إن كان يشير لكونه لم يسبق له أن التقى بامرأة “قطب“..
“مغربيات” تواصلت مع الباحثة و الشاعرة ثريا إقبال للحديث عن تواجد النساء في الفضاء الصوفي و عن متصوفات و مربيات و وليات صالحات مررن في تاريخ العالم الإسلامي، سواء في المشرق أو المغرب، ضمن سلسلة حلقات رمضانية..
تؤكد ثريا إقبال الباحثة في التصوف أن المغرب كذلك يزخر بالعديد من الوليات الصالحات، إذ نجد بين كتب التراجم و الأنساب مؤلفات من بينها مؤلف للأستاذ حسن العبادي تحت عنوان “الصالحات المتبرك بهن في سوس“، وقد اشتغل كثيرا على الصالحات بجهة سوس، حيث جمع فيه جملة من النساء الصالحات اللائي حَفِظت ذكراهن الكتب التي أرٌَخت لمنطقة سوس، فمنهن الفقيهات المدرسات للعلوم الشرعية و العربية ، والواعظات المرشدات، والحافظات لكتاب الله المقرئات، والصالحات و المربيات المعروفات بالروحانية العالية.
وتذكر إقبال من بينهن السيدة رقية بنت محمد الأدوزي وهي زوجة الشيخ سيدي علي الدرقاوي ووالدة العلامة ا لمختار السوسي. تربت في بيت علم ودين، فأتقنت حفظ كتاب الله تعالى، وجودت غاية التجويد، و“عندما تزوجت“، يقول العبادي في كتابه ” و حلت بمنزلها الجديد، أصبحت رغم صغر سنها هي معلمة الدار، والمرشدة والواعظة للوافدات إلى زوجها الشيخ الدرقاوي، فقد كانت أول معلمة من النساء في منطقة “إلغ”، كانت تعلمهن قراءة القرآن و الكتب الموجودة بكثرة المشتملة على السير والأحاديث والقصص“. وقد كانت، تؤكد الباحثة، من أهم العابدات المتخصصات في تبليغ العلم و الحديث و السير، ثم هناك “للا تعلالت” بمنطقة سوس كذلك بالقرب من تافراوت، و التي وهبت حياتها لطلبة تعلم القرآن، حيث أنها وهبت كل ما كان لديها من المال و العلم لحفظة القرآن، فأضحى ضريحها إلى اليوم قبلة للزوار و حفظة القرآن، و يقام لها موسم يحج إليه الزوار من داخل و خارج المغرب، وهناك أيضا “للا مماس علي” بنفس المنطقة، وهي ولية عرفت بزهدها و كرمها و قدرتها على استشفاء المرضى، ومزارها معروف بتلك المنطقة يحج إليه الناس كذلك.
أما عن مدينة مراكش، فتشير الباحثة، إلى أنها على الرغم من كونها تُعرَف بتربة الأولياء و بمدينة الرجالات السبعة إلا أنها لا تخلو من الصالحات من النساء يُذكر من بينهن : السيدة لالة زهراء الكوش، التي يقول عنها محمد الصغير الإفراني في “الصفوة” : “كانت من أهل القدم الراسخ في العرفان و من أهل الولاية الظاهرة؛ جمعت بين العلم والتربية الروحية واشتهرت بالعلم و الصوفية، وقد وصلت أخبار جمالها و صلاحها إلى السلطان زيدان بن أحمد المنصور الذهبي فهمٌَ بها، فظهر له من بركتها و كراماتها ما صرفه عنها، فعصمها الله منه“.
توضح الباحثة أن لالة زهراء الكوش كانت لها كرامات كثيرة، و مزارها يوجد بموقع استراتيجي بجانب جامع الكتبية، وقد كانت مكانتها مركزية لأنها كانت تعلم بنات جيلها، وكان لها باع في فالتربية وفن القول وتلقين القرآن و القصص و السير.
و هناك ايضا الولية الصالحة العالمة بالمذهب المالكي “لالة محلة“؛ و مزارها في حومة باب ايلان قرب ضريح القاضى عياض أحد الرجال السبعة، ثم هناك السيدة الصالحة “لالة مباركة” التي ذكرها ابن المؤقت المراكشي في كتابه “السعادة الأبدية“، إلى جانب وليات صالحات كثيرات، ربما لا نعرف عن سيرهن إلا القليل رغم ان أضرحتهن معلومة و مُزارة ك “لالة سِتي” و لالة “عائشة المجذوبة” و “لالة عائشة احساين” وغيرهن كثيرات..
وتقول ثريا إقبال إن العديدين من المهتمين بهذا المجال يتساءلون اليوم لِمَ لا يسلط الضوء على الوليات الصالحات بقدر ما يسلط على الرجال (الأولياء)، وهو ما ترجعه الباحثة للسر الإلهي الذي حبا به الله النساء الوليات وهن في مقام الوليات المجهولات، و قد جعلهن الله مجهولات لأنه كتم سرهن، وجعلهن تحت اسمه الباطن، حيث أنه إذا كان الولي الصالح تحت اسم الله الظاهر، فإن الولية تحت اسمه الباطن. و توضح الباحثة بهذا الشأن بالقول : “يعلم السر فأخفى، ليترك سره مخفيا مصونا، حيث يعد هذا الأخير أكثر تأثيرا مما يرى و يظهر“، لذلك، تضيف إقبال، “من يريد أن يعلم السر فما عليه إلا أن يبذل مجهودا، ليسير في المكابدة و المجاهدة و الرياضة و السياحة، لكي يعرف هذا السر، إذن فالمرأة مصونة لسر أراده الله لها، رغم أنني أكاد أجزم أن لكل قدم هناك ولية.