فتاح النكادي : الأغنية الشبابية اليوم مجرد فقاعة و نشر اللهجة المغربية بفضلها كذبة (2/2)
مغربيات
لا يمكن لكل من تذكر مسلسل “وجع التراب“ إلا أن يستحضر الموسيقى التصويرية التي لا تقل روعة عن العمل نفسه و ارتبطت به إلى حد كبير. كثيرون أحبوا هذا المسلسل لمخرجه شفيق السحيمي لكن القليلين يعرفون أن الموسيقى الرائعة التي رافقت أحداثه هي لفنان مبدع اسمه فتاح النكادي.
“مغربيات“ تواصلت مع الفنان و الملحن فتاح النكادي للحديث عن تجربته في الموسيقى التصويرية و عن ظروف توقف فرقة “النورس“ و الأغنية المغربية..
مغربيات : في مصر مثلا حقق الموسيقار عمار الشريعي نجاحا مبهرا بفضل موسيقاه في عدد من الأعمال الدرامية الناجحة ربما لم يحققها ملحنون آخرون، في نظرك هل ارتبط هذا النجاح بالأعمال نفسها أم أن الموسيقى أضافت للعمل لمسة خاصة؟
بداية يجب أن نعلم أنه لا مجال للمقارنة بين مصر و المغرب في هذا المجال. هناك (في مصر) يحظى الفنان باحترام وتقدير كبيرين، لأنالشعب المصري يدرك جيدا ما قدمه الفنانون للبلد، لذلك نجدهم لا يبخسون قيمة الفنان. الشيخ إمام مثلا اشتهر داخل مصر و خارجها رغم أنه كان مناهضا للنظام، و رغم ذلك اشتهرت موسيقاه كثيرا وحظي بتقدير كبير لدى جمهور عربي واسع داخل بلاده و خارجها. كما قلت، هناك فرق شاسع بين تقنيي الموسيقى التصويرية و المبدعين. عمار الشريعي هو مبدع موسيقى حقيقي. هل يمكن أن ننسى موسيقى مسلسل رأفت الهجان؟، الجواب : مستحيل. هل يمكن أن ننسى بعض تترات المسلسلات المصرية بصوت الفنان علي الحجار مثلا.. هناك أفلام كثيرة نستحضر موسيقاها التصويرية أكثر من الفيلم نفسه، مثل “الدكتور جيفاغو“ و “العراب” و غيرهما من الأفلام. بالعكس أرى أنه كلما اشتهر العمل إلا و اشتهرت الموسيقى كذلك. بل أحيانا تصبح الموسيقى أشهر من العمل نفسه.
كيف ترى الأغنية المغربية اليوم؟
الأغنية المغربية هي تلك التي ناضل من أجلها موسيقيون مبدعون منذ بداية الاستقلال، رغم صعوبة الظروف و قلة الموارد، و قد استطاعوا أن ينتجوا أغنية مغربية عصرية بعيدا عن الأنماط السائدة المتداولة و القديمة. لا يمكن أن ننسى محمد بن عبد السلام، عبد السلام عامر، عبد القادر الراشدي، عبد العاطي آمنا، و أحمد البيضاوي و اللائحة طويلة و هم من أعطوا محمود الادريسي، عبد الوهاب الدكالي، محمد الحياني و عبد الهادي بلخياط، نعيمة سميح و سميرة سعيد و بهيجة إدريس..إذن هؤلاء فنانون سيبقون خالدين. للأسف الآن تم خلق موجات غنائية هجينة و ضعيفة جدا، يمكنها أن تحقق انتشارا واسعا يصل صداه السماء خلال ثلاثة أشهرفقط، لكنها حتما ستموت في وقت وجيز جدا، و الدليل أنه عندما يتقدم بعض الشباب في المسابقات الغنائية في بعض برامج الهواة، يعودون دائما للمدرسة الحقيقية في الغناء، لأن فيها تقنيات الغناء. بالله عليك قولي لي هل سمعت أحد المتبارين تقدم ليغني “أنت باغيا واحد..“؟، لا طبعا، لسبب بسيط هو أنها لا تتوفر على تقنيات الغناء التي يمكن أن تبرز المساحة الصوتية للمتباري. لا أنكر أن هناك أصوات رائعة اليوم في المغرب لشباب موهوب، لكن للأسف كل ما نراه اليوم هو مجرد “فقاعات“ ستنتهي مع مرور الوقت، و هناك كذبة كبيرة في أن يكون هؤلاء قد نشروا اللهجة المغربية من خلال أغانيهم. بالنسبة لي لا يفرحني بتاتا أن يتعرف مواطن عربي على اللهجة المغربية، لأن هذه اللهجة هي من صنعت روائع الملحون و الزجل المغربي الرائع، وهي أمور أعتبرها أقوى بكثير من فكرة أن يفهمني عراقي أو إماراتي أو مصري أو غيرهم. شخصيا لا يعنيني ذلك تماما.
