لطيفة الزيواني.. ابنة الحاضرة  و سفيرة الخزف 

مغربيات

لا تفوت لطيفة الزيواني الفرصة للحديث عن عشقها وشغفها بالخزف. مدافعة شرسة حين يتعلق الأمر بالتراث و تحديدا خزف مدينة أسفي، الذي تَعتبِر أنه وحده كفيل بأن يضع حاضرة المحيط، مدينتها، في مصاف المدن الأكثر تطورا و ازدهارا في المغرب. 

نشأت في وسط عائلة تمتهن الخزف ورغم محاولات الأب و الأسرة بإبعادها عن مجال يعتبر ذكوريا بامتياز، إلا أن لطيفة اقتحمت الورشات الحرفية و اضطرت لأن تكسر القاعدة و تدافع عن عشقها لهذا التراث الذي أخلصت له فبادلها الحب بالحب و العطاء بالعطاء. 

تعلم ووفاء

 لم تكتف بما تعلمته و تلقفته ببديهتها من عند الصناع الحرفيين القدامى الذين كانت تعج بهم ورشات أبيها بمدينة أسفي، بل راحت تقتفي، في رحلاتها المتعددة لعدد من الدول الأوروبية، أثر الصنعة و تطورها عبر العصور، حيث استطاعت أن تجلب تقنيات جديدة لم تكن معروفة من قبل، تعتمد أفرنة متطورة و تقنيات لم تكن معروفة من قبل. كل غلط في خدمة الخزف و تطويره. حتى لم تمنعها دراستها الجامعية في الفلسفة بأن تعود إلى حضن الخزف من جديد، رغم إلحاح الأسرة عليها في الابتعاد عن المجال، إلا أنها أن عشقها للخزف “المسفيوي” كان أكبر من كل محاولات الصد التي باءت بالفشل. 

عن هذه الرحلة تقول ل”مغربيات” : عندما ألمس الطين أشعر أنني في عالم آخر، و أدرك أن الحياة بعيدا عن الخزف تصبح غير ذات جدوى و لا معنى لها إطلاقا. 

هكذا كانت حياة لطيفة و لازالت، سلسلة من التعلمات لا تنتهي في مجال الخزف ، و في كل مرة تفاجئ من حولها بمشروع جديد، حتى أن خوضها غمار السياسة و ولوجها قبة البرلمان كنائبة عن مهنيي الصناع التقليديين بمسقط رأسها أسفي، لم يكن إلا بدافع أن يصبح للخزف صوت يدافع عنه و ينافح من أجله في اللقاءات و الملتقيات و الندوات. 

ذاكرة المدينة والخزف

من العادات التي تأثرت بها لطيفة تلك الطقوس التي كان يمارسها الصناع الحرفيون القدامى، حيث كانوا ينزعون نعالهم في حضرة الطين قبل أن يلمسوه، كما كانوا يصلون ركعتين شكرا لله، قبل الشروع في العمل و تحويل الطين إلى قطع و تحف فنية، إذ يعد الطين مصدر عيشهم و أصل الإنسان. 

 ترسخت هذه الطقوس في وجدانها و حفرت في ذاكرتها صورا لا تنمحي، كما قربتها أكثر من الأجواء التي تتم فيها صناعة الخزف، وجعلته يحتل مكانا مهما في حياتها. 

تقول : هذه الأجواء التي ترسخت في وجداني و ذاكرتي كانت تمثل بالنسبة لي عالما ساحرا بكل المقاييس. كنت كلما خرجت و شاهدت أسوار المدينة العتيقة، و التي تكشف في أحد جوانبها عن صومعة المسجد و الكنيسة بجانبها كانت تشكل لوحة في غاية الجمال، ما زاد من تعلقي بهذا التراث الذي أعشقه حد الجنون. 

لكل صانع لمسته الخاصة و أسلوبه في الصنع، حيث أنه يضع اسمه أسفل القطعة، بل إن الملمين بالخزف يعرفون جيدا لمن تعود القطع من شكلها و واختيار ألوانها، إذ لكل صانع أسلوبه الخاص الذي يختلف به ويميزه عن الآخرين.

في حديثها عن تاريخ الخزف الكثير من الحكايات و القصص، وهي بذلك استحقت أن تكون ذاكرة مدينة آسفي و حامية خزفها العريق.

دفاع مستميت

لاتفوت لطيفة الزيواني الفرصة للدفاع عن المشروع الذي آمنت به، وهو نهضة الحاضرة التي لن تتأتى بدون العناية بتراثها و ثقافتها التي يشكل الخزف المسفيوي أحد ركائزها الأساسية. تتأسف لمآل المدينة كغيرها من أبناء أسفي الذين يعرفون قيمة المدينة و تاريخها العريق، لكنهم لا يجدون إلا أن يركنوا للحسرة و الخذلان بعد أن بحت حناجرهم بالدفاع المستميت عن مدينة طالها النسيان و الإهمال رغم الأدوار التاريخية المميزة التي لعبتها ولازالت في تاريخ المغرب، إذ يشكل الخزف و تصبير الأسماك و محطة توليد الكهرباء و غيرها من المشاريع الهامة التي لم تشفع لهذه المدينة أن تنال ما تستحقه من مكانة و أن ينعم أبناؤها بالعيش الكريم. 

 

About Post Author