عائشة الكنتوري : زينب النفزاوية امرأة قوية تربعت على عرش أقوى امبراطورية عرفها الغرب الإسلامي

مغربيات 

 تعد زينب النفزاوية زوجة السلطان يوسف بن تاشفين زعيم الدولة المرابطية التي حكمت المغرب خلال العصر الوسيط من بين أهم الشخصيات النسائية التي طبعت تاريخ المغرب، بفضل ذكائها السياسي و قوة شخصيتها و جمالها الأخاذ.   

تحكي المصادر التاريخية أن زينب النفزاوية لم تكن دائما وراء السلطان يوسف بن تاشفين، بل إنها كثيرا ما برزت على واجهة المسرح و تدخلت في أكثر من مناسبة في توجيه الأحداث. 

للحديث عن هذه الشخصية و عن الأدوار السياسية التي لعبتها في تاريخ المغرب التقينا بالأستاذة الباحثة في تاريخ المغرب خلال المرحلة الوسيطية بجامعة القاضي عياض بمراكش عائشة الكنتوري.  

و ذكرت عائشة الكنتوري أستاذة التاريخ بجامعة القاضي عياض بمراكش إن تخصصها في تاريخ المغرب خلال المرحلة الوسيطية و اهتمامها بمجال المرأة  جعلها تكتشف لائحة طويلة جدا لنساء لعبن أدوارا كثيرة في تاريخ المغرب، لافتة إلى أن سجل المرأة المغربية حافل بأسماء متعددة. في جميع التخصصات : هن طبيبات، أديبات و شاعرات  و فقيهات و سياسات بصمن تاريخ المغرب في كل المجالات

و أضافت أن هناك امرأة تعد من بين أشهر النساء في تاريخ  الغرب الإسلامي (شمال أفريقيا و الأندلس)، لكونها ظهرت في مرحلة حكم الدولة المرابطية في القرن الخامس الهجري و الحادي عشر الميلادي، حيث لعبت دورا كبيرا في بناء أكبر امبراطورية في هذه المنطقة من العالم الإسلامي، وهي زينب النفزاوية. 

و أوضحت الباحثة أن أصول هذه المراة أمازيغية تعود لأفريقية (تونس) و تحديدا لمدينة القيروان، حيث تعد أول مدينة إسلامية في بلاد الغرب الإسلامي، هي مدينة العلم و الفقه و الطب و التجارة. و زينب النفزاوية هي ابنة واحد من أهم تجار القيروان آنذاك وهو إسحاق الهواري. 

 هاجرت أسرتها في ظروف ما (هناك تضارب في الآراء) نحو مدينة أخرى ربما هي أقل قيمة من القيروان لكنها مهمة في تاريخ المغرب وهي مدينة أغمات (ضواحي مراكش)، وهي عاصمة الدولة المرابطية قبل بناء مراكش، لأنها كانت محطة تجارية مهمة، حيث كانت كل القوافل التجارية القادمة من الشرق و الاندلس تحظ الرحال بأغمات، و منها يعبر الوافدون عليها إلى الصحراء، و من تمة إلى السودان الغربي التي اشتهرت بالذهب، حيث اجتمعت فيها كل الأسر الميسورة لكونها كانت حاضرة المغرب نظرا لما تزخر به من نشاط تجاري، وهي، طبعا، ظروف هيأت لهذه المرأة أن تعيش حياة الترف و تطلع على أصول الفقه و توسع من مداركها. 

و أضافت أن زينب النفزاوية جمعت بين الجمال الأنثوي و رجاحة العقل، لدرجة أن شهرتها بلغت كل بلاد الغرب الإسلامي، خاصة أنها كانت ترفض الزواج من كل التجار الذين كانوا يتقدمون لخطبتها، وتقول إنها لن تتزوج إلا بمن يحكم مجموع المغرب، حيث اتهمت بكونها ساحرة أو كاهنة. وفي ظروف ما سوف تتزوج زينب من أحد أغنياء المصامدة (نسبة إلى منطقة مصمودة)، و ستستقر في قصر بأعلى قمة بالمنطقة وهي جبل توبقال بالأطلس الكبير، إلا أن هذا الزواج لم يعمر طويلا، لتتزوج ثانية من أمير منطقة أغمات وهو لقوط المغراوي، ومع قدوم أبو بكر بن عمر المرابطي سوف تنشب حرب بين المرابطين و زوج زينب النفزاوية، حيث سيقتل زوجها في هذه المعركة لتتزوج للمرة الثالثة من الأمير المرابطي أبي بكر بن عمر. هذا الأخير سوف يرحل إلى أقصى الصحراء و يطلب من ابن عمه يوسف بن تاشفين أن يتزوج من زوجته زينب، لاعتقاده أنه ربما يموت هناك في الصحراء، و تصبح بذلك زوجة لأكبر حكام المغرب للمرة الرابعة وهو السلطان يوسف بن تاشفين. 

