عتيقة أزولاي.. مديرة أعادت الحياة لمجموعة مدارس بلعكيد ضواحي مراكش
مغربيات : رجاء خيرات
“بدل أن تلعن الظلام أشعل شمعة” شعار رفعته عتيقة أزولاي منذ حلت مديرة بمجموعة مدارس بلعكيد ضواحي مراكش سنة 2020، لكنها لم تكتف بشمعة واحدة، بل ظلت تشعل الشموع لتضيئ فضاء مدرسة عانت طويلا من التهميش الذي انعكس على أبناء المنطقة. هكذا و بدون سابق إشعار استفاق مدرسو و إداريو المؤسسة على قدوم مديرة جديدة قبل سنتين تقريبا، مدة رغم قصرها، كانت كافية لأن تغير الكثير للأفضل، فكان مجيئها أشبه بينبوع ماء تفجر بأرض قاحلة.
في سنة 2020 سيكون للطاقم التربوي بمجموعة مدارس بلعكيد موعد مع مديرة جديدة، عتيقة أزولاي. في البداية، ظن المدرسون و الإداريون أن هذه المرأة لم تكن إلا مديرة لا تختلف عن سابقيها في شيء، معتقدين أن الأمر ليس إلا واحدة من سلسلة تتشابه حلقاتها. هكذا فكر العاملون بالمدرسة على الأقل قبل أن يمر اليوم الأول من اللقاء بالوافدة الجديدة، لكن ما كادت أزولاي تضع رجلها داخل المؤسسة حتى طلبت عقد اجتماع طارئ لوضع خطة او ميثاق عمل يكون خارطة طريق لبناء مؤسسة سوف يصل إشعاعها لمحيطها و يتخطى الحدود ليبلغ مسامع المسؤولين، بفضل المجهودات التي بذلتها، سواء من حيث إعادة هيكلة البنية التحتية أو عقد الشراكات و الانفتاح على محيط المدرسة .
ميثاق عمل
“منذ اليوم الأول لقدوم عتيقة أزولاي..“ تقول صباح الهيمص معلمة بمجموعة مدارس بلعكيد بتأثر شديد ل“مغربيات“ كنا في حالة من الذهول حين دعتنا السيدة المديرة لاجتماع منذ اليوم الأول. لم نجد حتى قاعة يمكن ان نجتمع فيها، لكنها لم تقف على هذا التفصيل الذي بقدر ما آلمها، لم يحد من عزيمتها في إيصال الرسالة التي كانت تود أن تبلغنا إياها. قالت نحن هنا سواسية. أعرف أن التحديات كبيرة و يلزمنا عمل ضخم لإعادة بناء هذه المؤسسة، ولذلك ينبغي أن نكون يدا واحدة، متعاونين و متكاملين للنهوض بها، و أنا لوحدي لن أتمكن من تغيير هذا الواقع. لن نحقق أي شيء إلا ونحن يد واحدة، و كان وقع كلماتها كفيلا ليزرع بذرة أمل عشنا عليه حتى رأيناه يتحقق أمام أعيننا يوما بعد يوم“. و الحقيقة أن صباح ليست وحدها من استعادت حيويتها و نشاطها بعد أن يئست من مهنتها و أصبحت تقوم بواجبها دونما انتظارات تذكر، فغيرها كثيرون من مدرسين التفوا حول أزولاي و كلهم حماس للانخراط في مشروع تفجر أمامهم فجأة كشلال في أرض كانت قاحلة.
منذ حلت أزولاي بالمدرسة، و هي تعتمد المقاربة التشاركية و تطبقها كما تعلمتها في مناهج التكوين الذي تلقته، و من إيمانها العميق بمفهوم التشارك و التعاون كآلية للنجاح، إذ لا فرق بين الإداريين و المدرسين وبينها، بل إنها سطرت سياسة خاصة في التسيير تعتمد على مجالس المؤسسة كمجلس التدبير، وجمعيات نظامية، دون إغفال الجمعية الرياضية التي كانت أولى الجمعيات التي تم تأسيسها نظرا لما تكتسيه الرياضة من أهمية في حياة الأطفال، فضلا عن خلايا اليقظة و الإنصات، و التي يتمثل دورها في مواكبة الأطفال نفسيا و اجتماعيا. بالإضافة إلى نادي التسامح الذي يلعب دورا مهما في تتبع الأطفال الذين يعانون من العنف، وكذا إدماج الأطفال في وضعية إعاقة (إعاقات خفيفة).
