مهنيو العدل يدعون للحد من هدر الزمن القضائي لإعادة ثقة المغاربة في العدالة
مغربيات
ذكر عبد الصادق السعيدي رئيس ودادية موظفي العدل بمراكش أن الاشتغال على موضوع الزمن القضائي يفرضه الوعي بأهمية مفهوم الزمن في الحياة العامة، و بشكل خاص بالزمن المرتبط بمنظومة العدالة، حيث لا تعتبر هذه الإشكالية جديدة، بل كانت دائما مطروحة على مهنيي العدل.
و أشار المتحدث، خلال لقاء إعلامي نظمته ودادية موظفي العدل بمراكش، صباح أمس السبت، حول موضوع “ هدر الزمن القضائي : الحق في حكم يصدر في أجل معقول : أية مداخل“، إلى أن ودادية موظفي العدل سبق و أن نظمت لقاءات متعددة في هذا الباب، لكنها كانت دائما تصطدم بصعوبة الإقناع، معتبرا أن قضايا العدل هي ذات طابع فئوي، حيث النضالات التي يخوضها مهنيو العدل مرتبطة بمشاكلهم، وهو حق من حقوقهم أكيد، لكنها تحتاج لتحقيق التكامل مع قضايا تهم تقديم خدمة قضائية ناجعة و فعالة للمواطن المغربي كذلك.
وبحسب رئيس الودادية فإن منظومة العدالة قد تخلصت من إشكالية الزمن في بعده السياسي، بعد مجيء هيئة الإنصاف و المصالحة، حيث كان المعتقلون السياسيون لا يحاكمون إلا بعد مرور سنتين أو أكثر على تاريخ الاعتقال، في حين أنه في قضايا أخرى لازال الزمن القضائي يطرح إشكالات عديدة.
و أكد المسؤول القضائي، خلال اللقاء الذي حضره ممثلون عن ودادية موظفي العدل، و رؤساء كتابات الضبط، و كتابات النيابة العامة ببعض محاكم المملكة وزارة العدل و نقباء و محامون من هيئات مختلفة وممثلون عن هيئات حقوقية و إعلاميون، على أن مفهوم القضاء يتضمن دلالتين أساسيتين، هناك من جهة الدلالة المرتبطة بما هو مؤسساتي، أي إصلاح القضاء في جانبه المؤسساتي، أي السلطة القضائية و علاقتها بالسلطة التنفيذية و علاقة وزارة العدل بالنيابة العامة، حيث النقاش العمومي منكب على هذا الجانب، في حين أن الدلالة الثانية و المرتبطة بما هو وظيفي، أي الخدمة القضائية كمرفق تبقى غائبة، سواء عند الدارسين أو الحقوقيين، وهو ما ينعكس على مشاريع الإصلاح، حيث نحن اليوم سائرون في اتجاه مشروع إصلاح المسطرة المدنية و الجنائية، لكن في غياب تام لمصلحة المواطن.
و تابع المتدخل حديثه عن المداخل التي تم التفكير فيها من خلال مذكرة قدم مضامينها حول هدر الزمن القضائي و الحق في حكم يصدر في أجل معقول، و الذي يعد من الإشكالات الكبرى التي تعاني منها العدالة ببلادنا، و تعد من أهم أسباب فقدان ثقة المواطنين في مرفق العدالة، حيث يكون التأخير في الحصول على الحق موازيا في أثره الحرمان من هذا الحق.
و أكد السعيدي أن الرغبة في تفادي معاناة التقاضي البطيء تجعل أصحاب الحق في الكثير من الأحيان يلجؤون إلى مفاوضات قد تؤدي إلى تسويات مجحفة في حقهم، بل و يضطرون إلى ترك حقوقهم لعلمهم أن زمن التقاضي قد يجعل منهم دائمي الإقامة في المحاكم.
و بشأن الأحكام بعدم قبول الدعاوى، انتقد المتحدث المسطرة الطويلة و المنفرة التي يخوضها بعض المتقاضين لفترات طويلة تنتهي في نهاية المطاف بعدم قبول الدعوى، علما أن هناك إجراءات يمكن أن يتم اتخاذها منذ البداية دون طول انتظار و مصاريف لا طائل منها، ففي المحكمة الابتدائية لمراكش مثلا، خلال سنة 2016 تم عدم قبول الدعوى ل 3418 من أصل 6926 قضية معروضة ، و في محكمة ورزازات تم عدم قبول 875 دعوى من أصل 3875 قضية..
و أبرز المتحدث أنه من خلال الأرقام الصادرة عن المحاكم الابتدائية بعدم قبول الدعوى تشكل نسبة كبيرة تقترب من خمس نشاط المحاكم في جلها، وتتجاوز ذلك إلى ما يقارب الثلث في بعض الحالات.
وعن تسهيل الولوج للعدالة شدد المتدخل على ضرورة تبسيط بعض الإجراءات التي يمكن إسنادها لكتابة الضبط، مثل البطاقة رقم 3 للسجل العدلي، حيث تنجز هذه البطاقة بكتابة الضبط و يوقعها رئيس الكتابة أو من ينوب عنه تحت مسؤوليته وقد تستغرق هذه العملية، يدويا، 30دقيقة أما بالتطبيق المعلوماتي فتنجز في ثوان معدودة، ثم تحال إلى وكيل الملك أو من ينوب عنه للتوقيع فيستغرق ذلك بقية اليوم كله إن لم تؤجل العملية إلى اليوم الموالي، نظرا لارتباط نواب وكيل الملك بالجلسات.
و أكد انخراط ودادية موظفي العدل في الورش الإصلاحي المهم الذي يتطلب ضرورة فتح نقاش عمومي و مؤسساتي قصد ملاءمة المنظومة القانونية مع مقتضيات الفصل 120 من الدستور المتعلق بالحق في استصدار حكم قضائي في أجل معقول.
و طرح عدد من المتدخلين بعض الإشكالات التي تحول دون الحد من هدر الزمن القضائي، و التي تجعل المواطنين يفقدون الثقة في منظومة العدالة، خاصة في الجانب المتعلق بالتلاعبات التي تطال مسألة التبليغ أو إجراء الخبرة، منوهين بحكم سبق و أن صدر ضد خبير رفض إجراء خبرة دون اطلاع المحكمة على ذلك في الأجل الزمني المحدد.
كما انتقدوا بشدة هذه التلاعبات التي تتم بتواطؤ بعض العاملين في العدالة، وهو ما وصفته إحدى المتدخلات ب“اللوبيات“ التي لم يعد يخفى على أحد طرق اشتغالها و دوائر تحركها، ما يجعل صدور الأحكام طويلة الأمد مما ينتج عنه فقدان الثقة في العدالة.
و أشارت المتدخلة إلى كتاب “ خارج القانون نظرية فوضى العجالة“ للكاتب البلجيكي “لورنت دي سوتر“ الذي يبرز وجود عالم آخر مواز لعالم القانون، يتميز بالتدخل بشكل غير قانوني للتأثير على العدالة.
و شدد أغلب المتخلين على ضرورة الخروج بتوصيات تمكن من الحد من الهدر القضائي و إعادة الثقة للمواطنين في منظومة العدالة، عبر تسهيل الإجراءات و المساطر التي تجعل الولوج للعدالة متاحة للجميع، وهي إجراءات أكد أغلب المتحدثين على أنها تتطلب فقط توفر الإرادة لدى المسؤولين، من أجل خدمة المواطنين.