أحمد بن اسماعيل.. “عدسة” مراكش القابضة على الزمن الهارب
أحمد بن اسماعيل فنان فوتوغرافي متفرد استطاع أن يلتقط التفاصيل الهاربة في الزمن المراكشي، ليحولها بعدسته لجمال لا متناهي قادر على الإمساك باللحظة و جعلها مُقاوِمة للنسيان.
إنه واحد من أبناء مراكش الذين تمكنوا من تسجيل هذا الجمال الهارب و القبض عليه بحسه الفني العالي و سحر آلته التي يتقن تطويعها من خلال جمالية الأبيض و الأسود، حتى أضحى بالفعل الذاكرة الثقافية و الفنية للمدينة بدون منازع..
متحف مفتوح
يَعْتبِر الفنان أحمد بن اسماعيل أن المدينة العتيقة بمراكش، و التي شكلت التِيمة الأساسية للصور التي يلتقطها بعدسة لا تخطئ الهدف، و للوحات التي يرسمها، متحفا مفتوحا ومُتغيِرا بشكل مستمر. منذ أربعة عقود وهو يشتغل على الإنسان و الأماكن، خاصة في مراكش التي صور أهلها البسطاء في الأزقة و الدروب المنسية و الفقيرة، كما صور الحرفيين في الورشات أثناء مزاولتهم لحرفهم و في ساحة جامع الفنا.
في كل الفصول و المواسم، واكب أحمد بن اسماعيل التغيرات التي طرأت على المدينة، على دروبها و أسوارها، على ساحاتها و أهلها حتى أضحى أحد مؤرخيها بلا منازع. يكفي الإطلاع على أرشيف صوره التي راكمها عبر تجربة طويلة، للتعرف على التحولات التي شهدتها المدينة، ليصبح بذلك أحد المراجع الأساسية لكتاب و فنانين و أدباء مروا من مراكش أو جاؤوا لزيارتها.
يقول عنه الكاتب عبد الصمد الكباص سيظل أحمد بن إسماعيل اسما كبيرا في عالم الفن بالمغرب المعاصر. استعمل فن التصوير، بتمكن جمالي نادر، لتأجيج ذاكرة الحياة بالمدينة، بناسها و وجوهها و فضاءاتها.. و أظهر تملكا كبيرا لشعرية الأبيض و الأسود، التي أثارت انتباه مثقفين كبار في العالم العربي كإدمون عمران المالح و أدونيس. و من يذكر معرضه الذي شكل علامة في تاريخ الفن الفوتوغرافي المغربي، و الذي حمل شعار “آثار الليل“ يعرف جيدا القوة الفنية التي يحتكم إليها الرجل كعين مبدعة، قادرة على ابتكار مواضيع جمالية، تخترق التاريخ بشكل عام، و تاريخ مراكش بشكل خاص.
منذ ما يزيد عن أربعة عقود و أحمد بن اسماعيل يوثق لكل المواعيد الثقافية و الفنية التي تشهدها المدينة، حيث أن أرشيفه الفوتوغرافي اضحى سجلا حافلا بلحظات حاسمة في تاريخ مراكش، خاصة أمام التحولات العمرانية التي شهدتها المدينة، لتصبح بذلك هذه الأخيرة مدينة له بهذا الوفاء الفوتوغرافي تجاه ما كانت عليه.
لأحمد بن اسماعيل لمسة متفردة في التقاط الصور الجميلة بالأبيض و الأسود، ومجرد النظر إلى الصورة يعرف أنها تحمل توقيع ابن اسماعيل.
زاويتان مختلفتان
فتح بن اسماعيل نافذتين مختلفتين يطل من خلالهما على عالم الجمال الذي اختاره لنفسه منذ البداية. فزوايا الإشتغال، لدى هذا الفنان، تختلف حتما بين الرسم التشكيلي و التصوير الفوتوغرافي.
هو نفسه يقول « بالطبع فالمواضيع التي أشتغل عليها في الفوتوغرافيا ليست هي ما أشتغل عليه في الرسم، اللهم إذا كانت هناك بعض الجزْئِيَات الصغيرة و الخربشات التي تظهر هنا وهناك، أو بعض الأبعاد داخل الصورة أو اللوحة، أو إطارها (الكادراج) »
ثم يضيف « لن أدعي أنني، منذ البداية، في العمل و الإشتغال على القماش أو غيره أمتلك اللوحة كاملة في ذهني، بل إنني أمتلك جزءا صغيرا أرعاه أو أتتبعه بالفعل، بالتقنيات أو الأسلوب الذي أشتغل به و أجهتد فيه »
يعتمد في صوره على جمالية الأسود و الأبيض، كأحد الإختيارات التي تميز أعماله، إذ أصبحت صوره معروفة لدى الفنانين و الكتاب المغاربة من خلال بصمته عليها، سواء عبر الموضوع أو الشكل.
عن ملكته الفنية الفوتوغرافية، يصفه الكباص بكونه ذلك الإدراك الشفاف لندرة الحاضر، فهو يعكس في تعامله الفوتوغرافي و معالجاته الفنية في التصوير، وعيا حادا بأن الحاضر ليس متوفرا بالدرجة التي نتوهم، إنه شيء يلمع كالبرق، يظهر و يزول بسرعة، و إننا في حاجة إلى ملكة فنية أقوى للقبض عليه في تجليه النادر الموْسوم بقوة التحول. نلمس ذلك في صوره لساحة جامع الفنا في السبعينات و الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي، و في العقدين الأولين من القرن الحالي.
من قلب الروحانيات
أما صديقه الكاتب و الباحث المغربي محمد أيت لعميم، فقال ل »مغربيات »، إن أحمد بن اسماعيل نشأ في أسرة علم و معرفة، فقد كان والده الفقيه ابن اسماعيل من أساتذة جامعة ابن يوسف بمراكش، و لعب ذلك دورا في تشكل وعيه بالجمال من حوله. كما أنه تربى في حي سيدي ابن سليمان الجزولي العريق، الذي يعج بالأضرحة و الروحانيات، وهي أجواء تسللت إلى أعماله التشكيلية وشكلت موضوعا و خلفية لها.
ولعه بالفن الفوتوغرافي مكنه، يضيف أيت لعميم، من أن يوثق لمراكش و أعلامها، كما كانت له صلة وطيدة بالكاتب المغربي إدمون عمران المالح الذي أنجز معه عملا قويا حول أحياء و زقاقات المدينة العتيقة، وهو ما أعطاه إسما دالا وهو “ضوء الظل“ أو “آثار الليل“، اشتغل فيه على إلتقاط الضوء في العتمة. إنه يشتغل في أعماله بخلفية ثقافية و إنجاز عفوي، كما أن لديه مرور سلس بين الفكري و الجمالي وهو ما يميزه بين مجايليه.
أما الشاعر المغربي حسن نجمي، فيقول عنه إنه يرسم بريشة طفل، بينما يصور بعين العاقل، حتى إنه أصبح ذاكرة حية تنبض بتفاصيل ما كانت لتبقى راسخة لولا عدسة هذا الفنان الموهوب المتميز.