فتاح النكادي : لا يضايقني أن يُختزل اسمي في موسيقى مسلسل ”وجع التراب” (1/2)
مغربيات
لا يمكن لكل من تذكر مسلسل “وجع التراب“ إلا أن يستحضر الموسيقى التصويرية التي لا تقل روعة عن العمل نفسه و ارتبطت به إلى حد كبير. كثيرون أحبوا هذا المسلسل لمخرجه شفيق السحيمي لكن القليلين يعرفون أن الموسيقى الرائعة التي رافقت أحداثه هي لفنان مبدع اسمه فتاح النكادي.
“مغربيات“ تواصلت مع الفنان و الملحن فتاح النكادي للحديث عن تجربته في الموسيقى التصويرية و عن ظروف توقف فرقة “النورس“ و الأغنية المغربية..
مغربيات : بداية نريد أن نعرف من هو فتاح نكادي..
فتاح نكادي فنان مغربي. بعد سنوات من الدراسة اخترت مجال الموسيقى لأنه الأقرب إلي، و لأنني أحسست بأنه هو المجال الذي يمكنني أن أعيش من عائداته، كما أنه يشكل بالنسبة لي الجناحين اللذين سيمكنناني من التحليق عاليا، وهو المجال الذي سأحقق من خلاله أحلامي.
بالإضافة إلى آلة البيانو ماهي الآلات الموسيقية الأخرى التي تجيد العزف عليها؟
نعم أعزف على آلة آلة البيانو بالدرجة الأولى ثم الناي كذلك (الناي الغربي و ليس العربي).
هل يضايقك أن يختزل اسمك في رائعة وجع التراب للمخرج شفيق السحيمي، وهنا المقصود ب“رائعة“ الموسيقى التصويرية للمسلسل، علما أن المسلسل يبقى عملا رائعا بدوره ؟
أبدا بالعكس، لا يضايقني هذا الأمر بتاتا. لأن أي فنان سواء كان مخرجا أو موسيقيا أو رساما أو أو..، غالبا ما يرتبط اسمه بعمل يبقى راسخا في وجدان الناس، دونا عن باقي الأعمال الأخرى. الرسام الإيطالي ليوناردو دافنتشي مثلا ارتبط اسمه بلوحة خالدة هي “الجوكاندا“،رغم أنه أبدع على عدة مستويات . مسلسل وجع التراب هو بداية بالنسبة لي كانت قوية، و أنا أعتز بهذه التجربة، لكن للأسف لم يسلط عليها الضوء بما يكفي، حيث يجهل العديد من الناس أن موسيقى مسلسل وجع التراب الذي أعجبوا به هي لفنان اسمه فتاح نكادي. في الواقع فإن ذلك راجع للقناة التي كانت تبث حلقات المسلسل و هي القناة الثانية، كان يفترض أن تستضيفني على الأقل في أحد برامجها ليعرف الناس صاحب موسيقى وجع التراب، لكن هذا لا يهم الآن وقد استفدت الكثير من خلال هذه التجربة. كما أنها منحتني شهرة والعديد من الناس لا زالوا يبدون إعجابهم بها.
بالإضافة إلى احتراف التلحين و الغناء، هل تمارس مهنة تدريس الموسيقى؟
معم أنا أستاذ لمادة الصولفيج و آلة البيانو في عدد من المعاهد الموسيقية بمدينة الدار البيضاء ، كما أنني موظف بوزارة الثقافة.، و أدرس الطلبة المكفوفين بشكل خاص، و الطلبة العاديين كذلك، كما أنني مشرف على قسم الغناء بأحد المعاهد بحي سيدي مومن.
ارتبط اسمك في العديد من المحطات بموسيقى تصويرية لعدد من الأعمال التلفزيونية و السينمائية؟ هل هو اختيار شخصي أم أن مخرجين باتوا يطلبون انتاجاتك الموسيقية بعد نجاح “وجع التراب“ لشفيق السحيمي؟
في الواقع كانت لنا فرصة مهمة، و التي قمت باستغلالها بشكل كبير، يتعلق الأمر بدراستي بالمعهد البلدي بالدار البيضاء بصفته من أكبر المعاهد،. حيث كنا ندرس الغناء و الصولفيج و الهارمونيا، حيث لم تكن كل هذه المواد متاحة في باقي المعاهد وذلك على المستوى الإفريقي أيضا، وقد كنت محظوظا بأن تتلمذت على يد أساتذة أكفاء مثل خديجة الدغمي في مادة الصولفيج و البيانو، عفيفي في المسرح، وهناك عدة أسماء لا يمكنني نساينها، و الحقيقة أن دروس المسرح جعلتني أنفتح على عالم آخر و أبرز مواهب أخرى في التمثيل و التشخيص، و قد كانت لي فرصة للاتقاء بأحد العازفين على ا“لأكورديون“ في إحدى المسرحيات و رأيت كيف رافقنا هذا العازف طيلة المسرحية، و من هناك تولدت لدي فكرة إنجاز موسيقى تصويرية. عملت مع كبار المخرجين في المغرب من أمثال : أحمد السنوسي، الطيب الصديقي، والعديد منهم، إلى أن جاءت فكرة الموسيقى التصويرية للتلفزيون. في الحقيقة هذا التدرج في الحياة يجعلك في كل مرة تكتشف أشياء في نفسك لم تكن تعرفها. ثم لا أنسى تجربة فرقة النورس الملتزمة، وهي تجربة غنية تعلمت فيها الكثير، بالإضافة إلى أنني اشتغلت في التوزيع الموسيقي مع عدة فنانين : أسماء المنور، نعمان لحلو و حياة الإدريسي وغيرهم.
