حياة أوتمى.. معلمة انضمت لأبناء وبنات إملشيل من أجل تنمية المنطقة
مغربيات
هي ابنة قبائل “أيت حديدو” المتواجدة بدائرة إملشيل، قبائل لا يؤمن أبناؤها و بناتها بالتغيير إلا عن طريق النموذج, ما دفعها لكي تعود لمنطقتها بقصر أكدال بإملشيل، بعد حصولها على الإجازة من كلية العلوم و التقنيات بالرشيدية، و تساهم بشكل مستميت في تنمية منطقتها عن طريق الانخراط في جمعية “أخيام للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية“، وهي المهمة التي أخذتها على عاتقها و لم تمنعها وظيفتها كمعلمة بالتعليم الابتدائي من القيام بها بكل تفان.
“مغربيات“ تواصلت مع حياة أوتمى الكاتبة العامة ومنسقة برامج الجمعية للحديث عن واقع المرأة القروية بدائرة إملشيل (التابعة لإقليم ميدلت) التي اشتهرت بموسم الخطوبة، وكذا الجهود التي تبذلها جمعية أخيام من أجل تمكينها من التعليم و المساهمة في تنمية المنطقة عن طريق خلق مشاريع مدرة للدخل..
تعد دائرة إملشيل الواقعة بقلب جبال الأطلس الكبير واحدة من المناطق المشهورة، ليس داخل المغرب وحسب، بل حتى خارجه، حيث يعد موسمها للخطوبة السنوي الذي ينظم في آخر جمعة من شهر شتنبر هو من منحها هذا الصيت. لكن خلف هذه الشهرة هناك مساحة كبيرة من الفقر و التهميش وضعف البنيات التحتية، وجدت أمامها ثلة من أبناء المنطقة، من بينهم حياة أوتمى، الذين يحرصون على تحسين ظروف الساكنة و العمل على تغيير العقليات التي تحول دون تمكين الفتيات من متابعة دراستهن و النساء من المساهمة في التنمية، عبر إنشاء جمعية “أخيام للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية“. ولكي تتحقق هذه الأهداف تعمل الجمعية على المرأة و الطفل معا..
تأسست جمعية أخيام في مارس سنة 2000 من طرف 35 من شباب و طلبة جامعيين من أبناء منطقة إملشيل. وذلك بهدف تحسين ظروف عيش ساكنة هذه المنطقة و إدماجها في المخططات الوطنية للتنمية.
من بين المحاور التي تشتغل عليها الجمعية هناك تنمية المرأة القروية، حيث يحتل مجال المرأة و الطفولة حيزا مهما في عمل الجمعية.
دعامة للتعليم
يتم التنسيق بالنسبة للتعليم الأولي مع الجماعات الخمس التابعة لدائرة إملشيل التي تقوم بتسجيل الأطفال الذين لم يصلوا سن التمدرس عبر تسجليهم في لوائح تسلم للجمعية التي تتكلف بالتواصل مع الآباء. إيمانا منها بضرورة التعليم كعامل أساسي في تنمية المنطقة، فقد عملت الجمعية على إعطاء أهمية كبرى للتعليم عبر تشجيع الفتاة القروية من خلال المواكبة بتنسيق مع المديرية الجهوية للتعليم، سيما و أن نسبة الهدر المدرسي بالنسبة للإعدادي تمثل 23،1٪، بينما لا يصل المرحلة الجامعية إلا 0،7٪ من الساكنة، في حين لا تتعدى نسبة نجاح تلاميذ البكالوريا 17٪.
حرصت الجمعية على إنشاء أقسام للتعليم الأولي في الجماعات الخمس بمنطقة جبلية صعبة الولوج تقع في قلب الأطلس الكبير، على أرتفاع يصل إلى 2400 متر على سطح البحر، وتضم 60 دوارا، وليس من السهل إقناع الآباء فيها بترك بناتهن يتابعهن دراستهن.
تقول حياة أوتمى الكاتبة العامة و منسقة برامج جمعية أخيام ل“مغربيات“ : “لكي نقنع الآباء بضرورة ترك بناتهم يتابعن دراستهن، اعتمدنا برنامج مواكبة هؤلاء الفتيات في كل المراحل الإشهادية، من السادس ابتدائي إلى غاية التاسعة إعدادي عبر تتبعهن و منحهن الدعم الأساسي في كل المواد، حتى نحسن من جودة تعليمهن، و نقطع الطريق أمام رغبة الآباء في توقيفهن عن الدراسة، بدعوى أنه من غير المنطقي حرمان فتاة متفوقة من إكمال تعليمها، وهو برنامج يعم الجماعات الخمسة لدائرة إملشيل“.
