محمد العميري : تيمات مقاماتي أستمدها من الأحداث التي يعيشها الناس
مغربيات
يعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا.
“مغربيات” تواصلت مع أحد كتاب المقامة المغاربة محمد العميري الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر. عن فن المقامة و عن ولعه بها كان لنا الحوار التالي مع محمد العميري..
هذا الحوار يندرج ضمن سلسلة من حلقات ستتناول مقامات محمد العميري و ستنشر على “مغربيات” طيلة شهر رمضان المقبل..
مغربيات : من هو محمد العميري؟
محمد العميري من مواليد دوار أيت أيوب جماعة إيكودار المنابهة بإقليم تارودانت سنة 1961. بعد حفظ أجزاء من القرآن الكريم وبعض المتون في كتاب الدوار، انتقلت إلى الدراسة الابتدائية بالدار البيضاء، ثم عدت إلى أيت أيوب ومنها إلى تارودانت للدراسة الإعدادية والثانوية بثانوية ابن سليمان الروداني حيث حصلت على شهادة الباكالوريا( تخصص الأدب العصري) سنة 1980. تخرجت مدرسا للغة العربية من المركز التربوي الجهوي بإنزكان سنة 1982.ثم عينت أستاذا بسيدي إفني من 1982سنة إلى غاية 1984، وبعدها انتقلت إلى ثانوية الداخلة بأولاد برحيل ،إلى أن “تقنسبت” (منحوتة من التقاعد النسبي) سنة2019.
عرف عنكم أنكم تكتبون في فن المقامة و لكم مقامات كثيرة، ما هو تعريفكم لفن المقامة؟
بالنسبة لي وبكل اختصار المقامة هي كاريكاتور لغوي، وقالب أدبي عربي قح، لم يأت مع مدافع نابليون ،أو مع الاستعمار الغربي كما قالوا لنا عن القصة والرواية والمسرح وغيرها…قالب أدبي صالح لانتقاد كل الظواهر المشينة، وكل السلوكيات السلبية محليا وفي كل أنحاء العالم، ويحارب التفاهة والسفاهة التي ناءت بكلكل اللغة العربية وجثمت على صدور أبنائها…
ظهر فن المقامة مع بديع الزمان الهمداني في القرن الحادي عشر الميلادي و سار على دربه معاصره الحريري ثم بعد ذلك بقرون و تحديدا في القرن التاسع عشر جاءت مقامات اليازجي. و بين هؤلاء و بعدهم كُتِبت مقامات لم ترق إلى أهمية مقامات هؤلاء الأعلام الثلاثة. مقارنة مع الشعر مثلا نجد لكل جيل شعراء كبار منذ غابر الأزمنة إلى يومنا هذا. هل المقامة طارئ على الأدب العربي و هل مازال للمقامة مكان بين الأصناف الأدبية الأخرى؟
نعم، لكن بمجموعة من الشروط، لعل أهمها النأي بالمقامة عن الإغراق في الصنعة والشقشقة اللفظية، وإظهار البراعة اللغوية على حساب المضمون الهادف والمحتوى الرفيع الذي يلامس ويتنطس المشاكل، ويضع الإصبع على مكامن الأدواء.
يرى بعض النقاد و بعض الأدباء ممن ناقشت معهم مقاماتك أنك أحد أهرام فن المقامة عبر العصور. و أن مقاماتك لا تقل أهمية عن مقامات الرواد. و أنك أكثر من جدد فيها. ما سر نجاحك في كونك حافظت على مقومات المقامة من سجع و غريب و لغة غاية في الفصاحة و مع ذلك تقدم نصوصا حديثة سهلة المنال للقارئ الحالي؟
سيدتي : لقد أخجلت في التواضع بما أجدت من ترافع…هذا حكم قيمة أعتز به وبمن أصدره في مقاماتي…صحيح أنني لم أتخذ الصنعة والشقشقة اللفظية هدفا فيما كتبته من مقامات، لأن ذلك يقتل فن المقامة ويحولها إلى مومياء محنطة لا روح فيها ولا طعم ولا رائحة،كما أنني غلبت فيها الفكاهة والسخرية الهادفة مما يجعل كل من قرأها لا يحس بثقل التوابل البديعية والبيانية التي تعتبر توابل أساسية عند كتابة المقامات…كما أن ( التيمات) التي أختارها لمقاماتي (تيمات) أستمدها غالبا من الأحداث التي يعيشها الناس ، وتلامس اهتماماتهم السياسة الداخلية والخارجية (بطالة، حملة الشواهد، استغلال الدين، البيدوفيليا،التعليم،الشطط السلطوي ،الشعوذة.الصحة وغيرها…) مما ينفخ فيها الروح ويجعلها سهلة المنال عند القارئ أو السامع، لأنها تكون قريبة إلى اهتماماته وهمومه.
هل يكتب العميري غير المقامة خاصة و أنك تبدو رجّازا متمكنا من خلال الأبيات التي تتضمنها مقاماتك؟
بحر الرجز عير الشعراء كما يقولون، وأنا لست شاعرا ، وقد أنظم الشعر عند الضرورة، ولا أجد نفسي إلا في فن المقامة…وقد بدأت في مشروع كتاب جديد تحت عنوان: “من ذكريات مدرس متقنسب” وأتمنى أن يتلقاه قرائي على قلتهم بالحماس والقبول نفسه الذي يتلقون به مقاماتي .
كيف ترى وضع اللغة العربية اليوم بالمغرب؟
لغة الضاد تعاني من التفاهة والفهاهة والسفاهة…ولو بعث شاعر النيل حافظ إبراهيم من مرقده للجأ إلى أسلوب الندبة وليس أسلوب الاستغاثة كما في قصيدته المشهورة على لسان اللغة العربية وهي تستغيث من تهميش أبنائها لها.