“رحلة الشغف للكشف عن أسرار الحياة البرية”.. بعدسة حليمة بوصديق
مغربيات
بحس فني عال و ذوق جمالي رفيع تقتفي حليمة بوصديق أثر الحياة البرية بعدستها التي لا تخطئ الهدف. طيلة السنوات الأخيرة تنقلت هذه الشغوفة بالعدسة عبر بحيرات ومتنزهات وطنية سواء داخل المغرب أو خارجه : السينغال، موريتانيا، كينيا، فرنسا، بل إنها وصلت حتى الهند لكي تلتقط صورا للطيور المهاجرة و الحيوانات البرية في الحدائق الوطنية و المحميات الطبيعية، لكن قبل ذلك و منذ 2013 تلقت تكوينات مكثفة على يد مصورين محترفين في المجال، حتى أضحت واحدة من المصورات القلائل للحياة البرية، هدفها، بالإضافة إلى المتعة و الشغف، التحسيس بأهمية الحياة البرية و تربية الجيل الناشئ على حب الطبيعة و احترام البيئة.
دار الشريفة بمراكش، احتضنت أخيرا، معرض صور لمصورة الحياة البرية حليمة بوصديق تحت عنوان “رحلة الشغف للكشف عن أسرار البراري هنا و هناك “. مغربيات زارت المعرض و التقت بحليمة بوصديق للكشف عن أسرار شغفها بتصوير الحياة البرية و و معرضها الذي اختتم قبل يومين..
جانب من المعرض بدار الشريفة
تمتد علاقة حليمة بوصديق بتصوير الحياة البرية لسنوات طويلة، فمنذ الصبا وهي تتوق لمعانقة البراري و القبض على اللحظات الهاربة.صحيح أن ظروف العمل و العناية بأسرتها لم تمكنها من اتباع حلم ظل يسكنها إلى أن حان الوقت الإفراج عنه و منحه المساحة التي يستحقها ضمن أجندة مزدحمة من الانشغالات. إذ بالإضافة إلى حب التصوير، فهي كذلك رئيسة جمعية مصوري الحياة البرية، كما أنها تهتم بالتراث المادي و اللامادي، وهي عضو نشيط في جمعية “منية“ التي تعنى بالتراث بمراكش.
تكوينات في مجال تصوير الحياة البرية
استفادت حليمة بوصديق من مجموعة من التكوينات، قبل أن تحمل آلة التصوير وتتجه صوب البحيرات و المحميات و المتنزهات الطبيعية.بداية بتكوين نظمته مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب سنة 2013، تلاه بعد ذلك تكوين بفرنسا ب“La camarc” على يدمصور فرنسي محترف، وهناك تعلمت تقنية “المخبأ العائم“ وهي تقنية تتيح للمصور أن يلتقط صورا من داخل الماء وسط البحيرة و قريبا من الطيور. بعد ذلك ستنتقل بوصديق إلى منطقة طبيعية بفرنسا تدعى “Sologne” برفقة مصور محترف تعلمت على يديه تقنية الاقترابمن الثدييات و الطيور المائية.
حليمة بوصديق في “المخبأ العائم”
رحلات خارج المغرب
اعتمدت حليمة بو صديق على إمكاناتها الذاتية، مدفوعة بشغف كبير نحو تصوير الحياة البرية، حيث كانت المحطة الأولى لها خارج المغرب هي السينغال، وهو الاختيار الذي لم يأت اعتباطا، و إنما لكون هذا البلد يتوفر على بحيرة تعتبر ثالث أكبر محمية للطيور بالعالم “دودج“ تقول حليمة ل“مغربيات“ : هناك كم هائل و تنوع منقطع النظير من الطيور و الزواحف و الثدييات. أتذكر أنني أقمت بفندق بمدينة “سانت لويس“ التي لا تبعد كثيرا عن المحمية، و كنت أتنقل كل يوم صوب هذه المحمية، على الساعة الخامسة صباحا، برفقة مرشدين من أبناء المنطقة و أمكث هناك ألتقط صورا، و لا أعود إلى الفندق إلا على الساعة الثامنة مساءا.”
تعتبر بوصديق أن هذه الرحلة واحدة من أروع الرحلات التي خاضتها في مجال التصويرالبري، وفي هذا الإطار تقول : من أجمل اللحظات بالنسبة لمصور الحياة البرية هو عندما يقتنص لحظات و صور ليست متاحة دائما، خاصة أمام أصناف من الطيور النادرة، وهذه البحيرة منحتني لحظات استثنائية في مساري الفوتوغرافي، خاصة حين التقطت صورة لطائر يدعى “الكاتب“ “le secretaire” وهو طائر ليس من السهل العثور عليه. كنت فرحة كطفلة بعد التقاطي للصورة“.
حليمة بوصديق في مخبئها أثناء التقاط الصور
تنقلت بوصديق إلى محميات و بحيرات أخرى بعد أن أمضت خمسة أيام ب“دجودج“، و أكثر ما لفت انتباهها هو كيفية تدبير الفضاءاتالطبيعية و الحدائق الوطنية و المحميات بالسينغال.
