مليكة كوكات.. حكاية صانعة تقليدية من الحوز وصلت حتى الصين (1/2)
لم تكن مليكة كوكات الصانعة التقليدية ب”دار المعلمة” تتوقع أن تبرح مكانها بجماعة توامة التابعة لإقليم الحوز، قبل أن تجد نفسها على متن طائرة قادتها في البداية إلى الديار الإسبانية، ثم إلى الصين الشعبية فيما بعد، في إطار دورة تكوينية، امتدت لأربعة أشهر كاملة، تلقت “للا مليكة” خلالها تدريبات مكثفة في تقنيات الإنتاج و التسويق و تعلم المعالجة على الكمبيوتر، وحتى ممارسة بعض الرياضات ككرة الطاولة وركوب الدراجة الهوائية، وغيرها من المهارات التي وجدت “للا مليكة“ نفسها تقتحمها كما لو كانت مدفوعة بقوة غيبية نحو مغامرة ظلت محفورة في ذاكرتها و شكلت مصدر إلهام للعديد من نساء إقليم الحوز..
من توامة إلى مدريد
كانت أول رحلة قامت بها مليكة كوكات حين سافرت سنة 2008، في إطار تكوين نظمته “دار المعلمة“ بتعاون مع البنك الدولي لفائدة الصانعات التقليديات بالمغرب في مجال التسويق، قبل الانتقال للعاصمة الإسبانية مدريد من أجل التطبيق. تقول “للا مليكة“ ل“مغربيات“ :أخبرت زوجي بأن هناك مشروع سفر إلى إسبانيا، في إطار تكوين تنظمة “دار المعلمة” لفائدة الصانعات التقليديات، فرد علي قائلا “ما مشاو حتى الرجال عاد تمشي انت“ قلت له “ الله يفعل ما يشاء“ ثم بدأت مباشرة في تحضير جواز سفري و كل الوثائق التي أحتاجها في السفر. ما كاد يمر أسبوعان تقريبا حتى كان كل شيء جاهزا للرحلة. رتبت حقيبة سفري أمام دهشة أبنائي و زوجي الذين كانوا غير مصدقين أن المرأة التي كانت بالكاد تغادر بيتها و منطقتها في اتجاه مراكش، ستركب طائرة و تسافر إلى إسبانيا.
قضت مليكة 19 يوما بمدريد، تعلمت خلالها العديد من تقنيات تسويق المنتوج التقليدي، لكن أهم مكسب بالنسبة لها هو أنها استطاعت أن تجتاز حدود المنطقة التي ولدت وترعرعت فيها وتركب الطائرة لأول مرة في حياتها في اتجاه بلد أوروبي. تقول “تعلمت الكثير من هذه التجربة الغنية، إذ لولاها لما تجرأت على السفر إلى بلدان أخرى، سنوات بعد ذلك، كانت أكثرهم إثارة هي رحلتي إلى الصين“
رحلة في اتجاه الصين..
“أطلبوا العلم ولو كان في الصين“ بهذه العبارة استهلت مليكة حكايتها التي تعتبرها حلما كبيرا لازالت لم تفق بعد من تأثيره حتى الآن رغم مرور ست سنوات على تجربة بصمت حياتها و تركت ذكريات لا تنمحي. تقول ل“مغربيات“ تحمست للفكرة في البداية و بدت لي المغامرة مدهشة وغير متوقعة، حين أخبرتني صديقتي زهرة إد علي رئيسة جمعية “إفولكي“ بالحوز، بأن وزارة الأسرة و التضامن و التي كانت على رأسها آنذاك السيدة نزهة الصقلي، ترشح صانعة تقليدية للسفر إلى الصين من أجل الاستفادة من دورة تكوينية في إحدى الولايات الصينية. تقول “للا مليكة“ “ و لأنني منذ رحلتي إلى إسبانيا و ما لمسته من فوائد في السفر، تعلمت ألا أقول “لا” على أي فرصة تأتي، فقد أبديت موافقتي دون حتى أن أعرف أن المدة التي سأقضيها هناك أربعة أشهر كاملة“.
بدأ التردد و الخوف يتسلل إلى نفس مليكة و هي المرأة التي تعلمت ألا تستسلم و أن تعض على الفرص بالنواجد، و فكرت كيف ستعيش في بلد لا يتحدث أهله إلا الصينية و الإنجليزية وهي التي بالكاد تفك الخط كما يقولون و لا تجيد إلا الأمازيغية و بعض الكلمات بالفرنسية التي تعلمتها مع احتكاكها المستمر مع مسؤولين ينتمون لمنظمات أجنبية تدعم الصانعات التقليديات المنخرطات في تعاونيات.
