نساء في مواجهة الإعاقة
بقلم الدكتور محمد الخالدي (باحث في القانون العام والعلوم السياسية)
الإعاقة ليست مجرد حالة قصور في أداء وظيفة أساسية من وظائف الجسد، سواء كان جسديا، عقليا أو نفسيا، بل هي تعبير عن عجز مجتمع وقصوره البنيوي في أداء واجباته اتجاه فئة مهمة من فئاته. فئة تعاني في صمت على الهامش الذي بات يتسع شيئا فشيئا بفضل نضال وصبر أسر اختارت أن تصمد وتقاوم من أجل تمكين أبنائها من فرصة العيش كريمة. من قلب معاناة هذه الأسر، يبرز الدور المحوري إن لم يكن المهيمن لنساء يتحملن العبء الأكبر رعاية وتأهيلا وترافعا عن حقوق أبنائهن وبناتهن.
أمهات تتحولن إلى مرافقات وممرضات ومدرسات وفي كثير من الحالات إلى مناضلات مدنيات تدافعن عن حق الأطفال في وضعية إعاقة في الدمج المدرسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
ليس من السهل الاعتناء بطفل في وضعية إعاقة؛ طفل يحتاج إلى خدمات طبية، شبه طبية، نظام غذائي ملائم، تربية خاصة…في سياق مجتمعي ما يزال يتعامل بأنانية ولامبالاة اتجاه كل الفئات المختلفة والهشة. إن تغيير التشريعات والاجتهاد في صياغة البرامج الحكومية لن يغير من واقع الأطفال في وضعية إعاقة مالم تمتد إلى تفاصيل حياة هؤلاء لتستجيب لاحتياجاتهم الفعلية واليومية. بغير ذلك ستظل الأمهات في معاناتهن وصمودهن السييزيفي في مواجهة آلام تزداد كل لحظة بنمو أطفالهن.
كلما كبر الطفل في وضعية إعاقة كلما زادت احتياجاته وكلما أصبحت رعايته أكثر تعقيدا. فالطفل سيصبح مراهقا ومراهقة بكل ما يعنيه ذلك من متطلبات و مخاوف. فمهما كان النمو العقلي لهؤلاء الأطفال فلأجسامهم منطق نمو آخر يختلف عن أقرانهم.كيف تستطيع أم متعبة أن تضيف إلى أعبائها مسؤولية حماية طفل(ة) مراهق(ة). هذا إلى جانب الهاجس الأبدي لكل أم عن مصير ابن أو ابنة بلا عمل أو مصدر دخل. منذ سنوات ونحن نتحدث عن تأهيل الأشخاص في وضعية إعاقة وتأهيلهم لسوق الشغل، لكن قواعد هذه السوق وطرق اشتغالها ماتزال تقيم الحواجز أمام هذه الفئة من المواطنات والمواطنين؛ فئة لا تحتاج فقط إلى ولوجيات إسمنتية، غالبا ما تكون سيئة الصنع، بل هي بحاجة إلى ولوجيات قانونية ومؤسساتية وثقافية قادرة على تحويل وضعيات الإعاقة إلى وضعيات منتجة للأمل والابداع والتفوق.
للأسف عندما يتم التطرق للإعاقة وقضاياها، يتم الحديث عنها كما لو كانت حالة وحيدة وجامدة، في حين ان كلمة” وضعية إعاقة” مجرد تبسيط أو ربما تنميط لوضعيات متعددة ومتنوعة بتنوع الحالات والإعاقات. كل حالة تستحق دراسة مفصلة تعكس خصوصياتها وتفردها، وهو ما يفسر ربما عجز التدابير السياسية والإدارية والتربوية عن مواكبة واقع الإعاقة المتنوع والمتغير. وفي هذا التنوع والتغير المستمر تتنوع معاناة الأمهات بشكل تصعب الإحاطة بها. إعاقات حركية تتطلب من الأم مجهودا بدنيا مضنيا وأخرى عقلية تستدعي من الأم أن تتحول إلى طفلة صغيرة تداعب طفلها وتتكيف مع احتياجاته، واعاقة سمعية– بصرية تفرض عليها تعلم لغة جديدة تتقاسمها مع وليدها ثم سرعان ما تكتشف أن هناك لغة كونية للإشارة ينبغي تعلمها ليتيسر للطفل الاندماج في الفضاء المدرسي وفي الحياة العملية لاحقا، فتجتهد من اجل تعلم هذه اللغة … وأم تتعلم تقنية براي لتشارك طفلها المكفوف مساره التعليمي.
كل ما ذكر آنفا مجرد غيض من فيض، مجرد مشاهد هنا وهناك من واقع مؤلم يمتد كل يوم ليشمل عددا أكبر من الأسر بسبب الارتفاع المتزايد للأطفال في وضعية إعاقة. لذلك فالمسؤولية المجتمعية اتجاه هذه الفئة تصبح أكبر، بكل ما تتطلبه من تعبئة جدية للموارد المالية والبشرية والقانونية والتربوية من أجل تحويل “وضعية الإعاقة” من وضعية عجز وإحساس باليأس إلى وضعية منتجة للأمل والعطاء.