مليكة كوكات.. حكاية صانعة تقليدية من الحوز وصلت حتى الصين (2/2)
لم تكن مليكة كوكات الصانعة التقليدية ب”دار المعلمة” تتوقع أن تبرح مكانها بجماعة توامة التابعة لإقليم الحوز، قبل أن تجد نفسها على متن طائرة قادتها في البداية إلى الديار الإسبانية، ثم إلى الصين الشعبية فيما بعد، في إطار دورة تكوينية،امتدت لأربعة أشهر كاملة، تلقت “للا مليكة” خلالها تدريبات مكثفة في تقنيات الإنتاج و التسويق و تعلم المعالجة على الكمبيوتر، وحتى ممارسة بعض الرياضات ككرة الطاولة وركوب الدراجة الهوائية، وغيرها من المهارات التي وجدت نفسها تقتحمها كما لو كانت مدفوعة بقوة غيبية نحو مغامرة ظلت محفورة في ذاكرتها و شكلت مصدر إلهام للعديد من نساء إقليم الحوز..
الوصول إلى ولاية هونان..
“بعد معركة شاقة اهتديت، أخيرا، إلى المسؤولين عن مراقبة الحدود، وهناك أخبروني بأنه ينبغي أن أتوجه إلى البوابة رقم 34، عندما سمعت أحدهم ينطق الرقم بالفرنسية، اعتقدت أن الأمر يتعلق بمبلغ مالي يتوجب علي أن أسدده. صحت في وجههم بأنني لا أتحوز المبلغ المذكور، بينما هم ينظرون إلي ولا يفهمون ما أقوله“، تحكي للا مليكة. بعد جهد متواصل، استدلت على بوابة الخروج، لكنها لم تتنفس الصعداء إلا بعد أن صادفت مواطنا تونسيا أخبرها أنه موظف بوزارة الصناعة و التجارة، و زادت فرحتها بعد اكتشافها، أثناء تبادل الحديث معه و بعد أن قدمت له الدعوة الي تلقتها من الجهة المنظمة، بأنه يقصد ذات المكان الذي تقصده.
“و الله ربي وقف معايا ورضاة الوالدين“ تقول للا مليكة. ترك رفيقها، الذي وجدت فيه طوق نجاة من التيه الذي عاشته بالمطار، أمتعته معها وتوجه لاقتناء بطاقة هاتفية، تحدث من خلالها مع أسرته، و دعاها للتحدث مع أبنائها و زوجها. طمأنتهم بأنها التقت بمواطن تونسي و أنه هو من ساعدها، و قصت عليهم بعجالة بعض تفاصيل الرحلة دون أن تذكر ما يمكن أن يزعجهم أو يثير قلقهم أكثر.
من مطار بيكين كانت رحلة أخرى في انتظارها على متن طائرة حلقت بهم على مسافة 3000 كيلومتر للوصول إلى ولاية هونان،، حيث وجدوا المسؤولين عن الدورة ينتظرونهما بمنطقة شانغشا..
مليكة كوكات بولاية هونان
دروس مكثفة
بعد وصولها إلى الفندق الذي يفترض أنها ستقيم فيه رفقة مستفيدات من بلدان إفريقية و آسيوية، ستكتشف “للا مليكة“ أنها لم تحضر معها إلا جلبابين و لباسا يتيما للنوم. تقول“ بحثت عن ملابس أشتريها خاصة و أن المدة التي مكثت قيها هناك كانت طويلة، لكني لم أعثر إلا على لباس قصير، وهناك أقنعت نفسي بأن أرتدي سراويل فضفاضة و لباسا مناسبا للرياضة التي كنا نمارسها كل يوم“.
تتذكر “للا مليكة” أن المسؤولة عن الاستقبال طلبت منها إن كانت تقبل أن تقيم معها سيدة من النيجر بنفس الغرفة، فرحبت للا مليكة برفيقتها التي عانقتها أمام دهشة المسؤولين و هي تسألها إن لم يكن لديها أي مانع أن تقتسم الغرفة مع سيدة ببشرة سمراء. أجابت مستغربة بفرنسيتها التي أضحت فعالة مع وجود مترجمة للغة الصينية و الإنجليزية “طبعا ليس لدي أي مشكل، يسعدني أن أقتسم الغرفة مع رفيقتي الجديدة“.
