الذهب الأحمر أو الزعفران طوق نجاة لنساء “تالوين”
مغربيات
قبل طلوع الفجر وخلال الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر من كل سنة، تتوجه نساء منطقة “تالوين“ (جهة سوس) إلى الحقول لجني الزهور البنفسجية التي تحتوي على شعيرات الزعفران. رحلة موسمية تمتد على مدى أسبوعين تقريبا ، على الرغم من قساوتها إلا انها منحت نساء تالوين نوعا من الاستقلالية، حيث كن في السابق يقمن بكل مراحل إنتاج الزعفران من جني و “مونتاج”، في حين ينفرد الأزواج أو الإخوة بالتسويق و تحصيل عائداته.
للحديث عن انخراط النساء في انتاج الزعفران أو الذهب الأحمر كما يطلق عليه، “مغربيات“ تواصلت مع ربيعة مرزوق رئيسة التعاونية الفلاحية النسوية “سكينة” للزعفران..
اختارت النساء اسم “سكينة” تيمنا بامرأة أرملة عُرِِفت بدوار “تابيا“ بكفاحها و تفانيها في خدمة الآخرين. امرأة رغم الظروف القاسية، إلا أنها استطاعت أن تتحمل المسؤولية و تعيل أبناءها بعد وفاة زوجها. يعرفها سكان الدوار بكونها قابلة وُلِد على يديها مئات من أبنائهم، كما كانت تعمل في حقول الزعفران و لا تتردد في تقديم المساعدة لكل من كان في حاجتها. امرأة حرة و شجاعة لم تجد النساء أكثر من تسمية التعاونية على اسمها اقتداء بجرأتها و شجاعتها في مواجهة الظروف القاسية.
التأسيس
تأسست التعاونية في يونيو سنة 2008. في البداية لم يكن عدد المنخرطات يتجاوز 17 امرأة إلى أن بلغ اليوم 93 متعاونة. بالنسبة لمنتوج الزعفران أو ما يسمى بالذهب الأحمر، نظرا لثمنه الباهظ، فيكون موسميا، مرة واحدة في السنة، حيث يُشْرَع في جنيه خلال الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر، لكن الاشتغال عليه يكون طيلة السنة، وهو ما يجعل النساء في عمل دؤوب لتحضير الزعفران حتى يكون جاهزا للتسويق.
ولأن الزعفران يقطف على شكل زهور بنفسجية صغيرة تعمل النساء على جمعها في وقت مبكر، قبل طلوع الشمس و قبل أن تتفتح الزهرة، فإنهن يعملن على عزل الشعيرات الرقيقة التي تعطي الزعفران بعد أن تمر بمراحل عديدة و يتم تلفيفها لتكون جاهزة للأسواق. و تحرص النساء على جمع الزهور قبل أن تتفتح مما يحافظ على جودة الزعفران، وكلما تفتحت الزهور كانت الشعيرات عرضة للحشرات و الغبار.
تقول ربيعة مرزوق رئيسة التعاونية ل“مغربيات“ : تعتمد النساء المتعاونات على حقولهن الخاصة و حقول أقربائهن المزروعة بالزعفران، كما أنهن، وبعد تزايد الطلب على المنتوج، لم يعد المحصول الذي ننتجه كافيا لسد الطلبات التي نتلقاها، فقمنا بكراء أرض مساحتها عشرة هكتارات، حتى نرفع من وتيرة الإنتاج“.
ربيعة مرزوق رئيسة التعاونية
مراحل الإنتاج
بعد جني زهور الزعفران، تقوم النساء بجمع المحصول و حمله إلى ىبيوتهن، حيث يقمن بعملية الفرز، بعد ذلك يتوجهن إلى مقر التعاونية، هناك يقمن بوزن الكميات المحصلة، لتبدأ عملية المونتاج، التي تعتمد أساسا على عزل الشعيرات الرقيقة عن الزهرة. و تتطلب هذه العملية دقة و إتقان، ثم بعد ذلك تمرر الشعيرات في المجفف (séchoir)، قبل لفها.
عن ارتفاع ثمن الزعفران تقول رئيسة لتعاونية إن ذلك راجع بالأساس لقيمته الغذائية من جهة، و لكون كميات كبيرة من الزهور لا تعطينا إلا نسبة قليلة من الزعفران (140 زهرة تعطي 1 غرام من الزعفران) من جهة أخرى. كما أن كل المراحل التي يمر منها انتاج الزعفران لا تعتمد على الآلات بل على اليد العاملة، مما يجعل الإنتاج بطيئا يتطلب دقة و إتقانا.
