سعاد شكري .. من تربية النحل إلى السياحة التضامنية ب”تالوين”
مغربيات
منذ أزيد من عقدين تقريبا انخرطت سعاد شكري في إنشاء تعاونية فلاحية بمنطقة “تالوين“ بضواحي تارودانت تعنى بتربية النحل بمعية 50 امرأة تقريبا.مبادرة رأت النور بدعم من الأميرة الراحلة للا فاطمة الزهراء، من أجل خلق مشروع فلاحي مدر للدخل لنساء المنطقة. هذا المشروع الذي عرف نجاحا كاسحا بفضل انخراط المتعاونات فيه، سيما و أن المنطقة تشتهر بتربية النحل و إنتاج الزعفران، شكل موردا أساسيا بالنسبة للكثيرات في مرحلة سابقة، لكن و مع هجرة الغالبية العظمى من المتعاونات سوف تغير سعاد شكري مشروع تربية النحل إلى السياحة المتضامنة، هذا النوع من السياحة الذي أصبح يعرف اكتساحا كبيرا في العديد من مناطق من المغرب.
“مغربيات“ تواصلت مع سعاد شكري للحديث عن تعاونية تربية النحل و مشروعها السياحي التضامني..
كانت البداية من “أيت واكاز“ إحدى الغابات المجاورة لمنطقة “تالوين“، حيث عملت سعاد شكري رفقة 50 متعاونة على إنتاج العسل من خلال مشروع فلاحي أعطت انطلاقته الأميرة الراحلة للا فاطمة الزهراء تحت اسم “تعاونية نساء الحسنية لتربية النحل“، قبل أن يتقلص عدد المتعاونات إلى خمس نساء فقط، بعد أن تزوجت بعضهن، فيما هاجرت العديدات إلى خارج الوطن أو إلى مدن أخرى متفرقة.
تقول سعاد شكري ل“مغربيات“ : بعد أن تقلص عددنا و أصبح لا يتعدى أصابع اليد، قل الإنتاج و أصبحنا نجد مشاكل في التسويق، بعد أن كان العسل الذي تنتجه التعاونية مطلوبا في كل من مراكش، اكادير وحتى الدارالبيضاء، و زاد من تفاقم الوضع انتشار الوباء الذي حد من الحركة الاقتصادية و السياحية، وجدت نفسي أفكر في مشروع آخر مذر للدخل.
السياحة التضامنية
منذ 14 سنة خلقت سعاد شكري مقاولتها الخاصة التي تعتمد فيها على السياحة التضامنية. حيث أنشأت دارا للضيافة و أصبحت تستقطب الراغبين في زيارة المنطقة و التعرف على عاداتها و مؤهلاتها الطبيعية، فضلا عن منتوجاتها كالزعفران و العسل. وقد ساعدها في ذلك التجربة التي اكتسبتها من خلال عملها السابق كفاعلة ضمن جمعية “الهجرة و التنمية“ التي أنشأها أحد أبناء المنطقة المهاجرين بفرنسا وجعل مقرها الثاني بتالوين، و التي كانت تعمل فيها سعاد منسقة اجتماعية تقوم بحملات تحسيسية في صفوف النساء عبر تشجيعهن على خلق مشاريع مذرة للدخل، فضلا عن التحسيس و التوعية في أوساط الأمهات و الأطفال (تشجيع التمدرس، التربية الأسرية…).
من بين المشاريع التي عملت الجمعية على خلقها بالمنطقة هناك السياحة التضامنية، حيث عملت على إعادة تأهيل بيوت تقليدية عبر إصلاحها و تجهيزها تعود ملكيتها لنساء أرامل و بدون معيل، يقصدها السياح الأجانب الذين كانت سعاد ترافقهم عبر جولات سياحية للمنطقة كنوع من الإرشاد السياحي الذي يعتمد في مضمونه، بالإضافة إلى السياحة الجبلية، على جعلهم يتقربون من المرأة القروية الصانعة التقليدية و المتعاونة الفلاحية، من خلال تشجيعهم باقتناء منتجات الزعفران و العسل و الأعشاب الطبية و الزرابي وغيرها من المنتجات المحلية.
لجلب السياح الأجانب تعتمد شكري على وكالات أسفار بفرنسا و إيطاليا و دول أخرى تعمل في السياحة التضامنية، وهي وكالات استطاعت أن تربط بها الاتصال عن طريق الإنترنت، و قد تعلمت الكثير من أساليب التعامل مع السائح الأجنبي، لتكون بذلك سفيرة جيدة لمنطقتها تالوين التي تشتهر بالسياحة الجبلية ولبلدها المغرب.
سائح متضامن
عن الأزمة التي أرخت بظلالها في السنتين الأخيرتين تؤكد شكري قائلة : من حسن حظي أنني حولت الجزء العلوي من بيت العائلة إلى دار للضيافة أستقبل فيها السياح طيلة السنة، كما يعمل معي أفراد من عائلتي، وهو ما جعلنا نتقاسم التكلفة الثقيلة التي لازلنا نتكبدها مع الجائحة، لكن ذلك لا يمنع من أن الكثيرين مثلي من الذين يسيرون دور ضيافة هنا بتالوين قد عانوا طلية الفترة الأخيرة بسبب الأزمة التي ضربت القطاع السياحي بالمنطقة و أثرت بسكل مباشر على الصانعات التقليديات، كما قلصت من فرص التسويق للمنتجات المحلية بشكل عام. إننا في هذه المناطق القروية لازالت روح التضامن بين الأهل و الجيران سائدة، حيث أنه كلما حل فريق من السياح في ضيافتي، إلا ووجدت كثيرات من قريباتي من حولي يتطوعن لتقديم خدماتهن بكل تفان و حب.
عن السياحة التضامنية تضيف سعاد : السائح الأجنبي أصبح أكثر اهتماما بالثقافة التي تتميز بها الوجهة التي يزورها. لا يهمه أن يعيش الترف من حيث الإقامة بالقدر الذي يحب أن يتعرف فيه على ما تزخر به المنطقة من عادات وتقاليد. بعض السياح يلازموننا في المطبخ.يساعدون في تحضير الأطباق و يندمجون معنا بشكل يجعلهم أفرادا، حتى يتعرفوا عن قرب على نمط و أسلوب عيشنا.
و عن خروج المرأة بتالوين تقول شكري : الحمد لله المرأة أصبحت تقتحم العديد من المجالات، قبل سنوات كنت الوحيدة التي تزاول هذه المهنة، اليوم أصبحن كثيرات نمتهن السياحة التضامنية. ففي وقت سابق كانت المرأة دائما حاضرة تعمل بتفان في البيت و في الحقل و في الصناعة التقليدية عبر انتاج الزربية، لكن الزوج هو من كان يقوم ببيع ما تنتجه المرأة، لدرجة أنها لا تعرف حتى ثمن ما تتفنن في صناعته في السوق. اليوم أصبحت الصانعة التقليدية تتعامل بشكل مباشر مع السائح الذي يقتني المنتوج من عندها دونما حاجة لوسيط.