ترى الباحثة  أن زواج زينب النفزاوية من يوسف بن تاشفين يعتبر أهم فصل في تاريخ هذا السلطان المرابطي، حيث ينطبق المثل المأثور “وراء كل عظيم امرأة” على هذا الارتباط الذي جمع الإثنين.. 

وتوضح  الأستاذة الباحثة ذلك بكون  زينب النفزاوية كانت امرأة عظيمة و قد كانت وراء كل النجاحات التي حققها يوسف بن تاشفين عندما وحد المغرب لأول مرة في تاريخه، كما سيقضي على ملوك الطوائف و يضع حدا للمد المسيحي الذي كان يشكل خطرا على التواجد الإسلامي في شمال أفريقيا و الأندلس عقب معركة الزلاقة، إذ تعد زينب النفزاوية المستشارة السياسية للسكان و المتحكمة في كل دواليب الحكم. 

وعن حضور هذه المرأة القوية في القرار السياسي، أوضحت أن المصادر التاريخية على قلتها، تتحدث عن الحضور البارز لزينب النفزاوية التي لم تكن تكتفي بالظل، بل كانت في مرحلة من المراحل هي القائدة الفعلية و المخططة لكل المعارك التي قادها يوسف بن تاشفين، و خلف كل النجاحات و الانتصارات التي حققها. و ربما من الأمور التي تروى عنها أنها في مرحلة من المراحل حين سيعود زوجها السابق أبو بكر بن عمر ليسترد زوجته (أي زينب) و إمارة حكمه، ستعمل على إحباط هذه المحاولة بذكائها و دهائها السياسي، حيث أملت على زوجها السلطان يوسف خطة محكمة، طالبة منه أن يستقبل ابن عمه خارج  العاصمة مراكش و أن يمتطي فرسه بثقة و أن يغدق عليه بالهدايا التي تليق باللقاء، وهو ما جعل ابن عمه يتراجع عما كان يدور في خلده، حين رأى ما أصبح عليه يوسف ابن تاشفين من قوة و سلطة و جاه، وقد كانت رسالة السلطان يوسف بن تاشفين مشفرة، لكن ابن عمه أبو بكر التقطها بذكائه، مما جعله يصرف نظره عما كان يخطط له و يعود أدراجه إلى الصحراء تجنبا لسفك الدماء و تفكيك الدولة. 

وعن بناء مراكش عاصمة المغرب إبان حكم المرابطين، تؤكد عائشة الكنتوري أن زينب النفزاوية كانت وراء بناء هذه المدينة و تصميمها، وهو ما تعتبره الباحثة بغير غريب لكونها قادمة من عاصمة الغرب الإسلامي القيروان، وهي التي ترعرعت في واحد من أكبر حواضر الغرب الإسلامي كذلك، وهي مدينة أغمات، في حين أن يوسف بن تاشفين هو ابن الصحراء و لا علاقة له بالحضارة، إذن فهي من كانت وراء كل تلك الإنجازات الحضارية. 

و تحدثت عن شح المصادر التاريخية التي لم تذكر بشكل مفصل حياة تلك المرأة، نظرا لكون المؤرخين يجتنبون الحديث عن النساء، من باب التورع و التعفف، حيث كان أغلبهم يعتبر أن هذا الموضوع من الممنوعات  و المحرمات، وهو ما يدعو إلى تجميع بعض الشذرات التي جاءت مناصرة في المصادر التاريخية التي تناولت هذه الشخصية. 

و اختتمت حديثها بكون زينب النفزاوية كانت رمزا للذكاء و الجمال الأنثوي، حتى أن من لقبوها ب”الساحرة” إنما فعلوا ذلك لكونها كانت تسحر كل من يجالسها بجمالها و ثقافتها الواسعة و رجاحة عقلها، باعتبارها كانت وراء أقوى امبراطورية بالجناح الغربي للعالم الإسلامي الذي كان يعيش في تفكك و تشتت، حيث كان هناك السلاجقة في الشرق و في الغرب الإسلامي كان ملوك الطوائف يتحاربون فيما بينهم، و في شمال أفريقيا كانت هناك مجموعة من الإمارات، التي توحدت على يد يوسف بن تاشفين لتصبح زينب النفزاوية أميرة الغرب الإسلامي بلا منازع. 

About Post Author