ولأن انتاجه يكون موسميا (مرة واحدة في السنة)، فإن المدخول المحصل من بيع الإنتاج يتم تحويله إلى وجهة أخرى. أما بالنسبة لمشاكل التسويق فتؤكد ربيعة أنه خلال السنوات الثلاث الأولى، كان السوق الوحيد لعرض المنتوج يتمثل في المعارض و المهرجانات التي تقام بالمملكة، لكن بعد ذلك وبفضل دعم وكالة التنمية الفلاحية استطعنا أن نلج المراكز التجارية الكبرى، بالإضافة إلى السوق التضامني بالدار البيضاء، حيث أصبحنا نعرض منتوجنا هناك، وقد لاقى إقبالا كبيرا الحمد لله بفضل جودته.
تشير مرزوق إلى “أن هذا المنتوج المعروض في الأسواق يعد عالي الجودة، تماما كالذي يباع في أسواق تالوين، و يعود الفضل لوزارة الفلاحة التي فتحت أمامنا تلك الاسواق التي لم نكن لنلجها لعرض منتوجنا لولا هذه المبادرة. كما شاركنا في عدة معارض دولية بفرنسا، ألمانيا و الإمارات (أبو ظبي) وغيرها. هذه المعارض ساعدتنا لإنشاء شبكة من العلاقات، حيث أصبحت جهات تطلب منتوجاتنا في الخارج”.
خلال معرض للمنتوجات الفلاحية
استقلالية
من بين الأهداف التي تحققت للنساء في التعاونية هي كونهن أصبحن المستفيد الأول من بيع المنتوج، بعد أن كانت المراة في وقت سابق تقوم ب90٪ من العمل، لكن الزوج كان هو المستفيد من عملية البيع. بفضل التعاونية أصبحت المرأة تشرف على العملية من بدايتها إلى أن يباع المنتوج، وهذا في حد ذاته، توضح رئيسة التعاونية إنجاز هام، لأنه حقق نوعا من الاستقلالية لهؤلاء النساء اللواتي كن ينتظرن أن ينفحهن الأزواج ببعض الدراهم. سيما و أن من بين المستفيدات هناك أرامل و مطلقات مسؤولات عن إعالة أسر بكاملها.
نساء يقمن بعزل الشعيرات عن الزهرة
منافسة
بالإضافة إلى المنافسة الوطنية هناك منافسة دولية كذلك. في منطقة تالوين وحدها هناك عدد كبير من التعاونيات التي تعنى بإنتاج الزعفران (ما يناهز 200 تعاونية)، أما دوليا فيبقى الزعفران الذي تنتجه دولة إيران هو أكبر منافس، حيث تنتج ما يناهز 200 طن من الزعفران سنويا، فيما لا يتعدى الإنتاج في منطقة تالوين و تازناخت 7 طن فقط، و يبدو تأثير المنافسة قويا على مستوى التسويق، حيث يفضل التجار اقتناء الزعفران القادم من إيران، لأن ثمنه يتراوح بين 7 أو 8 دراهم للغرام الواحد، في حين أن زعفران تالوين يتراوح ثمنه بين 25 و 30درهم للغرام الواحد، وهو ما يجعل تجار هذه المادة يفضلون اقتناء الزعفران الإيراني على غيره، ومع ذلك فإن منتوج تالوين يبقى ذو جودة عالية، باعتبار أنه لا تستعمل فيه المواد الكيماوية، كما أنه ينمو في تربة معتدلة الحموضة، توضح ربيعة مرزوق.
استعمال متعدد
يعد الزعفران من المواد الأساسية التي تستعمل في الأطباق المغربية التقليدية، خاصة في المناسبات وفي موسم البرد، أما في تالوين وغيرها من المناطق فيستعمل في تحضير الشاي، حيث يمنحه نكهة خاصة، كما يساعد على مقاومة نوبات البرد و السعال، بالإضافة إلى كونه يستعمل في صباغة الصوف الذي يستعمل في صناعة الزرابي، فضلا عن الاستعمالات المتعددة في التجميل حيث يستخدم في تزيين العروس، بالإضافة إلى العديد من الاستعمالات الأخرى.