بعد ذلك ستأتي رحلة أخرى إلى الهند بالمنتزه الوطني “Kéoladeo”، حيث التقطت بوصديق صورا لطيور نادرة كذلك مثل طائر “الثعبان“ وهو من اللوحات الجميلة التي تضمنتها مجموعة المعرض. هناك ستتعرف حليمة على مجالات طبيعية و منتزهات وطنية كثيرة التقطت فيها مجموعة من الصور الجميلة و النادرة كذلك، كما مكنتها هذه الرحلة من الوقوف على أهمية مراقبة حياة الطيور لدى مواطني الهند، الذين يحجون جماعات ( كل الأسرة : الأب و الأم و الجد(ة) و الأبناء) للاستمتاع بمراقبة الطيور وهو ما يصطلح عليه ” Bird watching”. تقول حليمة : أعجبت بإقبال المواطنين هناك على هذه الحدائق و المحميات الوطنية و أتمنى أن أرى نفس الشيء في المغرب، وبدل أن يتوجه الناس بكثرة نحو الأسواق الكبرى و المتاجر ، لم لا يرافقون أبناءهم إلى المحميات و الحدائق لرؤية الطيور، لأن ذلك من شأنه أن يربي الجيل الناشئ على حب الطبعية و احترامها“. بفرنسا كذلك كان لها موعد بمنتوج “Cnamargue”، حيث التقطت مجموعة هائلة من الصور.
إلى جانب السينغال ، فرنسا و الهند، كان لموريتانيا حظها كذلك، خاصة في الحديقة الوطنية “Diawling”، وهو منتزه لا يفصله عن“دجودج“ بالسينغال إلا نهر السينغال، وقد شكلت هذه الرحلة كذلك تجربة غنية بتنوع الطيور بها، لاسيما تلك المهاجرة آلتي تحط الرحال سنويا بمواسم الهجرة بهذه المحمية. ثم بعد ذلك جاءت الرحلة إلى كينيا، حيث توجهت بوصديق رفقة ثلة من الأصدقاء إلى حديقة وطنية تدعى ” Masai Mara” وهي معروفة بالثدييات مثل الفهد و الزرافة و وحيد القرن و فرس النهر وغيرها.
معرض متنوع..
ويضم المعرض مجموعة من الصور المتنوعة بين طيور و ثدييات التقطت في محطات مختلفة في كل من المغرب، موريتانيا، السينغال، كينيا و الهند وفرنسا، حيث بلغت 58 لوحة تشكل كل واحدة منها ذكرى خاصة لدى حليمة بوصديق، وكلما تطلعت إليها إلا وتستحضر متعة خاصة، سواء في خوض المغامرة أثناء التقاط هذه الصور او من خلال لحظة القبض بالعدسة على طائر هائم لا يكترث لمن يراقبه.
عن الحيونات المفترسة التي نالت حظها من التشكيلة المعروضة، تقول حليمة : هي لحظات طبعت ذاكرتي بمتعة لا تضاهيها أية متعة أخرى في الحياة، لازلت أستشعر طعم نشوتها خاصة و أنا أقبض على اللحظة الهاربة لطائر نادر، أجعل الزمن يتوقف عنده. أما عن الثدييات المفترسة التي التقطت لها صورا ب“كينيا“، فهي تجربة استثنائية، لم أكن فيها لوحدي طبعا، حيث رافقني مرشدون يعرفون جيدا المنطقة و يخبرون دروبها و مخاطرها، يوفرون لي الحماية اللازمة، حيث لا ألتقط صورا لحيونات مفترسة إلا تحت مراقبتهم و حمايتهم“.
لم يكتب لرحلة أخرى ل“كوستاريكا” كانت مبرمجة أن تتحقق، للأسف، تقول حليمة، لأن ظروف الجائحة حالت دون التوجه إلى هناك، لكن مع ذلك كنت رفقة أصدقائي من هواة و محترفي التصوير البري، نقوم بجولات تصويرية بالمغرب، بعد الحصول على رخصة بذلك من السلطات، حيث لا يمكن التوقف عن تصوير الحياة البرية، خاصة مع حلول موسم هجرة الطيور. بالإضافة إلى ذلك لم تتوقف الجمعية التي أرأسها، عن تنظيم معارض منها معرض افتراضي ثلاثي الأبعاد، الذي نظم خلال فترة الحجر الصحي و كسر جو الملل الذي كان سائدا في وسط عشاق هذا الفن، فضلا عن تنظيم ندوات افتراضية مثل ندوة “مبدعات عربيات في مجال تصوير الحياة البرية“ وقد لاقى نجاحا كبيرا في أوساط متتبعي هذا الفن.
وقد دأبت الجمعية كذلك على تنظيم معارض داخل المؤسسات التعليمية من خلال عرض صور التقطها مصورو الحياة البرية، كنوع من النشاط البيئي، للتحسيس بأهمية الطيور في أوساط التلاميذ ، وذلك بتعاون مع فعاليات مدنية في مجال البيئة و أكاديميات جهوية للتربية و التكوين في عدة مدن (مراكش، الرباط، العيون، إفران، الحسيمة..).