أثناء جولتها بالدراجة الهوائية
“خضعنا لبرنامج جد مكثف. كنا نستيقظ عند الفجر، نمارس الرياضة ثم نستحم ونتناول وجبة الفطور، وعند الثامنة صباحا نكون بقاعة الدرس“. تتذكر للا مليكة كيف أمضت أيامها الأولى التي لم تكن سهلة بالمرة، بسبب ظروف العيش المختلفة و النظام الصارم من جهة، ثم بسبب عدم مواكبتها للدروس على الكمبيوتر من جهة أخرى، وهي التي لم يسبق لها أن لمست حاسوبا“.
تقول : “كانت الأيام الأولى صعبة، خضت خلالها معركة شرسة مع نفسي من أجل التعلم ومواكبة الدروس، و كانت أصعبها دروس الإعلاميات، خاصة و أن مستواي التعليمي لم يكن يتجاوز الرابعة أو الخامسة ابتدائي، و أنا التي هجرتُ مقاعد الدراسة منذ سنوات السبعينيات، وجدت نفسي مطالبة بأن أتعلم أشياء جديدة وجدتها صعبة جدا“.
لكن و بعزبمة قوية و إرادة من فولاذ استطاعت للا مليكة أن تنتزع لنفسها مكانا وسط المتعلمين، حتى أضحت واحدة من أنشط العناصر الموجودة بالدورة التكوينية.
أثناء تسلمها شهادة الاستحقاق
إنسانة جديدة
“ علاه دخول الحمام بحال خروجو“ هكذا علقت للا مليكة على الإنسانة الجديدة التي أصبحت عليها و التي عادت من رحلتها للصين. ثم تضيف “لم أعد كما كنت. تعلمت كيف أنصت للآخرين وكيف أتأقلم مع كل وضع جديد. تعلمت أشياء كثيرة من الثقافة الصينية وطرق عيشهم..“
لم تقتصر الرحلة على تعلم فنون العيش لدى الصينيين، بل إن المستفيدات خضعن لدروس في الصناعة التقليدية مثل الخياطة و الطرز وصناعة الحقائب اليدوية وتزيينها بالعقيق، كما منحهم وزير الصناعة و التجارة بالصين دبلومات و شواهد تقديرية، كما أنهن مارسن رياضات مثل ركوب الدراجات الهوائية و لعب كرة الطاولة، التي فازت في إحدى مبارياتها للا مليكة بقبعة رياضية ظلت تحتفظ بها..
تقول للا مليكة : ما إن تأقلمت مع الوضع، حتى أصبحت مقبلة على التعلم بشكل كبير، و كلما اقترحوا علينا دروسا جديدة بادرت لتسجيل نفسي لتعلمها. وفي يوم اقترحوا علينا نزهة لمنطقة جميلة خضراء تبعد ب 15 كيلومترا على متن الدراجات الهوائية، ورغم اعتراض البعض على أن أرافقهم بدعوى أنني امرأة مسنة، و لن أقوى على قطع المسافة، إلا أنه أمام إلحاحي الشديد، تمت الموافقة و كانت بالفعل رحلة جميلة اكتشفت فيها منطقة تغزوها مزارع الشاي و الأرز. كانت بحق من أجمل ما رأت عيني“.
برفقة مستفيدات
كان البرنامج حافلا بالعديد من الرحلات التي قامت بها لمناطق شاسعة بولاية هونان. وصلت للا مليكة إلى مناطق لم تكن تتوقع رؤيتها. ركبت في قوارب وقطعت أنهارا و دخلت كهوفا تحت الجبال بمصباح مثبت فوق جبهتها وهي تجدف لوحدها في قاربها. تعرفت على فلكلور شعبي و حضرت أفراحا وحفلات و رأت كيف يعيش الصينيون و كيف يحتفلون وكيف يصنعون الفرح، رغم قساوة الظروف.
عادت إلى المغرب وهي محملة بالكثير من الذكريات و الدروس و الصداقات التي لازالت تحتفظ بها إلى غاية اليوم، و كلما تحدثت عن رحلتها الصينية تقول “صديقتي من مالي، وصديقتي من النيجر..”
تقول : “ كأن القدر أراد أن يأخذني إلى ذلك المكان الذي كلما تذكرت رحلتي إليه، إلا و ازددت حماسا و عزيمة على عدم الكف عن التعلم و عن الحلم. إنما خلقنا لنتعارف و نكون منفتحين على الآخرين وعلى ثقافات وعادات مختلفة“”
ثم تختتم للا مليكة حديثها قائلة ” من لم يسافر بعيدا عن موطنه يظل دائما يعتقد أن العالم ينتهي أمام عتبة بيته“.
صورة تذكارية مع فريق الدورة