ولكي ينجح البرنامج الذي يهدف لمواكبة الفتيات، عملت الجمعية على خلق ما يسمى بالوساطة الاجتماعية، وذلك عبر خلق مراكز للاستماع، تستمع فيها مؤطرات، تم تكوينهن لهذا الغرض للفتيات، لمشاكلهن، و تتدخلن لإيجاد الحلول الممكنة، حيث تكون المواكبة مزدوجة، من جهة هناك الدعم المدرسي ثم الدعم الاجتماعي و النفسي في نفس الوقت، لأنهما مرتبطين و لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.
تحرص الجمعية على تشغيل فتيات الدواوير التي تغطي الجماعات، وذلك من أجل إعطاء القدوة لفتيات أخريات حتى يتابعن دراستهن و يستلهمن من هؤلاء الفتيات اللواتي استطعن أن يكملن دراستهن و يحصلن على فرصة للعمل، كما أنهن يستفدن، وكلما سمحت الظروف، من تكوينات في مجال تخصصهن.
ورشات بيئية بمجموعة مدارس أكدال
مراكز استماع
من أجل تقريب الخدمات، عملت الجمعية على خلق مركز للاستماع بدائرة الريش و ملحقة له بقصر أكدال، بدعم من وكالة التنمية الاجتماعية (ADS). تؤكد حياة اوتمى أن هذا المركز تم إحداثه، بالإضافة إلى الاستماع، بهدف استقبال النساء المشتكيات اللواتي يعانين من العنف أو يرغبن في رفع دعوى للطلاق عبر توفير الإيواء لهن، سيما أن دائرة الريش تضم المحكمة التي تبعد عن هذه الجماعات بأزيد من 100 كيلومتر، فضلا عن وجود المحامين و الأطباء النفسانيين بذات الدائرة.
بالإضافة إلى المواكبة و تقديم خدمات الدعم النفسي و القانوني، استطاعت الجمعية أن خلق تعاونيات لتمكين النساء المطلقات و الأرامل من خلق مشاريع مدرة للدخل تساعدهن على تدبر المعيش و إعالة أسرهن (تعاونية لصناعة الخبز و الحلويات بإملشيل و بوزمو، تعاونية لجمع و تسويق البيض البلدي بأكدال، تعاونية للنسيج بإملشيل و أكدال، تعاونية لإنتاج خل التفاح ببوزمو، تعاونية لانتاج الأجبان بإملشيل و نفس المنطقة تضم تعاونية لإنتاج الحليب وغيرها من التعاونيات..)، بالإضافة إلى خلق أقسام لمحو الأمية في صفوف النساء (تبلغ نسبة الأمية فيصفوف النساء 63،8٪).
فيما يتعلق بمعيقات العمل توضح حياة : “غالبا ما يكون المشكل إما ثقافيا أو اقتصاديا، حيث نجد أنفسنا أحيانا نصطدم بعقليات لازالت ترى أن مكان الفتاة هو البيت و الزواج و تربية الأطفال، دون النظر بعيدا عن هذه الحدود، التي تفترض نمطا مختلفا من التفكير، سيما حين تجد الزوجة نفسها مطلقة بدون معيل، ثم هناك المشكل الاقتصادي الذي يحول أحيانا دون متابعة الفتيات أو الفتيان كذلك لمسارهم الدراسي، حيث يضطرون للانقطاع في وقت مبكر بسبب الظروف المعيشية، ما جعلنا ندهم الطلاب بمنح حتى ينمكنوا من متابعة دراستهم الجامعية بعيدا عن حضن الأسر“.
تمكين المرأة
على الرغم من أن المنطقة تزخر بمؤهلات طبيعية ( أسطورة “إسلي“ و“تسليت“ و البحيرات المكونة من دموع شابين حرما من الزواج) جعلت من السياحة القروية موردا أساسيا للعديد من سكان المنطقة، كما ينظم فيها سنويا موسم الخطوبة لإملشيل ومهرجان موسيقى الأعالي، هي التي تسكنها قبائل أمازيغية تدعى قبائل أيت حديدو و التي لا تؤمن إلا بالنموذج، إلا أن العديد من أبناء المنطقة لازالوا ينظرون للمرأة نظرة دونية تقليدية لاترقى للمكانة التي أصبحت عليها، و على أن الفتاة مكانها الطبيعي هو بيتها، وهي العقلية التي تسعى الجمعية، عبر أحد برامجها الهامة إلى محوها، لإيمانها بالدور الكبير للمرأة في المجتمع و دورها في تربية الناشئة و خلق موارد للدخل، و هي أمور تؤكد حياة أوتمى، لن تتحقق بدون تمكينها حقوقيا و اقتصاديا في مختلف مراحل العمر، وكذا تأمين تمدرسها، و صيانة القرارات المتعلقة بمسارها، ثم تمكينها من آليات المشاركة في تدبير و تسيير الشأن المحلي، حيث تحققت أشياء كثيرة، لكن لازال الطريق طويلا.
ورشات للتبادل الثقافي بمدارس أكدال