“نساء مراكش… تقاليد مدنية و فنون عيش” كتاب لحفظ الذاكرة الثقافية النسوية

مغربيات

أكدت  الكاتبة فوزية الكنسوسي أن كتابها “نساء مراكش… تقاليد مدنية و فنون عيش” الذي صدر باللغتين العربية و الفرنسية، هو كتاب لحفظ ذاكرة  أهل مراكش بكل ما تحمله من عادات و تقاليد و فنون عيش من الاندثار. 

قالت الكاتبة فوزية  إن الكتابة عن نساء مراكش و علاقتهن بالعادات و فنون العيش نابعة من انتسابها لأهل مراكش و اطلاعها على تقاليدهم العريقة خاصة تلك التي طبعتها النساء بلمستهن الخاصة و أضحت فنون عيش تميز حياة أهل المدينة، تلك العادات العريقة التي تعكس روح الحضارة و التمدن.

و أضافت : منذ نعومة أظافري عشت وسط مجموعة من النساء اللواتي سمعت منهن الكثير، فارتأيت أن أدون منه القليل مما روته لي الجدات و الأمهات اللواتي تعلمنه هن كذلك ممن سبقوهن، حيث عشن و تربين في أوساط نسوية و كن محورا لها، لأن كل هذه العادات و التقاليد وفنون العيش لم تخلق من العدم، بل لها جذور تاريخية عريقة، و وجدت أنه من واجبي أن أدون هذا التراث لحفظه من النسيان”. 

و لفتت إلى أن الأسر المراكشية كانت تقطن في الرياضات الشاسعة، حيث الجد و الجدة في قمة الهرم الأسري، ثم الأبناء و البنات، لكل منهم أسرته الخاصة يعيشون في بيت واحد، وهو ما جعلها تعيش في وسط نسوي متعدد الانتماءات و الثقافات، إذ رغم أن النساء لم يكن يسمح لهن بولوج المدارس، إلا أنهن كن خبيرات في مجالات أخرى، كالمشغولات اليدوية و الحرف التقليدية وفنون العيش. 

و ذكرت أنه في ذلك الوقت كان الرجال يتزوجون من أربع نساء يعشن تحت سقف واحد، وهو ما جعلها تطلع على الكثير من العادات و الأعراف و الطقوس التي طبعت ذاكرتها بكثير من التفاصيل التي وجدت أنه من الإنصاف للتلك الفنون تجميعها و تدوينها حتى لا تندثر. 

و عن مكانة المرأة في هذه التقاليد و العادات و فنون العيش التي تميز أهل مراكش، ذكرت أن المدينة نفسها حين تأسست على يد السلطان يوسف بن تاشفين كانت قد بنيت كهدية لامرأة و بإيعاز منها، وهي زوجته زينب النفزاوية، حيث جاء في كتاب “الاستبصار” : “بنى لها مراكش حبا فيها و تعظيما لها، وهي كانت وزيرة له”.  

و بينت أن مراكش منذ نشأتها لها علاقة بنساء متفردات و حكايات أميرات مررن منها، مدونة في بعض كتب التاريخ، خاصة المرأة الداهية و الفاتنة بجمالها و ذكائها المتقد و سداد رأيها زينب النفزاوية، ثم سورة المرابطية و صفية المردنيشية و العالية السعدية و مسعودة الوزكيتية و غيرهن كثيرات، ممن ذكرت سيرهن في كتب التاريخ و إن كان ذلك بشكل مقتضب و محتشم.  

و عن تنوع التقاليد و أصالتها، ذكرت : “إن مراكش منذ نشأتها لها صلة متينة بالنساء من جميع الطبقات، لهن إسهام كبير في الحفاظ على الموروث الحضاري لمراكش، الحاضرة التي تتميز بموقع متفرد، مما جعلها قبلة لعدد من الوافدين من كل فج عميق : من الأندلس و الشرق و من جنوب الصحراء بالبلدان الأفريقية، وهو ما أكسبها هذا التنوع و الزخم الثقافي و التراثي، حيث انصهر سكانها و تلاقحت الحضارات التي كان الوافدون يحملونها معهم و تفاعلت فيما بينها”. 

و بشأن الحضور الباهت للنساء في المراجع و الكتب، أكدت فوزية الكنسوسي : هذه التقاليد المتجدرة و التي حافظت عليها النساء على مر العصور و الأزمنة، و إن كانت تمثل تاريخ المدينة القديم، إلا أن مراكش اليوم جددت رسومها و أضحت حاضرة عالمية للسياحة الثقافية، تمثلها عماراتها و حضارتها و لَكْنة أهلها و عاداتها و طقوسها و أهازيجها المتنوعة، حيث أنها مدينة برجالها و نسائها لكن كتب التاريخ تعاملت بحيف و صمت عن أخبار النساء و دورهن في بناء حضارتها، و لم تفهن حقهن  في إرساء مكونات هذه الحضارة، حيث جاء الكثير من أخبارهن شحيحا في المعطيات. 

و لفتت إلى أن الكتاب جاء ليدون الواقع المعيش و الملقن و الموروث، و أساليب عيش لقنتها الأمهات للبنات و حفظتها حيوية الأوساط النسوية، حيث تعتبر من المقومات الحضارية التي بقيت محفوظة لم تندثر مثل اللباس و الطبخ و فن العيش. 

و أضافت أن النساء رغم المكانة الهامة التي كن يشغلنها داخل الأسر، إلا أنهن عانين من الإقصاء و التهميش و لم يكن يسمح لهن بإبداء الرأي أو الحضور اللافت وسط الجموع في المناسبات، حيث كانت لهن طقوسهن الخاصة التي يمارسنها في وسط نسائي مغلق. 

و أكدت أن الضرورة تستدعي معرفة الأجيال القادمة بهذه العادات و التقاليد التي تداولها من سبقوهم، حيث لا يمكن للخلف أن يساهم في بناء مجتمع متحضر دون معرفة أصول و خاصيات أهله. 

عن محاور الكتاب أكدت أنه ينقسم إلى عدة أجزاء، حيث حرصت في كل جزء أن تبرز العادات و فنون العيش التي أبدعت فيها المرأة المراكشية و شكلت جزءا من يومياتها، سواء تعلق الأمر بالمناسبات الحزينة أو الاحتفالات المبهجة. 

و من بين المحاور التي أولتها عناية خاصة تلك التي تناولت فيها الأشغال اليومية للمرأة في القديم و المرأة المراكشية وفن الصنعة (الخياطة، التطريز، اللباس..)، ثم الأفراح في مراكش (طقوسها و عاداتها)، و كذلك هندسة الماء و جلبه للمنازل (السقايات ) و فن تقطير ماء الزهر و ماء الورد، و البنية الاجتماعية و لاقتصادية للحي (الحمام، الفران، بائع الحليب…)، و الحفلات النسوية التي لم تعد موجودة مثل “حفل الشراطة” و “الحجامة” و “الوشم” و “عاشوراء” و “شعبانة” و “حاكوزة” و الحفلات الخاصة بالأطفال مثل “الفراكة” و غيرها من العادات التي حاولت أن تسلط عليها الضوء و تخرجها من غياهب النسيان، حيث لم تعد النساء تولين هذه الاحتفالات أهمية إلا القلة القليلة ممن حاولن الحفاظ عليها. 

About Post Author