مسلسل “المكتوب”.. ضجة على إيقاع “عيوط” غير موزونة
فوزية التدري
استغربت كثيرا الضجة التي تلت عرض مسلسل “المكتوب” الذي يعرض على القناة الثانية خلال شهر رمضان، وبالضبط دور الشيخة التي أدته الممثلة دنيا بوطازوت (حليمة). نعم استغربت ذلك لأن الشيخة هي امرأة حاضرة في تاريخ الفن المغربي الشعبي منذ زمن بعيد جدا ولا تزال ، ولأن المسلسل المذكور ليس بسبّاق في الحديث عن الشيخة وابرازها في عمل فني وتقديمها للمشاهد المغربي خاصة وللمشاهد أينما كان بشكل عام.
إذا أردنا الإشارة إلى الأعمال الفنية سواء السينمائية أو التلفزيونية التي تناولت موضوع “الشيخة”، فإننا سنندهش لتعددها وبالتالي يبقى السؤال مطروحا: لماذا هذهالضجة؟
فنظرة موجزة في ريبرتوار الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية المغربية التي أضاءت عوالم الشيخة بشكل كامل أو جزئي، سنجد عددا لابأس به من الإنجازات، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، اعتمادا على ما خزنته الذاكرة فقط.
هنا يمكن الإشارة إلى الفيلم الوثائقي الجميل للمخرج علي الصافي (2004) بعنوان“دموع الشيخات” والذي يظهر من خلال عنوانه وماتحمله هذه العبارة من تكثيف دلالي يميط اللثام عن معاناة هذه الفئة من النساء.
هناك أيضا فيلم“خربوشة” (2008) للمخرج حميد الزوغي الذي شخصت فيه الفنانة هدى صدقي دور الشيخة خربوشة العبدية الخالدة.
في إطار النبش دائما نجد الفيلم المعنون ب“بنت الشيخة” لعزيز السالمي (2009).
نجد أيضا الفيلم التلفزيوني “الصالحة” (2009) للمخرج كمال كمال الذي لعبت فيه الممثلة حنان الإبراهيمي دور شيخة.
كما تجدر الإشارة أيضا إلى فيلم “جوق العميين” (2015) لمخرجه محمد مفتكر، إذ حضرت الشيخة كمكون أساسي بالجوق.
وتحمل الخزانة السينمائية عملا آخر اهتم بالشيخة كمكون هام في المجتمع المغربي يحمل عنوان “ولولة الروح” (2018) للمخرج عبد الإله الجوهري حيث أبدعت الفنانة سعيدة باعدي في تشخيص دور الشيخة الزوهرة المتزوجة بالشيخ الروحاني… وغيرها من الأفلام كثير مما تزخر به سلة الأفلام التي سلطت الضوء على فن العيطة وحيوات المشتغلات والمشتغلين فيه.
وفي هذا السياق التاريخي للأعمال الفنية التي اهتمت بالشيخة اهتماما واضحا، أثار انتباهي مدى اعتزاز كل الفنانات اللواتي جسدن دور الشيخة بهذه الأعمال، حيث نالت حنان الإبراهيمي في دورها الصالحة على جائزة أحسن ممثلة في إحدى التظاهرات الفنية. حنان الابراهيمي التي كانت دائما تردد بأن تمثيل دور الشيخة حلم جميل تحقق. مثل هذا القول عبرت عنه أيضا الفنانة هدى صدقي إذ قامت بأداء دور شيخة مرتين في فيلم “خربوشة” ومسلسل “سالف عذرا” وتعتز بهذين الدورين اللذين مكناها من التعرف عن قرب على فن العيطة وعلى حياة الشيخة. وفي حوارات عديدة مع فنانات نجد من بينهن من تحلم أن تجسد دور شيخة، كالفنانة الجميلة فاطمة الزهراء بناصر التي تتمتع بموهبة الغناء والرقص بالإضافة إلى التشخيص، إذ عبرت عن حلمها بتجسيد دور الشيخة حسب تصور خاص بها، وذلك تأثرا بمنطقة عبدة معقل الشيخات الشهيرات (عايدة، الحمونية، فاطنة بنت الحسين وخديجة المركوم….) حيث تنتمي والدتها.
بناء على ما سبق وأشرت إليه من احتفاء السينما والتلفزيون المغربي بتيمة الشيخة وباعتزاز الفنانات اللواتي جسدن دورها داخل هذه الأعمال كما يحدث الآن مع دنيا بوطازوت في مسلسل“المكتوب“، وبتوق البعض من الممثلات المغربيات المبدعات لتجسيد هذا الدور الذي يمنح متعة التشخيص الجميل والعميق بالنسبة لهن، تتمرد الأسئلة بذهني بقوة أرجو أن يجيب عنها علماء الاجتماع والتحليل النفسي والنقاد الفنيين وهي كالتالي :
لماذا هذه الهوة السحيقة بين أحلام الفنانين و فن الدراما والسينما، في التحليق بعيدا وبكل حرية وبين المتلقي الرافض لجرأة أصحاب هذا المجال في طرح مواضيع يراها هؤلاء طابوهات لا يجب التطرق لها وكأنها غير موجودة، بل إن التركيز عليها يعتبر جريمة في حق المجتمع؟ إلى أي حد قادر الفن على إنصاف فئات مجتمعية “مختلفة ” عبر تسليط الضوء عليها؟ متى سنرى في مجتمعنا المغربي نقلة نوعية في الترحيب بكل ما هو جريء في الفن الدرامي والسينمائي، لدى فئات مجتمعية مختلفة ومتنوعة عديدة وعلى نطاق أوسع من الحالي؟ هل عرض مسلسل “المكتوب“ في رمضان شهر العبادة توقيت خاطئ للعمل أم العكس؟ إلى أي حد تساهم الضجة حول عمل ما في إنجاحه؟ وبالتالي في دفع عجلة الانفتاح أكثر فاكثر على كل ما هو جريء ومتميز ومختلف في مجال الفن ببلدنا؟
وفي الختام أشير إلى أن كل هذه الأسئلة تقودني إلى سؤال أعمق بالنسبة لي : كيف لمجتمع تسود فيه مجاملة الكتاب والكاتبات على أعمال ضعيفة أدبيا، وينتشر فيه المدح عوض النقد البناء ، هو نفس المجتمع الذي ينتقد الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية انتقادات لاذعة و غير مهنية ؟