كانت الأفكار والهواجس تفترسها وكم مرة قررت أن تترك هذا الحمق الذي تسلل إليها و سيطر عليها بالكامل و تتراجع عن قرار السفر، لكنها فكرت كيف سيكون موقفها أمام المسؤولات اللواتي وثقن بها و بقدراتها و رشحنها لتمثل الصانعة التقليدية المغربية في بلد أجنبي، لتبدأ في تحضير مستلزمات السفر.
في المطار، حيث رافقها زوجها وبعض أبنائها، بكت طويلا و انفجرت في وجه أبنائها تعاتبهم لأنهم لم يفعلوا شيئا لمنعها من هذه الفكرة المجنونة، لكن و بفضل دعمهم وتشجيعهم كانت تستجمع قواها و تقول لنفسها “ما الذي يمكن أن يقع، لن يُكتَب لي إلا ما كتبه الله لي، ثم إن رحلة إلى الصين و في هذه الظروف ليست متاحة دائما“.
ركبت “للا مليكة“ الطائرة، التي كان أغلب ركابها مغاربة و آسيويون. وحين توقفت بمطار طرابلس بليبيا، صعد على متنها عدد كبير من الصينيين الذين كانوا يشتغلون هناك، فيما بدت هي أشبه باليتيم في مأدبة اللئام. لا أحد يلتفت إليها و لا أحد يسألها إلى أين هي ذاهبة. تلاه بعد ذلك توقف آخر بمطار الدوحة بدولة قطر. كانت أينما التفتت ترى رجال أعمال من جنسيات مختلفة و من ضمنهم مغاربة، لكن ما إن نزلوا من الطائرة، حتى تفرق و اختفى كل الذين كانوا يرافقونها، حتى ظنت للحظات بأنها لن تعود ثانية لبلدها و لن ترى مرة أخرى أبناءها و زوجها. تحكي للا مليكة “كنت كلما توجهت بسؤال لأحدهم سواء كان قطريا أو آسيويا، أجابني باللغة الإنجليزية التي لم أكن أفهم منها شيئا“.
مليكة كوكات أثناء مباراة لكرة الطاولة بالصين
الوصول إلى بيكين
من الدوحة استقلت “للا مليكة“طائرة أخرى ظلت معلقة بين السماء و الأرض ولم تصل مطار بيكين إلا عند منتصف النهار من اليوم الموالي. كان مطارا كبيرا يبعث على الخوف و الرهبة كما تقول. آسيويون و أوروبيون و آخرون من مختلف الجنسيات يجوبون مطارا بحجم دولة، كما تقول، ثم تضيف : و أنا بدوري كنت أجوبه ولا أعرف أي اتجاه أسلك أو إلى أين أذهب، وهناك قلت في نفسي“ و الله إن سلكت من هذه الورطة التي أقحمت نفسي فيها هذه المرة لن أعيدها ما حييت“.
في المطار تم تفتيش “للا مليكة“ التي كانت تحمل معها حقيبة يدوية بداخلها مصحف و قنينتين من الماء و أخريين لزيت الزيتون، و دعوة من الجهة المسؤولة عن تنظيم الدورة التكوينية لفائدة النساء الصانعات. أمام الارتباك و الخوف الذي بدا ظاهرا عليها، تم توقيفها من طرف أمن المطار، و لم تتردد إحدى المسؤولات في تفتيش أغراضها، لترمي بالقنينات في القمامة، هناك صاحت “للا ملكية“ التي كانت على حافة الانهيار التام في وجهها “ماذا تفعلين هذا زيت أحضرته معي من توامة“ بلغة فرنسية مفككة. وكان ما زاد من حالة اليأس و الضعف التي انتابتها أن سألت أحد المغاربة الذي كان على متن الطائرة، عن بعض تفاصيل الرحلة، رده العنيف حين قال لها “ ما هذه المهزلة لم يجدوا أحدا يرسلوه إلى الصين غيرك أنت البدوية القادمة من الجبل لتتلقي تكوينا في الصين !!”.
بعد اطلاعهم على الدعوة تمكنوا أخيرا من الإتصال بالمسؤولين الذين طلبوا منهم أن يرشدوها إلى المكان الذي تقصده، لتبدأ رحلة جديدة في التعلم..
مليكة كوكات في الصين