عائشة لحبوسي.. فنانة تشكيلية تشبه نبات الصبار وتبدع في صناعة الدُمى

مغربيات

عائشة لحبوسي ليست صانعة دمى من الصوف و حسب، كما قد يبدو للوهلة الأولى، هي فنانة تشكيلية استطاعت أن تنقل الحس الفني الذي يسكنها إلى دمى مصنوعة من الصوف، و تحولها إلى كائنات بروح، تشعر عند رؤيتها أنها تكاد تنطق، لكل من هذه الدمى شخصيتها المستقلة التي لا تشبه الأخرى، ما منحها هذا التفرد ‪و دفع بالكثيرين إلى طلب دُمَاها المميزة‬ .

مغربيات تواصلت مع عائشة لحبوسي للحديث عن مسيرتها الفنية و عن هذا العشق الجارف للصبار بداية ثم للدمى التي تبدع في تشكيلها وعن علاقة حميمية تجمعها بكائنات من صوف..

صنعة متورارثة

منذ مرحلة مبكرة من حياتها و أثناء زياراتها لجدتها بمدينة وزان، تشربت عائشة أصول حرفة حياكة الصوف، على يد جدتيها من أبيها و أمها وهما الأختان الشقيقتان، اللتان كانتا بارعتين في حياكة الصوف و الخياطة. عن هذه الفترة تقول عائشة لمغربيات : لم يكن يسمح لنا ونحن طفلات أن نمضي وقت الفراغ دون أن نتعلم الصنعة و حياكة الصوف، وهو ما جعلني قريبة من هذا العالم الذي أحببته و عشقته ولم أعد أستطيع الانفكاك منه. بيت جدتي كان يعج بأجواء الخياطة و الحياكة و الطرز وغيرها..

في تلك الأجواء حيث نشأت عائشة تعلمتْ كيف تحول أعواد القصب إلى دمى جميلة تلبسها أثوابا تخيطها مما بقايا الأثواب التي تخيطها الجدة كشكل من أشكال ما يعرف بتاغنجا، وبعد انقضاء العطلة و العودة إلى مدينتها الرباط، تحمل عائشة معها ذكريات و حنينا لصناعة الدمى.

من التشكيل إلى الصبار

أقامت عائشة لحبوسي معرضا للوحاتها بالمدرسة التي كانت تدرس بها بحي ديور الجامع وسنها لا يتجاوز الحادية عشرة. عن تلك التجربة تقول : أذكر أنني أقمت معارض في المدرسة و دور الشباب، وكنت متحمسة جدا للمشاركة في الأيام الثقافية و حفلات نهاية السنة التي كانت تقام بالمؤسسات التي كنت أتباع دراستي الإعدادية و الثانوي بها. أعتز كثيرا بهذه التجربة التي منحتني الكثير، أبرزها ثقتي بنفسي و بموهبتي. هذه التجربة و الانفتاح على الفعاليات سيقودان عائشة إلى المشاركة في معرض أقيم بدمشق بسوريا بدعوةة من وزير الثقافة السوري آنذاك، شاركت خلاله بمعرض للوحات و الدمى التي كانت تتفنن في صناعتها. لكنها وهي تنتشي بنجاح معرضها و دهشة الحاضرين بموهبتها لم تكن تعلم أن وجهتها لدراسة الفن ستكون سوريا، البلد الذي احتضن واحدا من أهم معارضها. بتشجيع من السفارة المغربية آنذاك (نهاية التسعينيات) انتقلت عائشة إلى دمشق لمتابعة دراستها بأحد معاهد الفنون الجميلة، حيث تخرجت وعادت مسلحة بدبلوم و تجربة مهمة في المجال الذي اختارته. هذا المعرض الذي كان سببا في متابعة دراستها بسوريا سوف تليه معارض متعددة و متنوعة سواء داخل الرباط أو خارجها.