تقول عتيقة أزولاي ل“مغربيات“ : “طبقا لمذكرة وزارية للسنة الجارية قامت المؤسسة بالاشتغال على تعميم مشروع المؤسسة المندمج كآلية لتفعيل الحياة المدرسية وتجويد التعلمات بالنسبة للتلاميذ. وقد اعتمدنا على ورقة في المشروع راعت إشراك جميع الفاعلين : جمعية أولياء التلاميذ، المجلس التلاميذي (ممثلو التلاميذ) ، المجالس التربوية و تجديدها، ممثلو جماعة واحة سيدي ابراهيم بحكم أن المدرسة تقع بتراب الجماعة“ وتضيف أزولاي “منذ مجيئي حرصتُ على نهج سياسة الانفتاح على محيط المدرسة، و بالتالي كان لابد من إشراك جميع الفاعلين في مشروع المدرسة المندمج“.
التلاميذ خلال نشاط تربوي
أثناء درس البستنة
إشراك التلاميذ في مجلس التدبير
لقاءات تشاورية
كان لهذه اللقاءات التي حرصت المديرة على تنظيمها من أجل الإنصات للشركاء دور بارز في تبادل وجهات النظر و الأخذ بعين الاعتبار لآراء مختلف الفاعلين، بل إن حتى مقترحات التلاميذ تم الأخذ بها، لكون التلميذ هو محور العملية التربوية. هذه المشاورات أسفرت عن ميلاد فريق قيادة مكون من مدرسين ينتمون لمجالس المؤسسة المختلفة ، بعد ذلك عمل الفريق على تشخيص وضع المؤسسة، سواء فيما يتعلق بالبنية التحتية أو الحياة المدرسية أو مونوغرافيا المؤسسة، علما أن هذه الأخيرة تتواجد بمنطقة سياحية، و التي يمكن بفضل انفتاحها على القطاع الخاص أن تستفيد منه وتحصل على نتائج جيدة.
لم تقف المجهودات التي قامت بها المديرة عند هذا الحد، بل إنها عملت على خلق فضاءات أخرى، حيث كانت المدرسة تعاني من ضيق في الفضاءات، وقد عملت على إنشاء قاعة للندوات و العروض و المهارات الحياتية، كما أنها حاولت أن تدعم المواهب لدى التلاميذ، بعد أن لاحظت أنهم بتوفرون على ميول فنية و رياضية و كذلك في مجال الابتكار و التكنولوجيا وغيرها من المجالات الإبداعية، وهو ما دفعها لتفعيل النوادي التربوية التي تحتضن هذه المواهب و تنميها و تدعم أصحابها.
كما أنها حرصت على إخراج التلاميذ من فضاء المدرسة المنغلق، إلى فضاءات أخرى، وهو ما جعلها تتدبر مسألة نقلهم في زيارات ميدانية إلى مؤسسات خارجية، مثل متحف الماء و حدائق ماجوريل وغيرهما من الفضاءات، وكذا الانخراط في أنشطة رياضية، حيث كان للتلاميذ فرصة المشاركة في تظاهرة العدو الريفي.
حاولت أزولاي أن تخلق دينامية داخل المؤسسة التي لم تكن تعتقد، عند الوهلة الأولى أنها ستستمر في العمل بها، لكنها امرأة تؤمن إلى حد كبير بمقولة “عوض أن تلعن الظلام أشعل شمعة“ وهو ما دأبت على فعله. منذ مجيئها وهي تشعل الشموع من حولها حتى تنير طريق التلاميذ و المدرسين الذين أصبحوا يرتعدون خوفا وقلقا كلما استشعروا قرب رحيلها عن المؤسسة التي كانت تتغير يوما يعد يوم.