أظن أن ذلك راجع لكون التلفزيون له انتشار أوسع من باقي الوسائل الأخرى، و لربما لهذا السبب ارتبط اسمك في ذهن الناس بالموسيقى التصويرية لمسلسل وجع التراب أكثر من غيره؟
نعم لأنه للأسف وسائل الإعلام لا تقوم بدورها في التعريف بانتاجات بعض الفنانين. الإذاعة الوطنية و كذلك الإذاعات الخاصة لا تذيع إلا نمطا واحدا من الأعمال ، و هي تحاول أن توهمنا بأن هذه الأعمال ناجحة و تمثل الأغنية المغربية. وهي أنماط موسيقية تذاع بشكل يومي و انا شخصيا أعتبرها بعيدة كل البعد عن الموسيقى المغربية. وعما يمكن أن يبدعه الفنان المغربي و يطوره.
ماذا تعني لك فرقة “النورس” و متى تأسست؟
فرقة النورس تأسست سنة 1989و أصدرنا ألبومين : “النار في دمي“ و “البحر“. بعد ذلك اضطررنا للتوقف بسبب الحصار الإعلامي الذي كان مضروبا على المجموعة، حيث لم نتمكن من الاستفادة من الدعم أو القيام بعروض مثل بقية الفرق الموسيقية في ذلك الوقت. صحيح أننا افترقنا، لكن كل واحد من أعضاء الفرقة استطاع أن يكمل مشواره الفني لوحده و يحقق نجاحات كثيرة بشكل فردي، لكن فكرة فرقة “النورس“ لازالت حاضرة .
كيف ترى الموسيقى التصويرية اليوم في الإنتاجات المغربية؟ فيما يختلف موسيقي يبدع في الموسيقى التصويرية عن مبدع آخر؟
هناك موسيقيين ينتجون موسيقى تصويرية، هم في الحقيقة مجرد تقنيين فقط، أي لا يمكنهم خلق جملة موسيقية تبقى راسخة في وجدان الناسو ذاكرتهم. و الدليل أن هناك كم كبير من المسلسلات التي تبث في القنوات الوطنية، لكننا لا نتذكر أي موسيقى تصويرية لأي واحدة منها، فمثلا عندما نتذكر “وجع التراب “ أو “عبد الرحمان المجدوب“ تقفز مباشرة إلى أذهاننا موسيقى هذه الأعمال. هناك تقنيين في الموسيقى التصويرية و ليس ملحنين. الآن أصبحت هناك شركات تبحث عن من يقوم بإنتاج “الجنيريك“ لوحده، ثم موسيقى تصويرية لمجريات أحداث العمل. للأسف الشديد هناك 60 أو 70٪، وأنا أعرف جيدا ما أقول، ممن يشتغلون في الموسيقى التصويرية للأعمال التلفزيونية عن طريق سرقتها من الإنترنت من معزوفات موسيقية لا تخضع لحقوق المؤلف، في حين أن الملحنين الحقيقيين يظلون بدون عمل إلا في حالات نادرة. الحمد لله هناك مخرجين يثقون فينا و نبادلهم الثقة، ويمنحوننا فرص عمل، لكن مع ذلك حقيقة يحز في النفس ما يقع.
هناك من أصبحوا يلجؤون لإعادة أغاني تراثية في بعض الأعمال التلفزيونية، وقد لاقت نجاحا كبير مثل “ناكر الاحسان” مثلا..
نعم هذا يخص موسيقى “الجنيريك“، كما قلت لك سابقا، و على أي فرضوان الأسمر هو فنان مجتهد، لكن الموسيقى التي توجد داخل العمل ليست لرضوان الأسمر، وهذا ما أشرت إليه، حين قلت أن بعض المخرجين يلجأون لتقنيين لاستعمال المؤثرات الصوتية في الأعمال التي ينتجونها.هناك فرق شاسع بين إبداع جملة موسيقية و إعادة أغنية سابقة، قد أعيد أغنية “ الغزال فاطمة“ مثلا و أستعملها في جينيريك، لكن يبقى هذا هو المشكل الذي نعاني منه في بلادنا، وهو ما يحول دون تطوير موسيقانا. للأسف مكثنا لصيقين ببعض الأنماط الموسيقية ولم نغيرها. تصوري مثلا أنه بعد فترة الحجر الصحي التي خرج منها الناس متعبين نفسيا و متشوقين للاستمتاع ببرامج فنية، تفاجئنا التلفزة ببرنامج جديد فيه سهرة للفنانة نجاة اعتبابو، أنا لست ضد هذه الفنانة، لكن أوليس في المغرب إلا نجاة اعتابو؟ ألا يوجد فتاح النكادي مثلا؟ أو عبد الوهاب الدكالي؟ أو البشير عبده وغيرهم كثيرين ممن اشتقنا لرؤيتهم و سماعهم، و في السهرات الموالية، نفاجأ ب“ زينة“ و حجيب، و سنبقى هكذا ندور في فلك هذه المجموعة المحصورة في أسماء بعينها، و كأن ليس في المغرب غيرهم؟ و الحقيقة أن منتجي هذه البرامج يقترفون ظلما كبيرا بحق العديد من الوجوه الفنية التي لا تجد طريقها إلى الظهور في التلفزيون.