في خضم رحلتها الفنية التي تعززت بتجارب متنوعة توزعت بين الفن التشكيلي و اليدوي، سوف تلتقي عائشة برفيق دربها و يقرران سويا السفربرفقة ابنهما، هذه المرة كانت الوجهة بعيدة، حيث سافرا لكندا، قبل أن يعودا بعد سنوات من الغربة للوطن الأم، وهنا سوف تنقلب حياة عائشة رأسا على عقب، بعد مرورها بمحنة صحية، لم تزدها إلا إصرارا و عزيمة لتحقيق النجاح و التشبث بالفن الذي اختارها قبل أن تختاره .

رحلة الصبار

تشِبِه عاشة رحلة حياتها بنبات الصبار الشوكي. حيث مرت بمحنة صحية جعلتها تتوقف لسنوات عن مزاولة الرسم و صناعة الدمى، ظنا منها أنها لن تعود مجددا للإمساك بالفرشاة، لكنها في النهاية تغلبت على كل الصعاب التي مرت بها، رغم قساوتها، و التفتت إلى هذا النبات الذي يستطيع أن يعيش في أي مكان و أن يمد فروعه رغم قسوة المناخ وندرة الماء. هكذا أقنعت عائشة نفسها بأنها تشبه نبات الصبار في صموده و إصراره و أن الوعكة الصحية التي ألمت بها على حين غرة لن تمنعها من المضي قدما فيما رسمته لنفسها منذ البداية.

تؤكد عائشة : لا أعلم هذا الحب الجارف لنبات الصبار الذي كنت أشعر به و أنا أجتاز محنتي الصحية التي ألمت بي، تخليت عن الفرشاة و الرسم، و توجهت بكل قواي إلى تشكيل الصبار بالصوف، تماما كما كنت أفعل بصناعة الدمى. بقيت على هذه الحال لوقت طويل و أنا أتفنن في صناعة أنواع و أشكال من الصبار دون كلل أو ملل، رغم انتقادات الكثيرين، إلا أنني لم أكترث. عالم الصبار كان متنفسي الوحيد و أنا أجتاز وعكتي الصحية. شيء غامض كان يقودني نحو هذا المنحى لا أعرفه تماما.

دمى تكاد تنطق..

بعد رحلتها الفنية مع الصبار، سوف تستأنف عائشة نشاطها الفني بالعود لصناعة الدمى التي تفننت فيها إلى حد يجعل من هذه التحف” كائنات تكاد تنطق. لكل دمية تقضي عائشة أياما في تشكيلها علاقة خاصة بها و مكانة في قلبها، تجعل من مسألة منحها لأحد طلبها أمرا شاقا و مؤلما كما لو كانت ستتخلى عن قطعة من روحها..

تقول هي نفسها عن هذه الدمى : هادئة دمياتي الصوفية، فهي تتأمل الكلمات في صمت ، تنام و تصحو على صوت واحد و لا تنطق به، ولا أعرف ما تقوله لي في هذا الصمت الجميل المُطْبق. هكذا أقومُ يوميا بتطويعها، بتمرينها، بترويضها على الحياة، وعلى الحرية لتحيا فيالعالم كما أطفال العالم، معنا وبين الأحضان.

و تضيف : كانت ولا تزال الدمى المصنوعة يدويًا دائمًا تأخذ مجراها في الذاكرة، وفي عقلي . فهي تكبر معي وتصبح صديقة الحياة وصديقتي. كل دمية صنعتها بيدي تعيدني طفلة تندهش بملمس خيوط الصوف الدافئ و كيف تكونت الفكرة الأولى حتى النهاية! سأظل أقدرهذا العمل الفني وأدعمه جدا بروحي ووقتي ومالي، لأنه يشبهني ويعيدني طفلة رغما عن الزمن.

تفضل عائشة ألا تضع لدُمَاها إلا العينين فقط، فهي كائنات صموتة لا تتحدث و لا تسمع، فقط ترى بعينين يضفيان عليها حياة و يجعلان لها شخصية مستقلة بحيث لاتشبه الواحدة الأخرى، تجعل الماثل أمامها مشدوها في حضرة صمتها المدوي..

الفنانة عائشة لحبوسي

About Post Author