عائشة زكري : “مسار حياة بين الأمل الضائع والألم الثابت” يلخص تأملاتي في هذا الوجود العبثي
أجرى الحوار : هشام كنيش
ينطوي الإصدار الموسوم ب “مسار حياة بين الأمل الضائع والألم الثابت” (أبريل 2021) للناشطة النسائية عائشة زكري على أهمية بالغة، إذ قلما نجد كتابة المذكرات الشخصية، على نهج السيرة الذاتية، التي تهم المسار النضالي وتجارب الالتزام السياسي في المغرب، لا سيما في صفوف النساء.
بناءً على ذلك، قد تواصلت “مغربيات” مع الكاتبة عائشة زكري للحديث عن هذا الإصدار الجديد والتساؤل عن أهميته وقيمته، وسياق إنتاجه وأهم الأفكار التي يتعرض لها، و كذا الوقوف عند أبرز خلاصاته ورسائله…
مغربيات : ماذا يعني لك كتابة مذكرة شخصية حول مسارك النضالي؟
ما كتبته ليس فقط مذكرة شخصية حول مساري النضالي بل هو أكثر من ذلك، ما كتبته هو كل ما عشته في هذه الحياة، ما عانيته، ما شاهدته، هو خلاصة تجربتي الذاتية، وساعدتني فترة كوفيد ـ19 بشكل كبير أن أجلس وأدون بسرعة كل ما كان عالقا بداخلي من آلام وآمال. إنها تأملاتي في هذا الوجود العبثي، وتساؤلاتي حوله، أي تساؤلاتي حول مغزى الحياة، لماذا نأتي ونكافح ونصارع ونتعذب ثم نذهب بدون إرادة، بدون استشارة بدون اختيار؟ إنها تساؤلاتي حول الحرية حول الكينونة و حول الذات…
هي تساؤلات فلسفية بطبيعة الحال لكنها فرضت نفسها علي منذ الصغر لأنه طغى علي التأمل في كل واقعة في كل حالة قبل أن أختار دراسة الفلسفة، هذا التأمل جعلني أعيش انعزالا مستمرا، أتأمل في الأحداث الاجتماعية والسياسية والطبيعة على وجه سواء.و أطرح الأسئلة الأبدية : لماذا؟ وكيف؟ ومن أجل أية غاية؟ وما الهدف؟
ومن جهة أخرى كان لفاجعة موت الوالد في سن مبكرة جدا من حياتي أثر قوي انعكس سلبا وإيجابا على مسار حياتي؟
فتاة وإخوة وأم بدون سند بدون معونة في مواجهة معركة الحياة، إنها معركة قاسية جدا جعلتني أتساءل بحرارة لماذا نحن وليس الآخرون؟ ما ذنبنا نحن؟ نحن نعيش الحرمان والآخرون يعيشون البحبوحة؟ لماذا ولماذا؟ خاصة حينما أقارن وضعتنا كأسرة بالآخرين ابتداء من الجيران إلى الغير الأوسع إلى العائلة الكبيرة فيعود السؤال الأبدي لماذا نحن؟ لماذا ليس هناك عدالة في هذا الوجود، وفي هذا المجتمع؟ إنه الظلم بذاته وعينه. لماذا هناك أغنياء وهناك فقراء وما دنب الفقير أن يولد فقيرا؟ لماذا لم نستشار في اختيار الطبقة التي ننتمي إليها؟ وهو عامل إيجابي أيضا لأنه دفعني إلى ممارسة التحدي القوي لكل هذه الظروف العصيبة ومحاولة بناء الذات على الاختيار الممكن نسبيا وليس كليا.
ما هي أهمية مثل هذا الإصدار وأي جمهور يستهدف؟
أهميته في كونه بوح من الذات فيما هو وجودي وما هو اجتماعي وما هو سياسي أيضا، ولذلك لم أستهدف أي جمهور معين بقدر ما استهدفت التخلص من تراكمات طغت في داخلي وأردت التخلص منها، ولكي أخبر من يريد أن يستفذ أن الحياة كفاح ومعاناة وحرب دائمة مع النفس ومع الغير الذي يريد أن يضيق عليك الحياة، ويزيد من حرمانك ومن تعذيبك أنانية منه في كثير من الأحيان.
إن القارئ لنص المذكرة، يلاحظ الحضور القوي والبارز لموضوعتي الألم والأمل، ما هي دلالات ذلك؟
لا شك أن محورية الألم كانت كبيرة جدا بناء على التأمل في هذا الوجود، وفي هذه الحياة نتيجة الفواجع التي عشتها وأهمها فاجعة موت الوالد، ثم صراع الوالدة مع الظروف الصعبة لحماية أفراد الأسرة وأغلبهم بنات، بالإضافة إلى الظروف السياسية القاسية التي كانت تمر منها البلاد. ثم المقارنات التي كنت أقوم بها مع الغير بمختلف مكوناته اجتماعيا واقتصاديا وطبقيا بصفة عامة.
هذا بالإضافة إلى كوني عشت ما سمي بسنوات الرصاص بظلامها وأحداثها المفجعة، كما عشت عن قرب المحاولتين الانقلابيتين العسكريتين الفاشلتين بكل مراراتهما. كل هذه المعطيات دفعتني، منذ مرحلة التعليم الثانوي، إلى الانتماء إلى الصف الديموقراطي والانخراط في صفوفه. ومن هنا برز الأمل وتشبت به بشكل كبير، الأمل في التغيير، أي تغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل المستضعفين.
لكن تجربة 2011 جعلتني أسقط في الإحباط من جديد، ودفعتني إلى التساؤل: هل يعقل بعد كل ما مر به المغرب من ويلات متعددة ومتنوعة أن يطغى مثل هذا التفكير الرجعي في بلادنا؟ ما العمل إذن؟ وهذه النقطة تعيدني إلى بؤرة الألم من جديد، ألم قاسي جدا قد يكون أفظع من الألم الأول، لكن نداء في داخلي يناديني بالاستمرار في مواصلة النضال ومواصلة الكفاح من أجل هذا الوطن الذي أحبه ولا بديل لي عن ذلك.
ماهي دعوتك ورسالتك بعد كتابة هذه المذكرات الشخصية؟
أدعو جميع الأصدقاء والصديقات إلى كتابة تجربتهم لأنني أعرف أن هناك كثيرا منهم عاشوا تجارب غنية ويجب تدوينها كي يستفيد منها الغير وكي لا تضيع مجهوداتهم هباء منثورا.