من هو مثلك الأعلى وطنيا ودوليا؟
كثيرون طبعا. أبرزهم هؤلاء الذين درسنا موسيقاهم في مرحلة الدراسة الأكاديمية. عندما أعزف “موزار“ أو “بيتهوفن“ أو “تشايكوفسكي“،باو غيرهم . هؤلاء جميعهم يشكلون مدارس حقيقية في الموسيقى. تعلمت منهم الكثير و ساعدوني في تعلم تقنيات كثيرة في العزف، و ربوا عندي موهبة الخلق و الإبداع. ثم هناك الأنماط الجديدة مثل “الجاز“و الموسيقى العربية التجريبية ككل. أنا أضع نفسي في خانة الموسيقى التجريبية، حيث لا يمكنني خلق موسيقى أفضل من الموسيقى المغربية القديمة أو العربية، لكني أعمل على خلق موسيقى تجريبية فيها خلق و مزج بين كل الأنماط التراثية و العالمية انطلاقا من تراثنا المغربي الأصيل. هناك أغاني تبقى خالدة بالنسبة لي وكلما سمعتها إلا و افتتن بها كأنما أسمعها لأول مرة، مثل “يا طيور“ لأسمهان، أو “حيرت قلبي معك“ لأم كلثوم لرياض السنباطي، كما أن ألحان القصبجي تبقى ألحانا خالدة، هناك “الشاطئ“ لعبد السلام عامر، “عندما يأتي المساء“ لمحمد عبد الوهاب ، أو “ياك جرحي“ لنعيمة سميح.. هناك الكثير من الخالدات التي تسكن وجداننا و أثرت فينا بشكل كبير و لازالت إلى غاية اليوم.
قضيت سنوات طويلة بمدينة بني ملال، ما الذي تركته هذه المدينة في نفسك؟
أرى أن الفنان ينبغي ألا يمكث في مكان واحد. كما أن لآفاق في مدينة كالدار البيضاء هي أوسع منها في باقي المدن، حيث تتيح إمكانية أكبر للانتشار و الظهور. أما بني ملال فأعتبرها مدينة جميلة ورائعة ، فيها النبل و الخير كله. هذه المدينة منحتني كثيرا من الحب و لا يسعني إلا أن أبادلها الحب و الوفاء. لكن كما قلت لم يكن ممكنا بالنسبة لي أن أبقى فيها، نظرا لظروف العمل. حلمي الكبير من أجل الانتشار دفعني لكي أغادرها نحو آفاق أخرى. في الحقيقة سنوات الدراسة التي امضيتها في الدار البيضاء كانت دائما تدعوني للعودة، لكن بني ملال حاضرة دائما في وجداني و ذاكرتي. و على الرغم من كثافة الأنشطة التي كنت أشارك فيها في بني ملال و التي كانت تصل إلى نشاطين أو أكثر أسبوعيا، إلا أنه للأسف لم تكن تسلط عليها الأضواء بما يكفي، كما يحصل في مدينة من حجم الدار البيضاء. و الحقيقة أن هذا يعتبر حيفا بحق المدن الصغيرة و الهامشية.
كيف هي علاقة فتاح النكادي بالمرأة؟
المرأة هي أمي و أختي و و زوجتي و ابنتي..هي النصف الثاني للرجل. المرأة متساوية مع الرجل في كل شيء. أنا ضد كل أشكال التمييز ضد المرأة.، بما في ذلك الأحكام المجتمعية و الدينية التي تفصل بينهما في الحقوق و الواجبات. لست متفقا في العديد منها مثل الإرث مثلا، وقد سبق وعبرت عن هذه المواقف في العديد من المناسبات، كما أنتجت أغنية في هذا الإطار تحمل عنوان “فاطمة“ تنادي بخروج المرأة عن النمط التقليدي السائد و النضال من أجل الحصول على حقوقها كاملة. أحيانا أضطر للسهر خارج البيت في مطعم رفقة ثلة من الأصدقاء، وكم يحز في نفسي أن تمكث زوجتي في البيت لرعاية ابنتنا الصغيرة جود (ثلاث سنوات)، و كم أتمنى أن تكون إلى جانبي في كل الأوقات، حتى تشاركني هذه المتعة.
هل يهتم الأبناء بالموسيقى ؟
لي ابنتان : كنزة تبلغ من العمر 20 سنة وهي تقيم في فرنسا، ثم جود أتمت في 3 مارس الجاري سنتها الثالثة. بالنسبة لكنزة لها مواهب موسيقية لكنها لا تريد أن تبرزها، حيث تعتبر أن الوقت لم يحن بعد و أنا أترك لها كامل الحرية في اختيار ما تريد. بالنسبة لجود فلا تزال صغيرة.
ما هو جديد فتاح النكادي؟
هناك ألبوم جديد يحمل عنوان “خاطري“، نحن بصدد الاستعداد لإصداره على منصات التواصل الاجتماعي، ثم هناك فيلم بعنوان “حبيبة“للمخرج حسن بن جلون و أنا ألعب فيه دور البطولة، سوف يعرض قريبا في القاعات السينمائية. ثم هناك مشاريع موسيقى تصويرية مع المخرج عادل الفاضلي في فيلمه القادم “أبي لن يموت“، هناك أيضا عمل مع يوسف فاضل، وعمل آخر مع محمد منحار..