تلاميذ م.م بلعكيد أثناء مشاركتهم في العدو الريفي
أثناء حفل بمناسبة عيد الاستقلال
المقاربة التشاركية
تقول أزولاي “ما لاحظته خلال مجيئي أن هناك تعطش للمقاربة التشاركية لدى الأساتذة و الإداريين، التي أعتبرها فلسفتي في الحياة، أومن إلى حد كبير بأن التغيير المثمر لا يحصل إلا بإشراك الجميع في العملية، إذ لكل واحد من موقعه دور أساسي و إضافة نوعية، و العمل الجماعي يذكي روح التضامن و يعطي الحماس في العمل كما يزرع الأمل و التفاؤل، ومن المستحيل أن يحقق شخص لوحده الأهداف التي ينشدها كمسؤول“. لا تتحدث إلا بصيغة الجمع، إذ ما يطرح عليها السؤال عن مشروع تم إنجازه حتى ترد “عملنا، أنشأنا، كنا نأمل..”
ولكي يكون فريقها قويا ومتماسكا و متتبعا لكل ماهو جديد، حرصت المديرة على أن تستقدم أشخاصا متخصصين في بعض المجالات، لتأطير الأساتذة، خاصة فيما يتعلق بالتربية الدامجة. تقول بهذا الصدد “بدون تكوين مستمر لن نتمكن من تطوير آليات اشتغالنا، لذلك حرصتُ على أن يتلقى المدرسون تكوينات مستمرة، وهو ما دفعني لاستقدام زملاء متخصصين في المجال، وهم مشكورون لم يترددوا في تلبية الدعوة، كلما تطلب الأمر حضورهم، كما أنني أقوم بنفسي بتأطير المدرسين وفق المناهج و التجارب التي اكتسبتها خلال مشواري المهني، كما أننا نستفيد ونتعلم من بعضنا البعض، إذ لكل منا شيء يستطيع أن يتقاسمه مع الآخرين.“
لا تترك ازولاي بابا يمكنه أن يشكل نافذة أخرى للانفتاح على مؤسسات بمقدورها أن تساهم من قريب أو بعيد في إشعاع المؤسسة إلا وتطرقه، كما تتدخل لحل كل الخلافات و النزاعات بين الزملاء و بين العاملين بالمؤسسة و أولياء الأمور الذين لا تتوانى في تقديم المساعدة لهم، حتى يتمكن أطفالهم من متابعة در استهم في أحسن الظروف.
خلال دورة تكوينية لفائدة الأطر التربوية
امرأة بقبعات متعددة
هي أيضا الابنة الشرعية للتدريس، فقد قضت 17 سنة داخل الفصل بمدينة جرسيف، التي انخرطت فيه بشكل كبير، قبل أن تتلقى تكوينا في الإدارة التربوية بمدينة تازة وتتخرج منها سنة 2017، حيث تم تعيينها بإحدى الفرعيات كمديرة بمدينة شيشاوة، قبل أن يتم نقلها إلى مجموعة مدارس بلعكيد بضواحي مراكش سنة 2020، و التي تزاول فيها عملها إلى غاية اليوم. أينما حلت عتيقة أزولاي إلا و خلقت جوا من الحماس و الرغبة في التغيير و العمل الجاد. حتى بالنسبة لأولئك الذين يئسوا من واقع التعليم و نفضوا أيديهم عنه، ولم تعد تربطهم به إلا أواصر أداء الواجب و الانصراف إلى حال سبيلهم، ما إن يعملوا بجانبها حتى تضخ فيهم دماءا جديدة و رغبة مفعمة بالأمل للاستمرار و السعي وراء التغيير و ترك أثر طيب قبل الرحيل.
لم تبدأ عتيقة أزولاي من الصفر، فكل ما تحمله في جعبتها من مقاربات تربوية و سياسات تدبيرية و ثقافة تشاركية استقته من تجارب أخرى، سواء في المجال الرياضي الذي بلغت فيه مراتب متقدمة، فهي عضو بالجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية، ومستشارة جماعية منذ الاستحقاقات السابقة بمسقط رأسها جرسيف، وكذلك نائبة الرئيس الوطني لجمعية مديرات و مديري التعليم الابتدائي و مؤطرة جهوية لمشروع المؤسسة المندمج “PEI” الذي تبنته “MCC”. هي أيضا حاصلة على الإجازة في الأدب الإنجليزي و دبلوم في اللغة الألمانية، و باختصار هي امرأة بقبعات متعددة و بهدف لا محيد عنه العمل بإخلاص و السعي وراء الأفضل.